منى أبوزيد تكتب : طبقة إنسانية أعلى..!

16فبراير 2023
“سلامٌ على أولئك الذين رأوا جدار روحك يكاد أن ينقَاضَ فأقاموه ولم يفكروا أن يتخذوا عليه أجراً”.. جلال الدين الرومي..!
ردة الفعل “النمطية” التي قد تصدر عن معظم الناس عند قراءة خبر صحفي مَتنُه فاجعة اجتماعية ما، هي شعور مبهم بالارتياح، ومبعث الراحة هنا هو أن ما يحدث لأطراف تلك الفاجعة لا يحدث لهم. هي ردة فعل إنسانية طبيعية لا يختلف الاجتهاد في تبريرها عن تفسير أرسطو للضحك كردة فعل “نحن نضحك على من هم أقل منا، نضحك على قبحهم ونشعر بالفرح، لأننا ننتمي إلى طبقة إنسانية أعلى”..!
لعل هذا هو بالضبط ما قد تشعر به وأنت تقرأ خبراً عن حكم بالإعدام أو السجن المؤبد على شخص ينتمي إلى هامش واقعك المعيش، بينما عقلك منشغلٌ بالتفكير في بُعد المسافة التي تفصل محيطك الخاص عن ذلك المناخ الاجتماعي الذي تقع فيه مثل تلك الجرائم. تتأمل في ذلك البون الشاسع ثم تحمد الله على اقتصار بعض الشرور على أهل الطبقات الدنيا وسكان الأطراف النائية، متناسيًا أن كليكما أنت وذاك المجرم تنتميان إلى ذات المجتمع..!
ربما أكون قد أسرفت في تخصيص السطور السابقة لإقناعك بأن بعض الظواهر الكارثية والجرائم البشعة وإن كانت بعيدة كل البعد عن عوالمنا الخاصة فهي ليست بعيدة عن محيطنا الاجتماعي كما نظن ونحسب..!
ماذا تنتظر من عشوائيات سكانية يسكنها الفقر ويحفها الجهل، حيث البطالة والتخلف وحيث يتكدس العاطلون المحبطون والسكارى الذين فقدوا إيمانهم بجدوى الأخلاق مع المستضعفات من النساء تحت سقف واحد؟. لأجل ذلك أقول إن المجتمعات العاقلة لا تقلل من شأن ظواهر الطرف والأسفل والقاع والهامش، المجتمعات الحكيمة تعلم جيدًا أن اجتناب انتشار الظواهر السالبة في المركز يبدأ دوماً بالإخلاص في معالجة قضايا الهامش..!
ثم من قال إن المركز بخير؟. كثرت جرائم الأسرة “بين غير الأزواج” وبدأت ترتقي – على استحياء – مراتب الظاهرة. نحن نواجه اليوم مغبة استشراء الفقر واستتباب الغلاء وتفشي البطالة. التحولات الاقتصادية المفاجئة أقلقت منام القيم الاجتماعية وهجعة الأخلاق الأسرية وأضعفت الصلات العائلية، فشاعت فينا تلك النزعة المادية القاسية..!
كثر الصدام وتفاقمت الخلافات وشاعت السلبية بين الآباء والأمهات فخرجت أجيال بأكملها عن السيطرة. لا مناص من الاعتراف بأن الأسرة السودانية تشهد اليوم لعبة كراسي خطيرة بعد أن غابت القدوة التقليدية وتبدّلت الأدوار، فبات من المألوف أن تعول الفتيات اليافعات أسرهن بينما الشباب معظمهم عاطلون، والآباء والأمهات يستمرئون الاستسلام لسلطان الحاجة وقلة الحيلة، حتى ما عاد هنالك من يعبأ أو يجرؤ على سؤال العائل الجديد “من أين لك هذا”..!
الأسرة السودانية باتت تشهد انهيار بعض القيم، وهذا المجتمع بات بحاجة إلى حزمة تدابير إسعافية قبل فوات الأوان، فهل يا ترى من مُذّكِر..!

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى