من أجل الوطَــــن

شُهُورٌ عصيبةٌ مَرّ بها الشعب السُّوداني، الذي صَبَرَ على الغلاء والبلاء وكل الإحن والمِحَن، شُهُورٌ يكاد كل منزل سُوداني تَأثّـــــر بالأحداث التي كانت تجري، ولكنه ثمنٌ كان لا بُدّ أن يُدفع.

كَثير من المُواطنين وأنا واحدٌ منهم، كُنّا مُتشائمين من نهايات جولات التفاوُض بين المجلس العسكري والحُرية والتّغيير، لم نكن نتوقّع أن يتم التّوصُّل لاتفاقٍ بين الطرفين في الوقت الراهن لعدة أسبابٍ، من بينها عدم وُجُود ثقة بين الطرفين، فَضْلاً عن تمترُس كل طَرفٍ في مَواقفه منذ فترةٍ طويلةٍ، إلى أن تدخّل كثيرٌ من عُقلاء الوطن، بجانب قلق الأصدقاء من دُول الجوار وغيرها.

كانت الإرادة بين الطرفين حَاضرةً في الاتّفاق، وهي كلمة السر المفتاحية في الاتّفاق والتي ذلّلت كَثيراً من العَقَبَات، بجانب تَنَازُل كُل طرفٍ عن مواقفه، فالمجلس العسكري تنازل عن تمسُّكه برئاسة المجلس السيادي طيلة الفترة الانتقالية، بينما تَنَازَلت قِوى الحُرية والتّغيير أولاً عن عدم الجلوس للتفاوُض ومن ثَمّ إرجاء مُناقشة المجلس التشريعي إلى ما بعد تشكيل المجلس السيادي.

هذه الرُّوح التي تمّت بها الجلسة الأخيرة والتي تَـــمّ فيها التّوافُق، يجب أن تَسُودَ بين الطرفين في المَرحلةٍ القَادِمَة، ويجب دَعمهما وتقديم الاستشارات لهما لتخطي المرحلة الحالية وُصُولاً إلى الانتخابات القَادمة، فيجب أن يبتعد أصحاب النظرة القصيرة ومن يسعون لعدم حُدُوث تَوافُق بين الطرفين.

صَحيحٌ، كثيرٌ من الأسئلة تدور حول الاتّفاق، ومعروفٌ أنّ (الشيطان في التفاصيل)، لكن أعتقد أنّ الاتّفاق في الوقت الراهن كَانَ مُهمّاً جداً ولو جُزئياً، لانتشال البلاد من حالة اليأس والإحباط والرَّهــــق والعَنَت الذي أصابها بسبب عدم وُجُود حكومةٍ تسيِّر دولاب الدولة.

ندرك أنّ كثيراً من التفاصيل ما زالت مُبهمة وتحتاج لإجاباتٍ واضحةٍ، ولا نُريد تكرار تَجربة الشراكة السِّياسيَّة بين الحكومة والحركة الشعبية عقب اتّفاق نيفاشا، والتي إلى أن انفصل الجنوب كَانَت شَراكة تَشَاكُسية، وَصَلَت حَدّ أن انسحب كل وزراء الحركة الشعبية من الجُنوبيين من الحكومة وتَمترسوا بجوبا لفترةٍ، إلى أن تَدخّلت الوساطة وأعادت الأمور إلى نصابها.

ما تَحَقّق انتصارٌ لكل الأطراف، فليس هناك مُنتصرٌ وليس هناك مَهزُومٌ، وعلى المُواطنين أن يدركوا ذلك، أي أنّ هناك شراكةً سياسيّةً عسكريةً، أي تصعيدٍ من الشارع تجاه العساكر سيُعيدنا إلى المربع الأول، وعلى الحُرية والتّغيير والأحزاب السِّياسيَّة القيام بدور توعوي كبيرٍ وسط جُمُوع المُواطنين التي خرجت للشوارع فجر أمس بطريقةٍ عفويةٍ وفي ذات الوقت هستيرية، تُعبِّر عن فرحها بالاتّفاق.

مُبروك للشعب السوداني الذي يَستحق الكثير بعد أن ذَرَفَ دُمُوع الفرح والحُزن، ولقد هزّتني دُمُوع الزميل الفنان مُصَوِّر الصحيفة محمد نور محكر عقب عودته من الاتّفاق فجر أمس، دُمُوع اختلطت بالفرح للاتّفاق، وبالحُزن لنظاميين وثُوّار ضحُّوا بدمائهم من أجل أن يبقى الوطن.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى