الإصلاح مستحيل

في الثقافة الغربية يستخدم البعض عبارة (Beyond Redemption) ذات الجذور العقائدية والتي يمكن ترجمتها إلى العربية بعبارة وراء الخلاص، للدلالة على وصف حال الشخص الذي بلغ من السوء درجة يتعذر بعدها إصلاحه. لا يمكن وصف حكومة التحالف العسكري المدني المؤقت الحالية بوصف أدق من أنها عصية على الإصلاح بشكل مطلق.

لقد تم منح ما يسمى بقوى الحرية والتغيير وهي قوى هشة وضعيفة الحضور في الشارع، وهزيلة القيادات من حيث الكفاءة والتجربة، الحق الحصري في تعيين العناصر المدنية في مجلس السيادة وتشكيل السلطة التنفيذية، مقابل الصمت عن جريمة فض الاعتصام والتي راح ضحيتها نفر كبير وغير موثق العدد حتى الآن بشكل نهائي.

نجحت الحيلة وتصرف نشطاء قوى الحرية والتغيير وكأنهميمتلكون تفويضاً بالحديث نيابة عن الشهداء والضحايا وأسرهم، وقرروا (بيع القضية) فوراً، وتجاوزوا –بسرعة- الخلاف مع القوى العسكرية التي نجحت في وضع جزرة السلطة في أفواههم دون أن تمكنهم في واقع الأمر من السلطة الحقيقية (الشوكة) لكنها أغرقتهم بإمتيازاتها.

كما هو متوقع أتت قوى الحرية بأقل العناصر كفاءة واستقامة وخبرة وأكثرها حاجة للوظيفة العامة،إذ جاء أغلب من تم الزج بهم في دهاليز السلطة من فترات عطالة ممتدة، أو من وظائف محدودة الأجر للغاية بحيث تمثل لهم المشاركة في السلطة مهما غلا الثمن الأخلاقي، الفرصة التاريخية للإفلات من الأوضاع الشخصية المتردية والمصائر القاسية التي كانوا يساقون إليها. هذا يقدم التفسير الأكثر صدقاً للتحول الكبير في مواقف الكثير من المتطرفين الذين كانوا ينادون علناً بإعدام ذات الجنرالات الذين يلعقون أحذيتهم اليوم.

ما يثير الاستغراب والدهشة أن قوى الحرية والتغيير والتي قدمت كافة الممثلين المدنيين في السلطة التنفيذية والمجلس السيادي وهذا يعني أنها أكلت كامل الكيكة قد احتفظت في ذات الوقت بالكيكة نفسها، وصنعت من نفسها ضلعاً ثالثاً إضافياً للسلطة فصارت الاجتماعات تتم بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير، ولا يعلم الشعب حتى الآن بأي حق يتمكن النشطاء من الاطلاع على ملفات الحكم والسلطة وإلى أي مدى يمكنهم العبث بها.

الطبيعي أن تجتمع قوى الحرية والتغيير مع ممثليها خارج الأطر الرسمية للدولة. لكن ما يحدث الآن هو خدع عسكرية أخرى لتسكين النشطاء في عمل يشغلهم بشكل متصل عن أي شيء خلافه تأسيساً على الحكمة العسكرية التي تقول إن (الإرتكازبيجيبالتفاكير) أي أن ترك الجنود دون ما يشغلهم يمكن أن يدفعهم إلى التفكير أي التذمر أو التمرد.

يتمتع النشطاء المدنيون – دون وجه حق – بسلطة التشريع والمشاركة في العمل التنفيذي ومزايا مادية علنية دون حرج، وفي كل يوم يتم تعبئة ملفاتهم في الفساد المالي والإداري والأخلاقي حتى تأتي اللحظة الحاسمة ويصبحون هم بأنفسهم في الضفة الأخرى من الخلاص مثل (دسيس مان) الذي أعجزه الحصول على الحد الأدنى من الامتيازات الاجتماعية والطبقية فذهب إلى السجنوحين تأتي ساعة التصحيح سيضطرون إلى دفع الثمن مضاعفاً ثم سيذهبون إلى النسيان كأفراد إنتقاليين فعلاً.

لا يمكن توجيه النقد فقط لحكومة الدكتور عبداللهحمدوك على أساس أنها المسئولة الأولى عن الفوضى الحالية، فالجنرالات الذين يمسكون بالخيوط وراء الستار هم شركاء في كل ما يدورالآن، وأي تأخير في إجراءات الإصلاح سيزيد من صعوبة المهمة وسيجعل جبر الأضرار مستحيلاً.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى