مع الواثق كمير وآخرين.. جدل الأمم المتحدة

 

يستمد الجدل حول طلب رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في خطوة منفردة ومتجاهلة لمؤسسات صنع القرار في الحكومة الانتقالية، على ضعفها وقلة زاد المنتمين اليها من حيث المعارف والخبرات والاستعداد للاختلاف في الرأي، أهمية قصوى ليس لأن هذه الخطوة تؤثر بشكل مباشر على مستقبل الدولة الوطنية في السودان -وهذا أمر منفصل – فحسب، ولكن لأنها تكشف الطريقة الجديدة التي تتبعها حكومة حمدوك، والتي تعيد بها صياغة توجهات الرأي العام في السودان.

 

وفيما كان المؤتمر الوطني السابق يعتمد في تهيئة الرأي العام للقرارات الكبيرة بالتسريبات الإعلامية، وتقديم أطروحات متناقضة لتياراته ومن ثم قياس رجع الصدى وردود الفعل في المؤسسات الأمنية والحزبية، واستهداف المناوئين للتوجه السائد والمرضي عنه من قبل الرئيس المعزول- عبر سياسات الترغيب والترهيب، فإن طريقة حكومة حمدوك تعتمد على منهج غربي (من نصح به؟) يمكن تحليله، وكشف عناصره الأساسية بسهولة بواسطة كل مهتم بالمعارف المتصلة بآليات صناعة الرأي العام، واستخدام وسائل اشعار الجماهير بجهلها إزاء القضايا المعقدة (بشكل اصطناعي بالطبع) عبر استخدام لغة اصطلاحية وغامضة، وعبر ضرب أمثلة تبعد رجل الشارع عن النظر في القضية الرئيسية.

 هنا يتم استخدام تكتيكات مفكري الغرب التي تقسم الجماهير إلى فئتين: فئة عارفة وفئة الناس العاديين، أو فئة رجل الشارع الغبي الذي ينبغي أن يوضع في مكانه الصحيح، حتى تتمتع الفئة العارفة بالعيش بعيداً عن ضجيج القطيع الحائر بلغة وولتر ليبمان، الذي تستعاد الآن كتاباته لتطبق في السودان. يعرف رجل الشارع السوداني سلطة المخاطبة باللغة المعقدة، والأمثلة البعيدة المنال، والمفردات الغامضة فحينما يقول الطبيب لرجل الشارع: أنك مصاب ب(السوكونياما) مثلاً وإن عليك الامتناع عن شرب الحليب لأسبوع كامل فإن المعتاد أن يمتنع المريض عن الحليب بإعتبار أن ذلك أسهل من التقصي عن مرض (السوكونياما) المزعوم.

***

ما يزال الجدل في بدايته بينما مخطط التنفيذ يسير بوتائر متسارعة ومتعجلة تكشف عنها متابعات المهتمين في أروقة الأمم المتحدة وبعض السفارات الغربية في الخرطوم ولعل الكشف عن وظيفة أعلنتها المنظمة الدولية لمستشار في مكتب رئيس الوزراء السوداني يكشف بعض ملامح المساكنة بين الخرطوم والمنظومة الدولية دون رباط رسمي وشرعي حتى الآن.

كما توقعت في المقال السابق (مهمة فاشلة مقدماً: بعثة الأمم المتحدة للسودان) فإن الفترة القادمة ستكشف عن مجموعة كبيرة من حملة الألقاب الأكاديمية والمهنية الذين سيقدمون هذه الألقاب قرابين في خدمة المشروع الغربي الحمدوكي بذرائع مختلفة لكن بخطة واحدة كما أشرنا أعلاه. وتعمل هذه الجماعة ك(حوزة علمية) تساعد رئيس الوزراء/ إمام التدخل الغربي في تقديم الفتاوى من التراث الفقهي للأمم المتحدة وبعثاتها حول العالم، دون أن تقارب حقيقة الوضع والأسئلة التي يثيرها المختلفون والقلقون من هذه الخطوة من قبل حكومة انتقالية ذات تفويض محدود المهام والمدى الزمني.

***

د. نور الدين ساتي

ليت الدكتور نورالدين ساتي السفير العائد من التقاعد حديثاً والمرشح لسفارة السودان في واشنطن لم يكتب مرافعته التي يتم تداولها الآن في وسائط الإعلام الجديد فكتابته تثير الريبة فيما إذا كان قد تم قبول ترشيحه سفيراً للسودان في واشنطن أم سفيراً للولايات المتحدة في الخرطوم، خصوصاً وأنه كشف عن اطلاعه على المشروع الحمدوكي منذ أن كان بذرة.  ليست بسعادة السفير حاجة للكتابة فنحن نعرف موقفه مقدماً حيث لا يتوقع منه أحد أن يخالف حمدوك وهو مطوق العنق بالجميل الكبير، إذ استدعاه للوظيفة المرموقة على حساب تلاميذه الذين ستعيق تقدمهم المهني هذه المحسوبيات الفاضحة، وسيخسرون أعواماً من ترقيهم المهني كلما كسب هو عاماً جديداً وفق نظرية أثر الدومينو. لا جديد فقد كنا نعرف مقدماً مواقف السفير أيضاً من حكومة الإنقاذ حين كان في بلاط خدمتها سفيراً، ثم مديراً لمشروع المكتبة الوطنية بمخصصات وزير دولة.

امتلأت المقالة المنسوبة للسفير عبارات عجيبة ومدهشة من نوع “نحن فجرنا ثورة” و “أوقفنا الحرب” وإن “إصلاح خراب ثلاثين عاماً لا يتم في عام أو عامين” دون أن يبرئ نفسه من مساهمته في هذا الخراب الذي قضى ذات الثلاثين عاماً وهو مكلل برضا نظام الحاكم المسئول عن التخريب والذي طرد عشرات بل مئات الآلاف من الشرفاء من وظائفهم ومساكنهم وبلادهم.

يعتمد السفير ساتي في مجادلته على نموذج بعثة حفظ السلام في بوروندي مشيراً إلى ما وصفه بالإصلاح الدستوري والمؤسسي، ودعم الانتقال الديمقراطي، وإصلاح المنظومة الأمنية وعودة اللاجئين والنازحين وغير ذلك والرد البسيط على حديث السفير والرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة هناك هو بوروندي ذاتها التي نقرأ أخبارها في الصحف ونشاهد أحوالها في التلفزيون، والتي ما انفك الناس يفرون منها، ويعيشون في معسكرات اللاجئين والنازحين   في تنزانيا والكونغو ويوغندا ورواندا، وما زالت ذات الأمم المتحدة تطلب لهم العون والإغاثة!

بوروندي التي يستشهد السفير بنجاح تجربة بعثة الأمم المتحدة فيها قائلاً “استفادت بوروندي كثيراً من تلك البعثة التي ساعدت في بناء السلام والإصلاح الدستوري والسياسي والمساعدة على اجراء الانتخابات” يحكمها منذئذ بالحديد والنار الرئيس بيير نكورونزيزا والذي يأمل في استمرار قبضته على السلطة حتى العام ٢٠٣٤م وفق الدستور الجديد الذي يتيح له ذلك، والذي قتل المئات ممن رفضوا فرضه وتشرد عشرات الآلاف. لا أحتاج للمزيد للرد وحالة بوروندي مائلة أمام الجميع!

أما جدل الفصل السادس والسابع فسيأتي لاحقاً.

***

بيان الناطق الرسمي لوزارة الخارجية

واضح أن البيان قد كتبه أحد النشطاء الجديد ممن لا علاقة لهم بلغة الدبلوماسية، أو أدبيات البيانات الصحفية أو الملخصات الإعلامية، وممن لا يحسنون الكلام فقد جاء مثقلاً بشحنة هائلة من العداء المجاني، والعنف اللفظي غير المسبوق في مؤسسة كان البعض يعتبرون الحديث عبر الهاتف بصوت عالٍ في مقراتها مخالفة للعرف والإتيكيت الدبلوماسي!

جاء البيان في حوالي ال١٢٠٠ كلمة واحتوى على “في ضوء التناول المضلل المتعمد من بعض منتسبي النظام السابق” و”أنه نتيجة للسياسات الرعناء للنظام المباد والطيش والعبث والاستهتار والانتهاكات المتكررة عليهم والتي ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية” وإن السودان “دولة منبوذة” وغير ذلك الكلام (الفارغ) للأسف فقد احتوى البيان على معلومات مضللة نقتطف منها ما يلي:

“حكومة السودان لا تسعى، في الواقع، إلى استقدام بعثة جديدة للأمم المتحدة وإنما تغيير طبيعة البعثة الأممية المختلطة الموجودة بالفعل بالبلاد، بما يتيح إزاحة هذه الأحمال الثقيلة الناجمة عن خروقات النظام المباد” (لاحظ المباد في بيان لمؤسسة الدبلوماسية). 

“…… وتعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل وتوفير العمل اللائق وإقامة بنى تحتية قادرة على الصمود وتحفيز التصنيع الشامل وتشجيع الابتكار وخلق مدن ومستوطنات بشرية آمنة وقادرة على الصمود ومستدامة وإتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لمكافحة تغير المناخ وحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية وحماية النظم الإيكولوجية البرية وترميمها وإدارة الغابات ومكافحة التصحر ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره ووقف فقدان التنوع البيولوجي” كل هذا كذب صراح وغير جدير بأي توصيف آخر. 

وكما هو واضح فإن الناشط الذي صاغ البيان والذي وافق عليه وأجازه إن كان ثمة من فعل ذلك- لم يجد الوقت الكافي لتعلم المهارات الدبلوماسية، او صياغة البيانات الصحفية، أو أسس الكتابة الإنشائية الصحيحة واستخدام علامات الترقيم!

البيان في مجمله غير جدير بالحوار وهو يسيء إلى الحوزة الحمدوكية بيد أنه يسيء إلى البلاد نفسها بركاكته ومحتواه الفج.

***

السفير عمر صديق

وهنا نقول أيضاً ليته لم يكتب فنحن نعرف موقفه مقدماً كموظف مطوق العنق بجمائل التمديد بعد تجاوز سن المعاش كمندوب للسودان في الأمم المتحدة وهو ما يتحقق له خصماً على زملائه أيضاً وتلاميذه الذين يخسرون -كما قلنا – عاماً من ترقيهم المهني كلما كسب هو عام جديد، وقد عبر عن رد الجميل مرة في استقبال السيد رئيس الوزراء في أروقة المبنى بزغاريد إحدى السيدات كأول رئيس حكومة في تاريخ المنظمة يتم استقباله بهذه الطريقة الفريدة!

كان أول المقالة كفراً إذ عنونها ب(اللت والعجن في الفصلين السادس والسابع) وغني عن القول أن متسع اللغة يكفي لتسكين الرصانة والإزراء بالخصوم في عبارة واحدة، دون حاجة الى استعارة مفردات قاموس لا يرتقي قطعاً إلى رفعة العمل الدبلوماسي الذي يمثل شعب السودان.

المحتوى برمته ليس فيه جديد وهو يهدف بشكل رئيسي إلى تجديد الولاء لرئيس الوزراء، ولكنه يتميز عن باقي مجادلات الحوزة بإيراد قصة العدالة الانتقالية وطبيعي أن العدالة الانتقالية، وهي خدعة غربية أصلاً لتوفير منجاة لمرتكبي الجرائم من جرائمهم وفق آلية متجاوزة للحقوق، إن اتفق عليها تأتي لاحقة لعملية تحقيق السلام والاستقرار وبالتالي فإنه لا محل لها من الإعراب الآن. 

أما الحديث عن برامج نزع السلاح فهي ظلت تعمل في السودان منذ العام ٢٠٠٥م وما انفكت القبائل تتسلح، والألغام تقتل الناس والدواب وتحرم الناس من الزراعة والحركة في مساحات واسعة ومعروفة. لن نأتي إلى فقرة أن السودان دولة عضو في الأمم المتحدة وليست عدواً لها فهو محض إنشاء خارج فضاء التداول الآن إذ ليس ثمة من يقول بعداوتها أو صداقتها، ولكن لمصلحة سعادة السفير فإن مصالح الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تسيطر على المنظمة ليست على وفاق أبداً مع شعب السودان والأرشيف على ضغطة زر واحد لدى معاونيه.

***

الدكتور الواثق كمير

الدكتور الواثق كمير، الأكاديمي والحركي السياسي المعروف، له سيرة عامرة بالنجاح الأكاديمي والتجارب المهنية الرفيعة، وهو رجل أعتز بمودة كبيرة تجمعني به واختلافي معه حول أطروحته المضادة لمقالتي لا تنتقص مقدار حبة خردل من تلك المودة، بل تضيف إليها.

جاء مقال الدكتور كمير في نسختين واحدة نشرت في منصات التواصل الاجتماعي وأخرى بعنوان (البعثة الأممية في السودان: هل مكتوب عليها الفشل) ونشرت في صحيفة الصيحة الإلكترونية وفيما كتب أنها تعليق مقتضب فإنها جاءت في حوالي الألفي كلمة توزعت على عدة محاور. هذا التعقيب يعتمد على النسخة المنقحة المنشورة في الصحيفة.

***

جاء المحور الأول بعنوان (الخلط بين المفاهيم) مبتدراً الحوار بأنني، فيما بدا له، أخلط بين مفهومي حفظ السلام وبناء السلام من جهة، وبين الفصلين السادس والسابع من جهة أخرى. الحقيقة هي عكس ذلك تماماً ومع يقيني بأن أي محاولة للانتقال بالحوار إلى المربع الذي نصح به وولتر ليبمان والذي ينص على ضرورة التفريق -المتعمد وغير الضروري هنا- بين النخبة (أي المختصين في القانون الدولي وميثاق وتجارب الأمم المتحدة) والأفراد العاديين تضر بهذا الحوار الذي يدور حول قضية أخرى تماماً، فإنني مضطر لمناقشة هذه النقطة على مضض.

أوردت في مقدمة مقالي بشكل حاسم أنني لست هنا معنياً بالتفريق بين البعثات السياسية الخاصة وبعثات حفظ السلام وذكرت جميع أنواع تدخلات المنظمة الدولية وفق الفصلين السادس والسابع على حد سواء، بإعتباره تدخلاً للأمم المتحدة بالمعني الإيجابي لكلمة تدخل (Intervention) وبهذا المعنى فإن الاختلاف بين الفصلين الذي يتأسس عليه غير ذي موضوع، وقد ذكرت أن جميع هذه البعثات فشلت في أداء مهامها، وتكلفت أموالاً طائلة صرفت في الأوجه الخطأ، واضرت بحياة المجتمعات وتورط بعضها في كوارث اجتماعية، وفضائح أخلاقية ترقى إلى جرائم الحرب.

والحقيقة أن الدكتور كمير، مع التوقير اللازم، يخلط هو لا أنا، بين البعثات التي تتم وفقاً لتفويض من مجلس الأمن، والمهام الإدارية الروتينية التي تتم بقرار إداري من الأمين العام للأمم المتحدة إذ أن مهام المبعوث الخاص لا يمكن بأي حال وصفها بأنها (بعثة سياسية خاصة).

 تنشأ البعثات بقرار من مجلس الأمن بتوافق جميع أعضائه، أما المبعوثون الخاصون فهم موظفون كبار يعيّنهم الأمين العام بقرار إداري مثل تعيين السفراء هايلي منقريوس، ونيكولاس هايسوم، ومبعوث القرن الأفريقي وغيرهم. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن البعثة التي تأتي بتفويض من مجلس الأمن تُعرف بال (Mission)، بينما يكون المبعوث على رأس مكتب (Office) ويمكن للأمين العام أو حكومة البلد المضيف أن يقررا معاً، أو أحدهما منفرداً إنهاء مهمة مكتب المبعوث الخاص كما فعلت الصومال مؤخراً حين قررت طرد المبعوث نيكولاس هايسوم، دون أن يخالف هذا منطوق قرارات الأمم المتحدة.  

من ناحية أخرى فإن بعثات حفظ السلام أو البعثات السياسية الخاصة (الاثنتين) لا تنتهي ولاية أي منها إلا بقرار من مجلس الأمن وهذه نقطة ضرورية ومهمة. تداولت الأنباء أن رئيس الوزراء حمدوك قد طلب أن تبقى البعثة في السودان لمدة عشرة أعوام فيما يقترح الدكتور كمير   خمسة أعوام فقط وبما أن الفترتين سواء كانت خمسة أو عشرة تتجاوز الفترة المتفق عليها للحكومة الإنتقالية فمن غير المفهوم كيف تتصرف حكومة انتقالية ذات مهام محدودة نيابة عن حكومة منتخبة ذات تفويض شعبي هي التي ستسفر عن خيار الجماهير في صناديق الإقتراع الحتمية المقبلة! وإذا تأملنا في أن بعثة الأمم المتحدة ستأتي بقرار من مجلس الأمن فستبقى يد الحكومة المقبلة مقيدة وعليها أن تحني رأسها صاغرة حتى تنتهي ولايتها التي منحها لها رئيس وزراء انتقالي.

***

ذكر الدكتور الواثق أن المطالب الثمانية الواردة في خطاب حمدوك لا تتضمّن أي دعوة لقوات وهذا الكلام صحيح نظريًا،  إلا أن إخضاعه للواقع يكشف أن حمدوك قد ربط إنشاء البعثة الجديدة بخروج يوناميد، وهذا ربط يفضح أكثر مما يخفي حيث أن يوناميد بعثة لحفظ السلام تم إنشائها تحت الفصل السابع، بينما يطالب حمدوك ببعثة سياسية لبناء السلام تحت الفصل السادس وبما أن ولاية البعثة الجديدة ستكون على كامل الأراضي السودانية وفق طلب السيد حمدوك فإن البعثة ستكون لديها قوات عسكرية وستجدد مشروعية بقائها بربطها بالبعثة السياسية. هذا الربط دعا بريطانيا وألمانيا لاقتراح صيغة هجين تجمع بين مهمة تحت الفصل السابع لحماية المدنيين بدارفور، وصلاحيات أخرى تحت الفصل السادس تشمل كافة أنحاء السودان، وكلتا المهمتين بقرار واحد. هنا نكتشف ألا قيمة لنقل الجدل هو البعثة الدولية إلى مربع الاختلاف بين منطوق الفصل السادس والسابع. بهذه المناسبة فإن أي من الفصلين السادس ولا السابع لا يحتويان على إشارة واحدة لبعثات حفظ السلام أو البعثات السياسية حرفيًا فهذه كلها تقديرات لمجلس الأمن.

 وإضافة إلى ذلك فإنه لا توجد بعثة تشبه الأخرى وإنما تتم صياغة تفويض (ولاية) كل بعثة بشكل منفصل عن الأخرى وفق تقديرات مجلس الأمن وبالتالي فإن الاستعانة بالنماذج الأخرى سواء كانت بوروندي أو ليبيريا أو هاييتي لا تضيف سوى غموض إضافي لتجهيل المزيد من الجماهير بالأمر (ولا أعني هنا الدكتور كمير ككاتب مستقل) وبالتالي تسهيل قيادهم بشعارات مثل أننا أعضاء في الأمم وينبغي أن نستفيد من عضويتنا فيها وكأن الأمم المتحدة صندوق خيري في منشأة وظيفية لرعاية الأعضاء، أو أن الأمم المتحدة موجودة أصلاً ولم تستعمر السودان وغير هذا من المجادلات الجماهيرية.

***

إن المطلوب الأساسي من الحكومة الانتقالية التي يرأسها الدكتور حمدوك أن تعنى بمهامها الأساسية من تسيير للأعمال وإعداد للإنتخابات دون أي قفز خارج سياج ذلك التفويض واستقدام بعثات تبقى لسنوات لم يقرر الشعب بعد من هم حكامها.

لن نتداول الآن في التآمر الذي يجري في عملية التواصل بين مكتب رئيس الوزراء والأمم المتحدة ووالذي يتجاهل الآليات الرسمية لصناعة القرار في مجلس الوزراء ومجلس السيادة وجماهير الشعب السوداني الذي ينبغي أن يبلغ (بما يحاك بشأنه) عبر وسائل الإعلام فمجلسي الوزراء والسيادة يعجان بأعضاء كثر فائضين عن الحاجة وغير مؤهلين للتداول في قضايا من هذا النوع بحكم تحصيلهم العلمي وخبراتهم العملية وتجاربهم الحياتية ويبدو أن هذه المؤهلات، أو نقص المؤهلات إن شئنا الدقة، هي التي قادتهم إلى هذه المواقع لتسهل عملية سحب البساط من تحتهم وصناعة القرار خارج هذه المؤسسات.

***

بالنسبة للنقطة الأخيرة عن تداعيات البعثة على عملية الانتقال فهذه مناسبة لأن أعيد فحوى ما قلت بأن أول ضحايا هذه البعثة هو قوات الدعم السريع التي ستخرج من المعادلة، وفق كلفة باهظة سيتحمل أعباءها الجيش النظامي التقليدي الذي سيخرج منهكاً وغير قادر على التأثير على الأحداث سلباً أو ايجاباً، وستتم صناعة دولة جديدة غير السودان الذي نعرف أو نتوق إليه بإرادة غير ارادتنا وبخطط غير خططنا. ليس ثمة استعمار قادم فقد ولى زمان الاستعمار لكنه عهد جديد من الهيمنة تلعب فيه العناصر المحلية دور الوكلاء، وتحصل فيه القوى المهيمنة على ما تريد دون أن تثقل كاهلها بمهام الحكم والإدارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى