سيدي وزير الداخلية لا زال الأمر يراوح مكانه

كتبت مقالاً بعد حادثة اصطدام بصّيْن في ٢ سبتمبر الماضي على طريق الخرطوم كوستي، وموت العشرات غير الجرحى. ناصحاً ومنبهاً ومقترحًا، ويبدو أن أجهزة وزارة الداخلية عثرت على المقال ومن ثم طلبني الأخ الفريق الطريفي وزير الداخلية، وكانت الجلسة عبارة عن دردشة وتفاكُر حول الحلول. وفي معيتي مذكرة تحمل أكثر من عشرة مقترحات للمساهمة في تقليل الحوادث وإصلاح المرور في المدن. كان الرجل هاشاً باشاً وفي معيته أركان وزارته. وبنفس الحفاوة التي استقبِلتُ بها كان الوداع مماثلاً. ولكن بعد كل هذه المدة أرى أن المرور داخل العاصمة يزداد سوءاً. لا أدري لماذا؟! حتى أصبح المارة يقضون حوائجهم أكثر من الركبان. وما أن يخرج الشخص من شارع متكدّس إلى آخر حتى يندم لفكرته الطائشة التي أخرجته من شارعه الأول. شيء محير. هل الأزمة مصطنعة؟! وإذا كان الأمر كذلك، أليس من واجب الأجهزة المعنية متابعة الموضوع واكتشاف المخبوء. وإذا كانت هناك مشكلة حقيقية، هل يعجز وزارة الداخلية من العمل على تخفيف حِدتها. الأمر محير. ولأني أسكن جنوب الخرطوم وأذهب أحياناً في تقاطع عِد حسين مايو فأجد في هذا التقاطع العجب العجاب خاصة عند المغرب. الزحمة وجبة دسمة في هذا التوقيت. وأجد شباباً يقفون لساعات لتنظيم الحركة ولولاهم لنام الناس في عرباتهم في هذا التقاطع. فقبل يومين وكالعادة كانت الزحمة وبرز الشباب للتنظيم وفك الاختناق، وكنتُ سعيداً جداً بعملهم هذا، لأني مرتبط بموعد لفك رقبة من حبل المشنقة. وأي تأخير ربما يُطيح بالفكرة كلها، وبالتالي يدنو الجاني من مصيره المحتوم. فعندما عبرتُ التقاطع التفتُ إلى أحد الشباب وشكرته وزملاءه فكان سعيداً بتحيتي له والكلمات الطيبات، وقبل أن أغادره مسرعاً قال لي وبعد دا يا خال أمبارح ودوّنا الحراسة، وقلت ولماذا قال قالوا نحن حرامية، فرددتُ مسرعاً بل هم الدولة العميقة، فضحك ولم أجد مُتسعاً لمساءلته لارتباطي المسبق، ولأهمية عمله وعمل زملائه.

لا أدري ربما الجهات المختصة عندها من الأسباب ما تجعلها تقوم بالاتهام. لكن للأمانة هؤلاء الشباب يقومون بعمل جبار، ولاحظت ذلك في أحياء أخرى خاصة وأن رجال المرور يقِل وجودهم مع “المغارب” في كثير من المواقع. فلماذا لا يكون هناك تنسيق مع هؤلاء الشباب البررة في هذا الخصوص ومع بعض التدريبات. وهذا ما ذكرته بالحرف وكتبته وسلّمته للسيد الوزير وهو إحياء فكرة أصدقاء المرور. أقول إن وزارة الداخلية عليها دور كبير في التقليل من هذه الاختناقات المرورية، وإلا سنجد الخرطوم في يوم من الأيام (قافلة) لا وراء ولا قدّام بسبب ضيق الشوارع وكثرة العربات وقلة حيلة رجال الشرطة. وأهم سبب الآن للتكدس هي الحُفر العميقة في منتصف الطرق، هذا مثال فقط.

ولذلك نرى الانتشار المتواصل كل اليوم للمرور ٢ تفعيل القوانين وردع المتهاونين ٣ مساهمة الجميع بالأفكار والمال والانضباط ومحاربة المستهترين بالقانون. ويكون العقاب اجتماعياً جماعياً. وإلا بلدنا ستخرب. والخراب ببدأ كدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى