تحدِّي المهدي

 

لم تكن المَرّة الأولى التي يتحدّث فيها الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي عن عدم نيته الترشّح في الانتخابات القادمة، والتنحّي عن رئاسة الحزب، الذي ظلّ يتقلّد رئاسته منذ 1964.

حزب الأمة القومي واحدٌ من الأحزاب التاريخية التي أسهمت كثيراً في تشكيل الساحة السياسية السودانية، ويصعب تجاوُزه في أي مرحلة من المراحل، لكن ظهر في الفترة الأخيرة هجوم كاسِح على قيادات الحزب، خاصةً على الإمام وأبنائه، وهذا الهجوم مَردّه في اعتقادي إلى العقلانية والموضوعيّة التي يتحدّث بها الإمام والتي لا تتماشَى مع نظر كثير من الثوار الذين معظمهم لم يمارسوا سياسة، أو لديهم انتماءات سياسية، وحّدتهُم الغبائن والضغائن التي مارستها الإنقاذ خلال الثلاثين عاماً.

دعوة المهدي للتنحّي عن رئاسة الحزب واجَهَت معارضة شديدة من قِبل كثيرٍ من الأنصار وأعضاء الحزب الذين حضروا النفرة الاستثنائية للحزب بحوش الخليفة أمس الأول، هذه المعارضة تُذكِّرنا بالدعوات التي كان يُطلقها الرئيس السابق عمر البشير حينما قال أكثر من مرة إنه لا يريد الترشّح في الانتخابات، إلا أننا نجد مقربين منه يرفضون ذلك الحديث، ويؤكدون أنه المُرشّح الأوحد، بل وصمّام الأمان، رافضين حديث بعض العقلاء من مغبّة الترشُّح مُجدَّداً، إلى أن سقط وسقطت الإنقاذ.

على الإمام المهدي وبكل تاريخه أن يسعى جاهِداً في التنحّي، ويتّعِظ من تجربة البشير، صحيح قد تُواجِه خطوة التنحّي متاريس كبيرة في الحزب، خاصة بعد التصدُّعات الكثيرة التي شهدها الحزبُ في عهد الإنقاذ، بعد أن هاجرَتْ كثيرٌ من تلك القيادات كابينة القيادة، وذهبت حيث الاستوزار.

صعوبة تنحّي المهدي تأتي لأنه لم يكن هناك في الأفق مَن يخلف المهدي، آخذين في الاعتبار أن أي حديث عن ترشُّح أحد أبناء الإمام أو بناته ربما يَخلِق أزمةً جديدةً في الحزب والذي تنتاشه اتهامات التوريث، فكثيرٌ من القيادات ترفض أي اتجاه لتوريث الحزب لأبناء الإمام وحتى وإن جاء ذلك عبر الديمقراطية.

المخرج للإمام حال اتّخذَ قرارَ التنحّي هو أن يسعى جاهداً لِلَملمة كل أحزاب الأمة والقيادات التي انشقّت عنه، والوصول معهم لتفاهُمات، وعقد مؤتمر جامع يُنتَخَب من خلاله رئيس الحزب، أي خطوة خلاف ذلك فلن يجد حزب الأمة نفسه في الساحة السياسية.

“الفيديو” الذي انتشر اليومين الماضيين، والذي كال فيه أحد الثوار اتهامات واضِحة لحزب الأمة القومي والذي كانت تُمثّله مريم المنصورة في ندوة،  بأنهم على علم بزمن فض اعتصام القيادة، يشير إلى أن الثوار والشباب الجدُد (كاسرين القيد) ومتمردون على الآباء، وهو تحدٍّ يتطلّب من الحزب التعامل معه، إن أراد إعادة مجده وسيرته السابقة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى