صلاح الدين عووضة يكتب: مبسوط كده!

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

مبسوط كده!

رمضان كريم..

وكولن ولسون قال إنه تعلم الخطابة في ركن الخطابة بساحة هايد بارك..

بعد أن كان عجز عنها حيناً..

فقد كان يتهيبها؛ وفي ظنه أن الخطابة أمام جمعٍ من الناس ليست سهلة..

فنصحه صديقٌ له بأن يصرخ؛ فقط يصرخ…

فصرخ؛ صرخ بأعلى صوته… فانطلق صوته… وحُلت عقدة من لسانه..

ولكن صراخه هذا أظهره كأنه غاضب..

ففرحت لغضبه هذا جماعةٌ كانت تسمي نفسها (غاضبون)؛ وحسبته منهم..

وأرادت أن تضمه إلى صفها رسمياً..

بمعنى أن يكون واحداً منهم بصفة رسمية؛ لا مجرد منتسبٍ من منازلهم..

أعني منتسب من ركنه؛ ركن الخطابة بالساحة..

وطفقوا يسمونه الغاضب؛ ولكن ولسون يقول إنه لم يكن غاضباً أبداً..

فتركوه في حاله؛ بعد أن تبيّن لهم عدم غضبه..

فقد كان يسائلهم – دوماً – بكثير دهشة: لماذا تريدون مني أن أكون غاضباً؟..

ثم يضيف: أنا مبسوط كده..

وزميل عمل كان قد أكمل نصف دينه… تزوّج من زميلةٍ لنا… وفرح بها..

أكمله – نصف دينه هذا – بعد أن أكمل نصف عمره..

ولكن زملاء لنا لم يفرحوا لفرحه… ولم يشاركوه فرحه… ونكدوا عليه فرحه..

قالوا له: إنها كبيرة؛ وليست جميلة..

ونسوا أنه نفسه كان كبيراً… ولم يكن وسيماً… ورأسه يشتهي الزحف (الشعراوي)..

ثم يئسوا منه بعد أن لم يبالِ بهم..

سيما عندما عدد محاسنها يوماً؛ فما كل المحاسن في المظهر… قال لهم..

ثم ختم باسماً: أنا مبسوط كده..

وأنيس منصور قال إن كثيراً من أهله – وأقاربه – غضبوا لاختياراته..

سواءً اختياراته الدراسية؛ أو العملية..

فهو الأول – دوماً – في المدرسة… وفي الجامعة؛ فلماذا يختار الفلسفة؟..

ثم لماذا اختار – من بعد ذلك – الصحافة؟..

وكان يبادلهم غضباً بضحك؛ يضحك لغضبهم ذاك… ومنه… وعليه..

ثم ما عادوا يغضبون؛ ولا هو يضحك..

بعد أن قال لهم: أنا مبسوط كده..

وكاتب هذه السطور اعتاد كثيرٌ من القراء على حالة كونه غاضباً..

فهو غاضبٌ أبداً؛ غاضبٌ على طول..

غضب جانباً من عمره على مايو؛ وثلاثين عاماً من عمره على الإنقاذ..

وعليه أن يكمل بقية عمره وهو غاضب..

عليه أن يغضب – الآن – على سقوط حكومة قحت؛ وقيام حكومة البرهان..

وهو كان قد حذّر قحت بأنه لن يقضي عمره غاضباً..

أو ما بقي من عمره… وما بقي ليس بالكثير… فلن يبدده في غضبٍ جديد..

وذلك إن تمادى رموز قحت في فشلهم..

وتمادوا في عبثهم… وسلبيتهم… وفصامهم… وانفصامهم… ولا مبالاتهم..

فلم يكترثوا له… وبه؛ ولا (قطيعهم) من خلفهم..

أو بالأحرى؛ لم يكترثوا لكل دعوات النصح… والتحذير… والتنبيه..

ولكنهم فعلوا على حين صدمة..

اكترثوا بعد أن وقع المحذور؛ فتذكّروا الغاضبين بعد أن كانوا نسوهم..

تذكّروهم من بعد تجاهلٍ؛ ومن بعد نسيان..

بعد أن كانوا قد استكثروا عليهم مجرد الرد على مهاتفاتهم الناصحة..

والآن يحثونهم على الغضب..

وتحثهم عليه جماعةٌ تسمي نفسها (غاضبون)؛ كجماعة ولسون تلك..

فهذا أوان (حوبتهم)؛ وعليهم أن يغضبوا..

وبالمناسبة: لماذا لا أراهم هم غاضبين؟… سيما زملاءنا من حملة الأقلام؟..

لماذا لم أقرأ لأحدهم كلمة يهاجم فيها البرهان؟..

أو يقول كل الذي يريدون منا أن نقوله – الآن – ونحن غاضبون؟..

لماذا صمتوا؟… وسكتوا؟… وانزووا؟..

عموماً من أراد أن يغضب فليغضب… ولكني لن أفعل… فقد اكتفيت غضباً..

اكتفيت إحباطاً… وخذلاناً… وصراخاً..

ولم تقل قارئة فنجاني (إن الغضب عليَّ هو المكتوب)..

فأنا مبسوط كده!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى