صلاح الدين عووضة يكتب: بلادة!

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

بلادة!

أو تبلُّد..

وهو موضوع كلمتنا اليوم..

فقد لاحظت شيئاً عجيباً قُبيل وقوع كارثة ما..

وهو أنّ الشخص المتسبب فيها تنتابه حالة تبلد لا تخلو من غرور..

أو حالة بلادة غريبة..

وواحدة من هذه الحالات أشرت إليها في كلمة بعنوان (وقائدنا يغني للقائد)..

فقائد سيارة أقلتنا من كسلا إلى حلفا لم يسكت فمه لحظة..

لم يسكت عن ترديد أغنية (قلناها نعم… وألف نعم… ليك يا القائد الملهم)..

أي أن (قائد) السيارة كان يغني لـ(قائد) البلاد..

وليس الغناء في حد ذاته هو ما أزعجنا بقدر غرابة الطريق الذي سلكه..

فقد بدا غريباً… مخيفاً… مهجوراً..

ولم يكن معبداً في ذلكم الوقت… ولا مُعلَماً بمعالم..

وكلما نبهناه بلطف تجاهلنا صائحاً (ليك يا القائد الملهم)..

مع نظرةٍ غريبة – ذات غرور – يصوبها نحونا..

ثم ارتسمت على وجهه – قبل الكارثة – أمارات (بلادة) ممزوجة بعنجهية..

وكارثتنا المعنية هنا هي بلوغنا نقطة (الضياع)..

ولم يُرجعنا عنها سوى راعٍ يتجول مع قطيعه وكلابه..

ثم حالة التبلد هذه لاحظتها على وجه (القائد الملهم) نفسه – نميري – بعد ذلك..

وكان ذلك عند إلقائه خطابه المستفز قبيل سفره لأمريكا..

وما كان يشبه أيَّاً من خطبه من قبل..

وظللت أرصدها – الحالة هذه – على وجوه كثيرين مع اختلاف أنواع الكوارث..

سياسية كانت… أم مرورية… أم رياضية… أم اجتماعية..

ومن الكثيرين هؤلاء – سياسياً – بن علي… ومبارك… والقذافي… وصالح..

وذلك في أُخريات أيام أنظمتهم ذات العمر الطويل..

ومن قبلهم صدام؛ وهو ينشغل بإثبات شرعية زائفة والكارثة على الأبواب..

فقد كانوا جميعاً في حالة تبلد تظهرهم وكأنهم منغوليون..

يبدون كذلك رغم محاولات التستر وراء أقنعة تعالٍ زائف..

ومع قليل ذكاء وتواضع وإحساس بالواقع كان بمقدور كلٍّ منهم النجاة..

النجاة بنفسه – على الأقل – إن لم يستطع النجاة بنظامه..

ولكنهم – وبغرابة شديدة – يكررون أخطاء بعضهم البعض..

وسبب اجترارنا لقصة (كارثة قائدنا) هذه ما شاهدته في برنامج (كارثي)..

برنامج عن كوارث الطيران..

فقد ذكرني وجه (قائد) الطائرة بوجه (قائد) سيارتنا تلك..

كان متبلداً – قبيل الكارثة – مع كلماتٍ وحركاتٍ وإشاراتٍ تدل على الغرور..

وتجاهل نصائح مساعده الذي كان يرى (الواقع) أفضل منه..

وبما أن الطائرة صارت حطاماً فما رأيته كان ترجمة صورية دقيقة للتسجيل..

وربما يكون لعلم النفس تفسيرٌ لهذه الحالة..

أما أنا فقد سميتها (ظاهرة ما قبل وقوع الكارثة)..

ولمن (فاتهم الاستماع) – بلغة أهل المذيعين – عليهم ترقب ما هو قادم..

وحتماً سيأتي؛ فالحياة لا تتوقف… وكذلك التبلد..

والأيام – والليالي – حبلى بالمزيد من الذي نتحدث عنه..

حبلى بحالات بلادة – مع غرور وتعالٍ وعنجهية – تسبق الكارثة

والعلم إنما يُبنى على الرصد..

فقط ارتصدوها في الوقت المناسب..

ودون بلادة!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى