صلاح الدين عووضة يكتب: ديستوبيا!

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

ديستوبيا!

عكس يوتوبيا..
فاليوتوبيا هي المدينة الفاضلة..
وديستوبيا – وهي لاتينية مثل يوتوبيا – فتعني المدينة الباطلة..
أو أدب المدينة الفاسدة… أو ثقافة المجتمع الفاسد… أو منهاج العقليات القائمة على الفساد..
سمها ما شئت؛ والمعنى واحد..
وكلمتنا هذه اليوم تُعنى بنقد العقل البدائي… أو النامي… أو الذي لدى شعوب العالم الثالث..
والعقل العربي حُظي بجملة مؤلفات نقدية..
وجميعها باسم نقد العقل العربي؛ إما لمحمد الجابري… أو طارق حجي… أو يحيى محمد..
وأستاذنا في الفلسفة عاطف العراقي له مؤلف أيضاً بالاسم هذا..
أما نقد العقل – من حيث هو عقل – فلم يكتب فيه سوى الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط..
وسمى مؤلفه نقد العقل المحض؛ أو المجرد..
وهو فلسفة نقدية محضة – أو مجردة – يصعب فهمها من تلقاء ذوي العقول الديستوبية..
وهي تتمركز كلها في العالم دون الأول؛ فالثاني..
ولكن هنالك استثناءات بالطبع؛ والشاذ – كما يقولون – لا يُقاس عليه بما أنه حالة فردانية..
فالفرق بيننا وبين العالمين الأول – والثاني – هو فارقٌ في العقليات..
ولنكون أكثر تصويباً نحو السبب نقول إنه فارق بين كبت العاطفة لصالح العقل والعكس..
بمعنى إطلاق العنان للعواطف على حساب العقل..
فإذا ما انطلق جواد العاطفة على نحوٍ جامح داس على كل ما له صلة بالتفكير العقلاني..
حتى في الدين تغولت العاطفة على مساحة كبيرة من العقل..
فانتكسنا تجاه شركٍ – كذاك الذي كان لدى مشركي قريش – مع اختلافٍ في الشريك..
فلا فرق بين شريكٍ بشري… وآخر حجري..
فكله عند الله شرك؛ وهو نتاج جموح عاطفي – متخلف – عوضاً عن جموح النهج العقلاني..
وينسحب التخلف هذا على كل شيء… كل شيء..
على السياسة… على التعليم… على السلوك… على الثقافة… وعلى مجالات التنمية المختلفة..
ومنها مجال هندسة البناء المعماري..
وهنا – بالذات – قارنت دراسات عالمية بين النهج المتحضر وذاك المتخلف كالذي في تركيا..
فزلزال تركيا الأخير وقع مثله في دول متقدمة؛ ومنها اليابان..
فلم يخلِّف من الدمار الكارثي – على صعيدي البشر والمدن – كالذي خلَّفه زلزال تركيا..
وما ذاك إلا لأن مواصفات البناء لم تكن عقلانية..
كانت مواصفات بدائية… كسولة… متخلفة… فاسدة؛ والديستوبيا تعني منهاج العقل الفاسد..
فاسد هو في نفسه؛ أو في صاحبه نفسه الذي يحمله فوق كتفيه..
فكانت نتيجة الفساد هذا – وكل فساد مماثل في العالم المتخلف – ضياع آلاف الأرواح البريئة..
وفي هذا الوقت يحدث شيءٌ عجيبٌ في العالم المتحضر..
يحدث بحثٌ علمي – جاد – في كيفية إعادة جنس الماموث المنقرض إلى الحياة مرة أخرى..
وذلك بدمج خلايا فيل مع خلايا جذعية لماموث متجمد..
يعني هم يعملون على إعادة الحياة لحيوان منقرض ونحن نتسبب في حرمان بشرٍ من الحياة..
وهم يعملون على تصنيع ثقبٍ أسود في مختبراتهم العلمية..
ونحن نعيش – أصلاً – في جوف ثقبٍ أسود من صنع عقولنا؛ يجذب إلينا كل ما هو فاسد..
وهم يعملون على إرسال مسبار يلامس سطح الشمس..
ونحن نُرسل كل ناقد للعقل الحاكم… الفاسد… العاطفي… البدائي… إلى ما وراء الشمس..
وهذا هو الفرق بين اليوتوبيا..
والديستوبيا!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى