أحسنتَ حمدوك

فاجأ حمدوك السودانيين بزيارة جبال كاودة إحدى معاقل الحركة الشعبية قطاع الشمال في جنوب كردفان، والتي انشقّت إلى قطاعي النيل الأزرق التي يترأسها مالك عقار، وجبال النوبة التي يترأسها عبد العزيز الحلو، كاودة التي عزم الرئيس المدحور عمر البشير أن يزورها ويُصلّي فيها الجمعة عنوة واقتداراً الأمر الذي لم يحصل، ولولا تحدِّي البشير لما عَرَف الناسُ كاودة وقيمتها، وكان يمكن أن تكون مثل أي جبل من جبال النوبة الكثيرة الممتدة. المهم هو أن حمدوك زار كاودة، وترك المُحلٍّلين يُحلِّلون والكهنة يتكهَّنون والمعارضون يبتزّون، فكلٌّ على ليلاه يُغنِّي. أما بالنسبة للسوداني العادي الذي يهمه إيقاف الحروب والعيش بسلام وفي أمن وأمان، فيرى أنه جهد مًقدّر(والمودِّر بدخل يده في فم البقرة)، الجميع ضاع بين يديه شيء اسمه السلام، وجاء وقت حمدوك ليدخل يده في فم كاود،. هَمْهَمَ المُعارضون، بل أعلن البعض أنها زيارة الذّل والهوان على أساس أن حمدوك لم يُسمَح له باصطحاب  وزرائه المًهمِّين، ولم يُرفَع علمُ السودانِ في المنصة، وأنه لم يُعتَرف به كرئيس وزراء، مع أن السيرة النبوية فيها نفس هذه المواقف مع الفارق، مع كفار قريش. وفي النهاية انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي تاريخ السودان الحديث اعترف غردون باشا بالمهدي حاكماً على كردفان بما فيها كاودة نفسها، وحاول تبادُل الهدايا معه، ورغم فشل محاولته إلا أنها تُسجّل في سِجلِّ التاريخ مرونة الحاكِم مع أعدائه وخُصمائه، وكذلك الصادق المهدي فعلها مع جون قرنق وهو رئيس وزراء في الدورة الديمقراطية الأخيرة رغم عدم اعتراف قرنق به كرئيس وزراء، لم يكن غرض الصادق إسقاط هيبته أمام قرنق، وإنما إسقاط وهم الوظيفة الذي يصبح حائلاً دون تحقيق الأهداف السامية. نعم محاولة السيد الصادق دقّت (العارضة)، لكن النية واصلة. وحمدوك نفسه فعلها مع عبد الواحد نور عندما زار الأخير في باريس قبل أشهر، ولم تُقلّل من قيمة حمدوك في شيء، وهي بنظرة أخرى إحراج لقادة التمرّد وليس لرئيس الوزراء في أنه بذل كل ما في وسعه لتحقيق السلام وجرّدهم من كل حِجَجِهم، ماذا يُريد إخوتُنا حَمَلَة السلاح بعد كل هذه التنازُلات. صحيح أن ملف الحركات المسلحة ملف مُعقَّد جداً، ولكن بالإرادة والعزم والصدق وقبول الحجة والمنطق تهون الصعاب.

نرجو من كل قلوبنا نجاح حمدوك في مسعاه الوطني، ولا يلتفت إلى المُغرضين والمُخذِّلين، قال تعالى (فاصفح عنهم وقل سلام).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى