معاليه إستراتيجياً١-٢

منذ تشكيل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لفت وزير الشئون الدينية نصر الدين مفرح أنظار المُراقبين بميله الزائد للتصريحات الصحفية، والإطلالات الإعلامية، والحضور غير الضروري على وسائل التواصُل الاجتماعي. ومنذ إطلالته التلفزيونية الأولى والتي دعا فيها (اليهود السودانيين) إلى العودة إلى البلاد، كان واضحاً أن الرجل يتصرّف بدون مسئولية أمام أحد، وأنه يستغل قدراً هائلاً من عدم المحاسبة، وعدم التوافُر على استراتيجية موحدة للتعامل مع أي شيء. وبالنظر إلى مستوى التحصيل العلمي والأكاديمي الذي تُظهره مجموعة السير الذاتية المنشورة له (تتضمن دورة للتخطيط الإستراتيجي في التغيير نالها في الجزيرة أبا! ودورة في الخطابة قدّمها اتحاد الدراميين بولاية النيل الأبيض! مقروءة مع مُجمل الخبرات التي حشدها الحاشدون في كتاب تلك السيرة من نوع (نائب رئيس اتحاد كرة القدم في الجزيرة أبا، ورئيس فرقة قطرات للآداب والفنون، ورئيس مركز الاعتدال بمحلية أبا) وغيرها، فإن النتيجة الحتمية لأداء الوزير ستكون لابد كارثية. هل يتضمن كتاب الكفاءات، الذي ما انفكت القوى السياسية المُتحالِفة مع المجلس العسكري المحلول تزعم البناء عليه، دراسة علوم (التخطيط الإستراتيجي) في جمعيات الجزيرة أبا، ورئاسة الفرق الفنية في أريافنا البهية؟ إن أي قراءة عادلة ونزيهة لكتاب تلك السيرة ستكشف بوضوح لا مراء فيه أن أداء معالي الوزير (كما يحرص على وصف ذاته الكريمة) المتردي مؤسس على تلك المؤهلات المكذوبة التي تثقل ظهره.

تعُج صفحات الوزير في وسائل التواصُل الاجتماعي بقدر كثيف – ومعتاد- من الأخبار الكاذبة، والإشارات المُضلّلة، والمعلومات غير الحقيقية والقصص العبثية (مثل حفاوته الأخيرة بحصول صفحته على منصة فيسبوك على علامة الاعتماد الزرقاء) لكنها تظل مهمة للتحري عن نوعية ما يُراد له النشر، وما يُراد إخفاؤه عن الناس من أخبار. من ضمن الأخبار ما تناولته الصفحة عن تعرّض (معاليه) إلى حادث مروري مؤسف تحطّمت فيه سيارة الدفع الرباعي التي كان يستقلها داخل العاصمة وقد طمأن ـ سيادته ـ أصدقاءه على الفيسبوك ومعجبي صفحته بسلامته دون أن يقول كلمة واحدة عن الطرف الثاني في الحادث، ودون أن يهتم بشرح ملابسات الحادث وما ترتّب عليه من إصابات في الأنفس وخسائر مادية كبيرة. بعد أقل من ساعة على الحادث تداولت وسائل الإعلام الجديد الأخبار عن مخالفة سيارة الوزير لقوانين المرور وقطعها إشارة حمراء بسرعة شديدة لتصطدم بسيارة مواطن كان يستخدم حقه القانوني في الطريق. لا توجد أخبار عن هذا المواطن، أو حجم الضرر الذي وقع عليه فيما كان الواجب الأخلاقي يُحتّم على الوزير طلب الشفاء لجميع ضحايا الحادث أو التصدي بالنفي، مثلما إن الواجب القانوني للسلطات المختصة هو التحري في الحادثة ومحاسبة المخطئ وجبر الضرر.

توفّر الصفحة أخباراً تكشف عن الفضاء الهائل الذي يتحرّك فيه السيد وزير الشئون الدينية دون التزام بأسس العمل الديواني الذي لم يتدرّب عليه في دورات اتحاد الدراميين المُشار إليها، ودون أدنى مُراجعة أو مُحاسبة من رئيس الوزراء الدكتور حمدوك الذي يُحلّق في مدار آخر عن وزرائه وهو يتعامل معهم كشركاء في إقطاعيات يتصرّف فيها كل منهم وِفق مشيئته المُطلقة!

 نواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى