حالة حقوق الإنسان في السودان.. حقائق أم تغبيش للرؤية؟

تَعهُد بالإنخراط الإيجابي مع الآليات الدولية

حالة حقوق الإنسان في السودان.. حقائق أم تغبيش للرؤية؟

تقرير- مريم أبَّشر

تشهد أروقة مجلس حقوق الإنسان هذه الايام انعقاد اجتماعات الدورة ٥٢  لمجلس حقوق الإنسان  المنعقدة -حالياً- بجنيف، حيث مثل السودان  في جلسة التحديث الشفهي عن حالة حقوق الإنسان في السودان، وزير العدل المكلف محمد سعيد الحلو، الذي ابتدر بيانه أمام المجلس بشكر وفد السودان  للمفوَّض السامي لحقوق الإنسان على تحديثه الشفوي وما جاء فيه من ملاحظات. وأشار إلى أن زيارة الخبير المعنى بحالة حقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر هي  الأولى للخبير خلال الفترة 28 يناير -3 فبراير 2023 حيث قدَّم السودان كل التسهيلات اللازمة لإنجاح مهمته أسوة بالتعاون مع سلفه الخبير السابق أداما دينق.

كما استقبل السودان المفوَّض السامي لحقوق الإنسان في نوفمبر الماضي، في أول زيارة خارجية له بعد تسلمه مهامه، واعتبر الحلو في بيانه كل ذلك يأتي  في إطار التعاون والانخراط الإيجابي مع آليات حقوق الإنسان.

وكشف الحلو عن الخطوات التي اتخذتها الحكومية بالتأكيد على تشكيل النائب العام عدداً من لجان التحقيق الجنائية في الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان والعنف ضد المرأة، وأنه تم استكمال التحقيقات في عدد (8) لجان منها، وتم رفع الحصانات من كل من يشتبه ضلوعهم في انتهاكات حقوق الإنسان ومن ثم أحيلت إلى القضاء. بجانب ذلك أنشأ النائب العام نيابة متخصصة بشأن الجرائم المتعلقة بحق الشهداء.

وأكد الحلو أن السودان ملتزام بمبدأ عدم الإفلات من العقاب وأن النيابة العامة  تعمل على رفع حصانات المشتبه بهم من جهات إنفاذ القانون الأمنية التي ينتمون إليها وفقاً للإجراءات القانونية.

فضلاً عن تشكيل لجان المصالحات وجبر الضرر لحل النزاعات القبلية في بعض الولايات، كما تم رفع نتائج التحقيقات الخاصة بلجان التحرى والتحقيق حول الأحداث الأخيرة بجنوب دارفور (منطقة بليل) بجانب إحالة المتهمين إلى المحاكم المختصة.

ونبَّه وزير  العدل خلال مخاطبته لجنة حقوق الإنسان بجنيف إلى أن الوثيقة الدستورية نصت على إنشاء مفوضية العدالة الانتقالية. واستناداً على ذلك تجرى الترتيبات لإنشاء وتشكيل مفوضية العدالة الانتقالية وأن العمل في هذا المنحى

قطع شوطاً بعيداً في تنفيذ عملية نشر القوات المشتركة في إطار الآلية الوطنية لحماية المدنيين وذلك اتساقاً مع الخطة الوطنية لحماية المدنيين واتفاقية جوبا للسلام. وذكر الحلو المجتمعون في لجنة حقوق الإنسان، بأنه قد  تم منذ مايو الماضي رفع حالة الطوارئ الشاملة في كل البلاد، وإطلاق سراح المعتقلين بموجبها، وإن حالات الطوارئ الجزئية المؤقتة التي طبقت في بعض الولايات التي تمر بأوضاع استثنائية كانت لدواعٍ أمنية ومن أجل منع تدهور الأوضاع بسبب بعض النزاعات القبلية. ولمزيد من الاتساق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تم تشكيل لجنة بقرار صادر من مجلس الوزراء لمراجعة قانون الطوارئ والسلامة العامة ومواءمته مع الاتفاقيات الدولية.

وفي مجال الحريات تضمن بيان السودان ما يلي وفق ما ذكره وزير وهو أن  السودان ظل ملتزماً  بضمان الحريات بما في ذلك حرية التعبير والرأي والتجمع السلمي والتنظيم وفق قوله.

الانضمام لسيداو

وتابع بقوله: إن حقوق المرأة وتمكينها تشكِّل أحد أولويات حكومة السودان، وقد نصت الوثيقة الدستورية على تدابير التمييز الإيجابي لصالح المرأة التي تشمل تخصيص نسبة لا تقل عن 40% من مقاعد المجلس التشريعي للنساء مع ضمان تمثيلهن في مجلسي السيادة والوزراء، وأن السودان يواصل في هذا الصدد من أجل إكمال إجراءات انضمامها لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، فضلاً عن مجهوداتها في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1325 الخاص بالمرأة والأمن والسلام في إطار الخطة الوطنية للأعوام 2022-2023 للاستمرار في متابعة تنفيذ هذا القرار. جدَّد وزير العدل أمام مجلس حقوق الإنسان  التزام  السودان  بحماية الأطفال، ومنع كل أشكال التعدي عليهم واستغلالهم واستمرار العمل المشترك مع الوكالات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالأطفال وحماية حقوقهم. تجدد العهد  بالتزام  الحكومة حماية حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، والمسنين وكل الفئات الضعيفة.

كما شدَّد ممثل السودان في اجتماعات جنيف تأكيدات السودان التزامه بتنفيذ التعهدات الطوعية التي قدَّمها في سياق تجديد عضويته بمجلس حقوق  الموقر لدورة ثانية، والتزامه كذلك بتنفيذ التوصيات الواردة في تقرير السودان الثالث الصادر عن آلية الاستعراض الدوري الشامل، حيث أن السودان  وضع خطة وطنية وشكلنا لجنة لتنفيذ التوصيات التي تم قبولها.

طلب وشكوى

ونظراً للأوضاع الراهنة بالسودان، فقد شكل وجود آليات المراقبة الدولية بعض التزمُّر من قبل حكومة الأمر الواقع و لذلك فقد لفت وزير العدل ممثل السودان فى اجتماعات الدورة ٥٢ لمجلس حقوق الإنسان  نظر  المجلس فيما يلي مسألة تعدد الآليات في السودان والتي عددها الحلو في المكتب القطري، والمكتب المشترك مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال إضافة إلى الخبير المعين المعني بأوضاع حقوق الإنسان في السودان، وقال:  لا شك إن هذا التعدد في الآليات يؤدي إلى تعارض في الاختصاصات بما يستوجب إعادة النظر والمعالجة.

وتعهد السودان أمام المجلس بالاستمرار في التعاون والإنخراط الإيجابي مع آليات حقوق الإنسان، والسعي الدءُوب  من خلال وجوده كعضو في هذا المجلس  للعمل من أجل تحقيق الأهداف السامية التي من أجلها تم إنشاء هذا المجلس.

 مصادقة منقوصة

وكان مجلس وزراء الحكومة الانتقالية إبان عهد رئيس الوزراء المستقيل الدكتور عبد الله حمدوك، في  العام ٢٠٢١ م،  وافق على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” بعد ضغوطات كبيرة  من المجتمع الدولي وناشطات اعتبرت الاتفاقية في قائمة المطالب المطروحة على طاولة حكومة الفترة الانتقالية.

ولكن على الرغم من المصادقة على القرار، فإن الاتفاقية جاءت ناقصة، حيث تم التحفظ على بعض المواد تعد مهمة  وفق  حقوقيون. وتشمل المادة “2” والتي تحظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية، والمادة “16” وهدفها المساواة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية والمادة “1/ 19”.

اعتراض

التحفظ على مواد تعد مهمة وأساسية في الاتفاقية  قوبل باعتراض واسع بعد صدور القرار مباشرة، وعبَّرت  حقوقيات عن رفضهن له واعتبرنه ناقصاً ولا يحقق مطالب “الثورة ويقلِّل من أحلام السودانيين والسودانيات،  لجهة أن المادة  المتحفظ عليها  المادة “2”،  تعتبر من أهم المواد الأمر الذي  يعني أن الحكومة ضد المساواة ولا ترغب في وجود مساواة في القوانين والتشريعات المحلية، ولن نقبل بذلك”.

وشكَّلت مبادرة “لا لقهر النساء” أحد أبرز المنظمات  الأبرز في السودان المدافعة عن حقوق المرأة  وبرغم ترحيبها بقرار الحكومة السابقة بالمصادقة على الاتفاقية إلا أنها سجلت اعتراضاً على  التحفظ على بعض المواد.

وقالت في بيان لها نرحب بهذه الخطوة التي أجاز فيها مجلس الوزراء الانتقالي مشروعاً للمصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وأجازة مشروع البروتوكول الأفريقي لحقوق المرأة “مابوتو”. لكننا نرفض التحفظ على المادة 2، والذي يعد تفريغاً للاتفاقية من مضمونها  والتحفظ على المادة 16 هو انتهاك لكرامة المرأة السودانية والمساس بحقوقها   وتكريس لقانون الأحوال الشخصية”.

بيان وزير العدل أمام اجتماع مجلس حقوق الإنسان المنعقد -حالياً- بجنيف الذي أشار فيه للحريات وتشكيل لجان للانتهاكات ورفع الحصانة وقطع خطوات كبيرة نحو انضمام السودان لاتفاقية سيداو  واجه انتقادات كبيرة من قبل مراقبين لحالة حقوق الإنسان، حيث قال الأستاذ معز حضرة لـ(الصيحة): يبدوأن وزير العدل يعيش في كوكب آخر وبلد غير السودان. وقال: إن العالم بأكمله يتابع بقلق  الانتهاكات الجسيمة التي ترتكب بحق الشعب السودان والقتل خارج القانون وأضاف قبل أن تقلع طائرة الوزير نحو جنيف، حيث اجتماعات مجلس حقوق الإنسان تم قتل الطالب إبراهيم مجذوب بدم بارد من قبل أحد منسوبي الشرطة، وأضاف معز أن السودان يعيش -حالياً- أسوأ حالات انتهاكات حقوق الإنسان منذ الانقلاب وحتى الآن، بل أسوأ من عهد المخلوع نفسه.

تغبيش

ووصف الحقوقي معز، حديث وزير العدل أمام مجلس حقوق الإنسان بأنه محاولة لتغبيش الرؤية، لكنه نبَّه إلى أن العالم أصبح قرية صغيرة وأنه لا يمكن تغيير الحقائق التي تحدث على مرأى وسمع العالم، وأشار إلى أن الانتهاكات ضد حقوق الإنسان زادت ولم ترفع الحصانات، وتابع الدولة القديمة عادت وأشار إلى أن القضاة الذين يسعون للعمل بضمير لتحقيق العدالة في ملفات الانتهاكات يتم نقلهم واستبعادهم.

وحول حديث وزير العدل عن أن الحكومة قطعت شوطاً باتجاه المصداقة على اتفاقية سيداو، أشار إلى أن المصداقة  على الاتفاقية جزء من المطلوبات لتحقيق العدالة وحقوق الإنسان.

 مشاكل حقيقية

مراقبون يرون أن مجلس حقوق الإنسان يسعى لمساعدة ومساندة السودان ودعمهم إيجابياً غير أن الحكومة الموجودة لم تعمل لمساعدة نفسها ويشيرون إلى المطلوب من الحكومة وفق الالتزام التعاون مع المحكمة الجنائية بتسليم المطلوب وبجانب إجراء محاكمات داخلية جادة ووصف مراقب محكمة مدبري انقلاب الإنقاذ بالهزلة، وقال: هنالك تطويل متعمد، وأضاف: يجب إبداء الجدية.

ويشير السفير والخبير الدبلوماسي جمال محمد إبراهيم، في إفادة لـ(الصيحة) إلى أن مجلس حقوق الإنسان يعمل على مساعدة السودان في ترقية حقوق الإنسان والمضي قدماً للأمام، غير أن الممارسات والانتهاكات التي تحدث من قتل في الشوارع وضرب تعكس الانتهاكات التي تحدث.

وأشار إلى أن عدم وجود حكومة مدنية يجعل السودان تحت رقابة مجلس حقوق الإنسان وتوقع رفع تقارير سلبية من قبل الخبير المعنى بحقوق الإنسان،لافتاً إلى أن ملف حقوق الإنسان -حالياً- توجد فيه مشاكل حقيقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى