استثمارات (البرسيم) الخليجية.. (نعمة أم نقمة) (1)

 

خبير زراعي: كل الشركات الخليجية في السودان طُرِدت من مصر

وزير زراعة سابق: محدودية الموارد المائية في الخليج دفعتهم للاستثمار في السودان

وزير مالية بنهر النيل: الولاية لم تستفد من زراعة البرسيم على أراضيها

الحكومة: الاستثمارات الأجنبية في المجال الزراعي تستهلك المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية

 

مساحات شاسعة من الأراضي السودانية الخصبة منحت لعدد كبير من الشركات العربية والأجنبية بغرض الاستثمار الزراعي بإيجارات ضعيفة ولعدد من السنين يصل إلى 99 عاماً.

والناظر بعين  ثاقبة لتلك الاستثمارات الزراعية يجدها لا تحقق فوائد ضخمة لميزانية الدولة، لأن معظمها انصب في زراعة البرسيم الذي لا يحتاج إلى عمالة سودانية.. ويتسبب كذلك في إهدار المياه، حيث يردد خبراء الزراعة أن تصدير البرسيم هو تصدير للمياه.

التحقيق التالي يتناول الاستثمارات الزراعية الأجنبية في السودان، مع التركيز على الاستثمارات الزراعية في بلد يوصف بأنه سلة غذاء العالم.

تحقيق / محيي الدين شجر

النفط مقابل البرسيم

يقول لـ(الصيحة) الخبير في مجال الاستثمارات الزراعية الخليجية  في السودان عمر مصطفى محمد الحاج: سبق وعملت في شركة سعودية تعمل في مجال الاستثمار الزراعي في السودان، وهي ألبان الصافي دانون، تتبع لمجموعة الفيصلية لصاحبها الأمير محمد خالد عبد الله الفيصل، وقد ساهمت في تأسيس البان الصافي – فرع السودان في العام ٢٠١٤م، وعملت مديراً مالياً لهذا الفرع وكنت أقوم بجميع المهام لعدم وجود مدير عام مكلف، حيث  أسست فرع الشركة في السودان وجهزت جميع التصاديق والتصاريح المطلوبة، وقمت بتعيين وتوظيف جميع (التيم) العامل وقمت باستجلاب واستيراد جميع المعدات المطلوبة رشاشات وسيارات وحاصدات وآليات حفر الآبار الارتوازية وتجهيز الأراضي الزراعية والتقانة والبذور ومدخلات الإنتاج بالتنسيق مع إدارة  الشركة بالرياض بالمملكة العربية السعودية، وكنت أعمل وأظن أن في ذلك مصلحة  للوطن، ولكن وجدت أن ما أقوم به كان إهداراً لموارد الوطن متمثلة في الأراضي واهدار للمياه الجوفية، وبيع لمقدرات وسيادة وأراضي الوطن  بدون مقابل بواسطة حكومة النظام السابق.

ولهذا أنا أدعو إلى مراجعة جميع العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية في السودان ومع شركات الاستثمار الزراعية الخليجية .

ويضيف بقوله:  كان على رأس وزارة الاستثمار وقتها  مصطفى عثمان إسماعيل، حيث قامت وزارة الاستثمار ببيع أراضي السودان للخليجيين بمبالغ زهيدة، ومعظم الأراضي تقع في منطقة دنقلا ومنطقة (رومي البكري) مسقط رأس مصطفى عثمان، وفي نهر النيل، وشمال كردفان ـ أي شمال سوق ليبيا ـ وقد قمنا بزيارات عديدة لتلك الأراضي والمواقع في العديد من المرات مع وفود سعودية وأجنبية وخبراء زراعيين من بريطانيا وأستراليا كانوا يعملون معنا في شركة البان الصافي السعودية، وتم إيفادهم لفرع السودان واستعانوا بهم خصيصاً للعمل في السودان، وعندما رأى هؤلاء الخبراء الأجانب كثبان وأودية السودان قالوا لي كيف تقولون لي إنكم دولة وأنتم تملكون هذا القدر من الموارد التي يحتاج إليها العالم والخليج تحديدًا فأنتم تملكون أراضي  تصلح خصيصاً لزراعة البرسيم والقمح، وهي صالحة لإنشاء رشاشات فقط، وغير مكلفة ويمكنكم استرداد قيمة هذه الرشاشات وتكلفة حفر الآبار في أقل من سنة، إذا وجدتم جهة تمولكم ولكنكم تحت الحصار الأمريكي .

مراجعة العقود

ويضيف: لهذا أدعو حكومة حمدوك بمراجعة جميع عقود الشركات العربية، لأن فيها آجحافاً وتآمراً على السودان وموارده، وهي عقود ظالمة جداً ولا تصب في مصلحة الوطن والمواطن، لأن في بعض بنودها تشغيل الشباب السوداني وتنمية المناطق التي يتم فيها الاسثمار الزراعي ولم تكن هنالك استجابة منهم، كما أن مدة إيجار الأراضي  هي ٩٩ سنة بسعر رمزي لصالح حكومة السودان، وهم يركزون على زراعة البرسيم الذي لا يحتاج لأيدٍ عاملة وجميع مراحل العمل الزراعي  تقوم به الآلات  الزراعية من تحضير وزراعة وحصاد وجمع للبرسيم وغيرها، علماً بأن البرسيم مهلك للأرض و يظل في الأرض لمدة ٥ سنوات، ويروى بالمياه الجوفية مستقبل السودان وأجياله، وبدون مقابل ويحصد كل ٣ أسابيع.

ليقول: حسب علمي، فإن السعودية والإمارات قد استنفدا وأهدرا جميع حصتهما ومواردهما من المياه الجوفية الخاصة بهما، ويريدان  إهدار ثروة السودان، وهي اتفاقيات غير عادلة تماماً.

الطرد من مصر

ليضيف: جميع الشركات التي حضرت للسودان تم طردها من مصر بعد نجاح الثورة المصرية في العام ٢٠١١م، بعد سقوط حسني مبارك، تم طردهم من ترعة توشكي بما فيها مجموعة المملكة القابضة التي تتبع للوليد بن طلال وقد حاولوا زراعة البرسيم في منطقة الهلال الخصيب بالشام ونسبة لعدم استقرار الأمر هناك لم يتمكنوا من زراعته وحاولوا أيضاً استجلاب برسيم من أمريكا اللاتينية، ولكن أسعار البرسيم تضاعفت من ٥٥٠ دولاراً للطن إلى ٨٥٠ دولاراً  للطن بخلاف أسعار النقل وتضرر البرسيم فكانت نصيحة الخبراء الحضور للسودان وهذا ما تم فعلياً في ظل سيطرة حكومة المؤتمر الوطني على مقاليد الحكم.

وزاد بقوله: الزملاء الأجانب والخبراء نصحوني بحكم الزمالة والمناقشة معهم في موضوع الزراعة في السودان بأن تتم زراعة الأراضي بواسطة الحكومة السودانية وتعقد مع دول الخليج (صفقة النفط مقابل البرسيم)، وهذه القسمة تكون عادلة بهذا الصدد.

عدم الاستفادة:

في لقاء سابق لي مع وزير المالية وقتها بنهر النيل عوض السيد  محمد علي قال لي إن الولاية لا تستفيد شيئاً من الاستثمارات الخليجية الزراعية بنهر النيل، وذكر لي أن زراعة البرسيم تتم بالآلات الحديثة ثم تصدر إلى خارج السودان..

استهلاك:

في يناير من العام 2018 رأت الحكومة السودانية أن الاستثمارات الأجنبية في المجال الزراعي تستهلك المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية ورفضت استثمارات أجنبية في القطاع الزراعي في موازنة العام 2018م.

ورأى رئيس القطاع الاقتصادي في مجلس الوزراء ووزير الاستثمار وقتها مبارك الفاضل المهدي، أن الاستمرار في زراعة الأعلاف وبمساحات هائلة لمستثمرين أجانب وتصديرها للخارج، يهدر إمكانات البلاد.

قائلاً “الحكومة رفضت استثمارات جديدة لزراعة الأعلاف من داخل البلاد وخارجها، عُرضت عليها ضمن مشاريع موازنة العام الحالي”، معلناً حسم حكومته هذه النوعية من الاستثمارات” وتوجيهها نحو أعلاف أخرى غير البرسيم، الذي أصبح تصديره في الآونة الأخيرة يحتل أولويات المستثمرين، بل أصبح يحتل قائمة الصادرات السودانية للخارج.

وقال الخبير الزراعي وزير الزراعة الأسبق بولاية الجزيرة الدكتور عبد الله محمد عثمان، إن السودان منح  آلاف الأفدنة لمستثمرين من السعودية والإمارات وتركيا والصين والأردن وشركات محلية خلال السنوات العشر الماضية، لاستثمارها في مجال الأعلاف الخضراء خصوصاً البرسيم (علف) الماشية.

وقال إن  السودان يحتلّ المرتبة الأولى في العالم من حيث استئجار أراضيه لزراعة الأعلاف.

وحول المناطق التي تنتشر فيها زراعة البرسيم قال: في الخرطوم، في مشروع السليت الذي يزرع 32 ألف فدان، ومساحات بولاية نهر النيل تستثمر فيها شركات سعودية مثل مجموعة «الراجحي» السعودية التي تنتج نحو 100 ألف طن أعلاف، وشركة «نادك» السعودية التي تدير مزرعة في كردفان غرب البلاد تصل مساحتها إلى 60 ألف فدان، بجانب شركة «أمطار» الإماراتية التي صدّرت العام الماضي نحو 200 ألف طن أعلاف إلى أبوظبي

وأشار إلى وجود مزارع أعلاف بمساحات كبيرة في غرب الخرطوم بمدينة أمدرمان، مثل مشروع جديد لإنتاج البرسيم يقع على مساحة 10 آلاف فدان ومشروع البشائر الزراعي الأردني الذي يقع على مساحة 9 آلاف فدان.

ويقول وزير الزراعة الأسبق: الشعور العام الذي يبثه بعض المستثمرين العرب هو الإيحاء بالامتنان بالتفضل علينا وأن واجبنا هو أن نقدم من التساهيل والخدمات ما لا ينص عليه قانون، مضيفاً ايضاً: هنالك مستثمرون يأتون للسودان بروح ودوافع غاية في النبل بينما هنالك آخرون كل همهم هو تحقيق أقصى منفعة ممكنة دون مراعاة لأي اعتبارات اخرى استغلال كامل لكل الثغرات لتعظيم المكسب على مصلحة السودان، وقال: هذا النوع من الاستثمارات يحق لي أن أطلق عليه بالاستثمار البخيل، مشيرَا إلى أنه استثمار استهلاكي يقوم على استغلال المنتجات المحلية دون إسهام في تطوير إنتاجها بل ويسهم في إضعاف العملة الوطنية بالمضاربة على شراء الدولار لاستيراد مدخلات كان من الممكن إنتاجها محلياً.

وأوضح مثال أن بعضهم أنشأ مصنعاً للصلصة، لكنه يستورد معجون الطماطم من بلده بدلًا من إنتاجه محلياً .

مضيفاً: ‏مهما قيل عن مؤسسات جذب وخدمة المستثمرين في البلاد فهي على وجه اليقين أكثر عجزاً وأفقر معرفة وأقل تأهيلاً  مما هو مطلوب في عالم يتصارع على احتلاب الدولار من كل المظان… موضحاً: المستثمر الخليجي   ليس ظالماً في كل الأحوال، فكم من مستثمر دفعته التعقيدات والعراقيل للوقوع في براثن المحتالين من بني جلدتنا رجالاً ونساء،  وكم من مستثمر فقد جزءاً من أمواله لصدق نواياه ولحسن ظنه فينا،  وبالمقابل فكم من مستثمر خليجى استغل الإعفاءات التشجيعية وتحول للإتجار في المعدات والآليات والتجهيزات وبيعها في السوق المحلي مهملاً تماماً مشروعه الذي بموجبه منح التسهيلات.

هنات وأخطاء   

‏وقال: ما يدور من حديث في الوسائط والمجالس عن فترات منح الأراضي للمستثمرين ليس صحيحاً في أغلبه  كما أن محاولة وصم الدولة الإنقاذية بالغباء والتفريط مرة  وبالخيانة تارة أخرى  ليس صحيحاً بالمجمل، هناك هنات وهناك أخطاء نعم، لكنها قطعاً ليست بذاك الحجم الذي يملأ الأسافير ويسود الصحائف،  فقانون الاستثمار الذي وضعته الإنقاذ وعدلته ثلاث مرات يعد في تقديري قانوناً متميزاً، بل ومتفوقاً على كثير من قوانين الدول الشبيهة بنا.

وأضاف بقوله: محدودية الموارد المائية في الخليج دفعت ببعض الاستثمارات الخليجية للاتجاه للاستثمار في  زراعة وتصدير الأعلاف، وهذا الاستثمار يجب أن يحاط  بشيء من التدابير  خاصةً إذا كان يروى بالمياه الجوفية. هذه المياه هي من حق الأجيال القادمة بلا شك، وينبغي على الدولة الراشدة أن تراعي ذلك،  ومع اقتناعي بأن أاحواضنا الجوفية تستمد جزءاً من مخزونها من مياه أنهارنا إلا أن التعويل طويل المدى عليها  ليس من الحكمة في شيء، الأفضل بلا شك أن نشجع المستثمر على اعتماد سلسلة القيمة المضافة، وذلك بإنشاء المزارع المتكاملة (زراعة العلف لتغذية الحيوان المحلي، ثم إنتاج الألبان ومشتقاتها ثم إنتاج اللحوم ومعاملة المخلفات، ثم الطرح في السوق المحلي والتصدير)…

الخيار الثاني  هو حصر استثمارات  زراعة الأعلاف في مناطق يسهل ريها من مشاريع حصاد المياه  بدلاً عن أنهارنا ومياهنا الجوفية.

في الجزء الثاني من التحقيق

ما رأي وزارة الاستثمار

رؤية شعبة مصدري الأعلاف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى