محمد الأمين التوم وزير التربية في فترة حكومة حمدوك في حديث مثير لـ(الصيحة): لم نغيِّر المناهج وهذا (…) ما حدث

 

 

– كل ما تم تداوله شعارات وبكاء في المساجد القصد الأساسي منها كان ضرب الثورة

– البنك الدولي لم يدفع جنيهاً واحداً لطباعة الكتاب المدرسي

– (3) ملايين طفل خارج نظام التعليم في السودان

– حكومة الفترة الانتقالية دعمت الكتاب المدرسي بمبلغ 5 ملايين دولار

– المناهج لم يكن بها أي ملمح من ملامح الفكر الجمهوري

– التعليم وصل مرحلة الانهيار والنخب الحاكمة دمَّرته عن قصد

– الهجوم الشرس على القراي القصد منه ضرب الثورة

– السياسة لا تنفصل عن التعليم والآيديولوجية ممنوعة

– الحديث عن إضراب المعلمين انصرافي ولابد من تضامن المجتمع مع قضايا التعليم

منذ سنوات طويلة ظل التعليم في ترنُّح، يفتقد الإرادة السياسية لإصلاحه، دائماً ما تعلو أصوات خُبراء التربية وهم ينادون بضرورة وضع الشخص المناسب للتعليم بعيداً عن التعيينات السياسية، وبعد سقوط النظام السابق استبشر المجتمع خيراً في إصلاح التعليم، لتأتي المرحلة الانتقالية وتعيين بروفيسور محمد الأمين التوم، وزيراً للتربية والتعليم ورغم اختصاصه ووصفه خبيراً تربوياً، إلا أن وزارته واجهت انتقاداً لاذعاً عند تغيير المناهج وغيرها من القضايا نناقشها معه في سياق الحوار التالي.

حوار: أم بلة النور

كيف تنظر لواقع التعليم في السودان؟

نحن ورثنا تعليماً بريطانياً كان جيِّداً، ومنذ الاستقلال بدأ الإهمال، وهناك مؤشرات كثيرة لذلك الإهمال .

نعود مجدَّداً لواقع التعليم كيف تنظر له بصفتك خبيراً ووزير تربية سابق؟

التعليم وصل إلى حالة الانهيار بشقيه العام والعالي، من يصف حالة التعليم بالأزمة، فهي كلمة دبلوماسية ولا تعبِّر عما وصل إليه التعليم في السودان .

ما أسباب ذلك الانهيار؟

السبب الرئيس هو إهماله من قبل الدولة التي تعتبر المسؤولة الوحيدة عن التعليم  ولا توفر له التمويل اللازم، لذلك خرج من وضع الرفاهيات إلى انعدام الأساسيات.

حدثنا إذن عن نقطة التمويل والدعومات الخارجية له؟

مهما كان حجم الدعم فهو لا يفي احتياجات التعليم ما لم تضع الدولة ميزانية كبيرة له وفق المعيار الدولي .

وما هو هذا المعيار ومدى التزام السودان به؟

المعيار حسب دول العالم الثالث الذي يقول: إن على الدولة صرف ما لا يقل عن 20% من الميزانية العامة على التعليم أو 5% من الناتج المحلي يذهب للتعليم، والهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة للعام 2015م، والذي وقعت عليه أكثر من 72 دولة. يقول: إن على الدولة الموقعة توفير تعليم جيِّد ومجاني وشامل لجميع الأطفال في سن التمدرس بحلول 2030م، ولكن السودان لم يلتزم بذلك الميثاق بعدم التزامه بالمتطلبات الأساسية.

أين نقف نحن وماهي أكثر حكومة دعمت التعليم؟

السودان لا يلتزم بالعيار العالمي وأكثر فترة اقترب فيها من ذلك المعيار كان في العام  1983 إلى العام 1984م وكان الدعم من الناتج المحلي حوالي 5%.

وماذا حدث بعد ذلك؟

حدث تراجع كبير في العملية التعليمية وخلال النظام السابق لم تصل ميزانية التعليم 2% وفي المتوسط أقل من تلك النسبة وهي مستويات بائسة جداً أدت إلى انهيار تراكمي من ضعف الرواتب الذي أدى إلى ضعف أداء المعلم وبدوره انعكس على مخرجات التعليم، فضلاً عن توقف الأنشطة اللاصفية التي تعتبر مكملة للعملية التعليمية في النمو الجسمي والعقلي للتلميذ، وهناك ضعف -أيضاً- في المناهج وملحقاتها ما أدى إلى تسرُّب التلاميذ.

خلال توليك مهام الوزارة كم بلغ عدد التلاميذ الذين هم خارج التعليم؟

قبل عام كان هناك ثلاثة ملايين طفل خارج النظام التعليمي و 17 ألف فصل مؤقت، وفي ولايات دارفور وجدنا طلاب المرحلة الثانوية يجلسون على الأرض تحت ظل الأشجار  ولا يوجد معلم مؤهل، والتعليم ليس سور وفصول هذه ليست أساسية في التعليم لابد من معلم مؤهل ومدرَّب وراغب في المهنة .

هذا يقودنا لجودة التعليم في السودان؟

في السودان عملية القياس عليها علامة استفهام كبيرة جداً، والدراسات أثبت أن 40% من أطفال الصف الثالث لا يعرفون الأحرف وليس لديهم القدرة على عملية الجمع والطرح .

هل لك أن تضع لنا مقارنة لمخرجات التعليم مقارنة بالدول المجاورة؟

هناك دراسات أجريت وأثبتت أن السودان من أضعف الدول مقارنة بالأردن واليمن والمغرب .

دعنا نقف عند المناهج خلال الفترة الانتقالية وأنت وزيراً بها ماهي دواعي تغيير المناهج ؟

هناك سبب وجيه جداً، أيِّ نظام تعليمي يخدم النظام السياسي بالبلد، والسودان كان به نظام مستبد وفاسد ومن أسوأ النظم التي مرت على السودان ونظامه التعليمي لا يصلح لمجتمع جديد منفتح وديموقراطي، أيضاً النظام التعليمي القديم قائم على التلقين وإلغاء العقل، ونحن في عهد يحتاج إلى منهج يفتح العقل ويجعل الطالب صاحب مهارات واستقلالية كل تلك كانت الدوافع الأساسية لتغيير المناهج .

ولكن هل تعتقد أن عاماً واحداً كان كافياً لوضع مناهج؟

بالتأكيد ليس كافياً، لذلك كان هناك مؤتمر مع المعلمين وأولياء الأمور والإداريين والخبراء التربويين، أصحاب المصلحة لإشراكهم في وضع المناهج، وأنا وزيراً قمت بجولة على الولايات كافة لمناقشة ما طرح في المؤتمر، وكان هناك قبولاً كبيراً لما طرح وما تم بناءً على رغبة الشركاء في العملية التعليمية وأجمعوا على إعادة السلم التعليمي القديم، أي ماهو موجود الآن .

إذاً ماهي التحديات التي واجهتكم؟

أكبر تحدٍ كان بعد تلك المؤتمرات أن تم وضع قانون تنظيم التعليم للعام 2020م ليحل محل قانون التعليم للعام 2001م    والقانون الجديد يضم ثلاثة مجالس،  مجلس ولائي وإقليمي منتخب يمثل ولايات الإقليم ومجلس قومي مكوَّن من المجالس الإقليمية المذكورة آنفاً ولكل مجلس اختصاصات ويسمح القانون للمعلم أن يُدرِّس بلغته الأم المنتشرة في المناطق التي لا تنتشر فيها العربية بصورة جيِّدة؛ إلا أن هذا القانون مفترض يمر بوزارة العمل ثم وزارة العدل لصياغة نصوصه، إلا أنه لم يمر من وزارة العمل ليصل مجلس الوزراء ثم إلى السيادي .

لماذا لم يمر رغم أنه وضع بمشاركة واسعة كما ذكرت؟

هي معاكسة وإهمال مفرط للتعليم من جهات لا تريد تغيير التعليم واعتبره أنا عمل ضد الثورة.

هل ترى أن عاماً واحداً كافياً لتغيير نظام تعليمي مدته 30 عاماً؟

هذا مستحيل وليس هناك من يدعي أنه يستطيع تغيير مناهج ونظام تعليمي في عام واحد، لا سيما وأن هناك ثلاث مراحل للتعليم العام، ابتدائي ومتوسط وثانوي.

هل يعني هذا أن المناهج الحالية ليست جديدة؟

أبداً، من قال ذلك؟

ولكن هناك مرحلة متوسطة جديدة من أين جاءت تلك المناهج؟

نعم، المنهج واجه إشكالات عديدة.

ماهي تلك الإشكالات؟

نعم، هناك منهج التاريخ للصف الخامس يقال إنه ظهرت به صورة خلق الله تعود لعهد النهضة في أروبا، وصاحب ذلك هجوم كبير تجاه ذلك الكتاب وقامت منظمات دينية وحزبية بمقابلة رئيس مجلس الوزراء والذي أصدر قراراً بتجميد المناهج وقام بتكوين لجنة برئاسة بروفيسور صلاح محمد الأمين، للنظر في أمر المناهج واللجنة اجتمعت وأصدرت تقريراً وتم تسليمه لمجلس الوزراء، ولكن لم يناقش مع الوزارة ومعرفة ما إذا كانت المناهج تم تجميدها وإلغاؤها أو فك تجميد العمل بها، لم تعلم الوزارة حتى تاريخ حل الحكومة بقرار اللجنة بصورة رسمية رغم معرفتنا أنها أقرَّت بأنها تصلح باستثناء منهج التاريخ ولكن مجلس الوزراء لم يناقشنا ولم يصدر قراراً بشأنها. وحدث نوع من الربكة وسط المعلمين، فهناك من قام بتدريس المنهج الجديد ومنهم من درَّس القديم، وكل ذلك جاء بسبب حل الحكومة وانقلاب  25 أكتوبر.

وماذا عن منحة البنك الدولي لطباعة الكتاب؟

هذا الحديث غير صحيح البنك الدولي لم يدفع جنيهاً واحداً، المنحة جاءت من قبل الشراكة الدولية لدعم التعليم وهي جهة دولية تضم عدداً من المؤسسات التجارية العالمية تدفع أموالاً للمنظمة التي بدورها دعمت الوزارة خلال ثلاثة أعوام سابقة بمبلغ مقدَّر والبنك الدولي هو مشرف عليها مقابل عمولة .

وللمنظمة مواصفات وتطرح عطاءً عالمياً، ونحن كنا غير معتمدين عليهم، وطالبنا الدولة لدعم طباعة الكتاب، وفعلاً قامت بدعم الكتاب بمبلغ 5 ملايين دولار، وقامت الوزارة بطباعة كتاب التربية الإسلامية واللغة العربية بمطابع العملة ووزعت على جميع الولايات، وما تتحدثين عنه جاء بعد حل حكومة الفترة الانتقالية في الثامن من فبراير 2021م، وكانت الوزارة خالية من منصب الوزير عام كامل، الوزارة الوحيدة التي ظل منصب الوزير فيها  شاغراً، وهذا دليل على الإهمال التام للتعليم وأن النخب الحاكمة دمَّرت التعليم عن قصد، وتتنكَّر لحقوق الطفل في التعليم، وهنا تكمن المصيبة في ضيق الماعون وهضم الحقوق.

برأيك هل هذه المصيبة تأتي لإدخال التعليم في السياسة ؟

لا، التعليم هو جزء من السياسة، ولا ينفصل عنها، لأن أي نظام سياسي لديه نظام تعليمي، هو من يحدد أهدافه، ولكن سياسة من سياسة تفرق.

ما الفرق إذاً؟

مثلاً النظام البائد قام بإدخال آيديولوجيته داخل المناهج، وهنا نقول: ممنوع إدخال الآيديولوجية السياسية في مناهج التعليم. على مستوى الأسرة لا يحق للأب فرض آيديولوجيته على طفله ويترك له المجال مفتوحاً وهو من يختار حسب تطوره واستيعابه، كذلك التعليم علينا أن نفتح للتلميذ آفاقاً وهو من يختار .

أثناء حكومة الفترة الانتقالية كان هنالك صراع كبير جداً داخل المركز القومي للمناهج والبحث التربوي فيما يتعلق بوضع المناهج بعيداً عن المختصين كيف تعاملتم معه؟

فقط قمنا بوضع توجه عام لتغيير المناهج بما يتناسب مع الثورة ومدير المناهج يقوم بتكوين لجنة من الخبراء والمعلمين والموجهين، وهذا ما حدث، لأن المنهج لا يضعه شخص فقط، يضع الخطوط العريضة، لذلك من العبث أن يقول شخص: إن هناك آيديولوجية سياسية أو وضع المنهج من شخص واحد، وتم نشر أسماء أعضاء تلك اللجان عبر الصحف اليومية وشارك فيها أكثر من 60 معلماً، وموجهاً وخبيراً، على مستوى المرحلة الابتدائية .

وماذا عن المرحلة المتوسطة والثانوية؟

أما المتوسطة والثانوي، فكان لهما مؤتمر خاص بهما، ومع نهاية المؤتمر استقال مدير المناهج بعد الهجمة الشرسة التي تعرَّض لها ولم يجد أي دعم من الحكومة خاصة رئيس الوزراء، لذلك تمت الخطوة الأولى الإطار العام، لأن عملية المناهج عملية معقدة وطلبنا من منظمة يونيسيف مدنا بخبراء مناهج في المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية لمساعدة الوزارة .

ولكن كان هنالك اعتراض على نظام العمل وقمتم بتجميد المجلس العلمي وهو جزء أساسي في عملية وضع المناهج والآن معظم الكتب مجهولة التأليف؟

من قال ذلك؟

شخصياً أنا اطلعت عليها لم تحتوِ على أسماء المؤلفين، بل مكتوب لجنة من المعلمين؟

أنا لم اطلع عليها، ولا أعلم السبب ولم انتبه لهذه المسألة، ولكن قد يكون أعضاء اللجنة طلبوا عدم كتابة أسمائهم .

ولماذا تم تجميد المجلس؟

ليس لديَّ علم بما حدث، ويجب توجيه السؤال للمدير السابق دكتور عمر القراي، ولكن كان هناك صراع كبير دائر حول المناهج تحرِّكه جهات محدَّدة تعترض على وجود مسؤول يتبنى الفكر الجمهوري وترى تلك الفئة أن الفكر الجمهوري فكر ضلالي، ولكن في تقديري الشخصي هذا ليس القصد، لأن المناهج لم يكن بها أي ملمح من ملامح الفكر الجمهوري، لأنه فكر عميق ولا يتناسب مع أطفال في أعمار صغيرة، السبب الثاني المناهج وضعتها لجنة كل ما تم تداوله شعارات وبكاء في المساجد القصد الأساسي كان ضرب الثورة وكان جزء من مخطط الثورة المضادة ولم يكن المقصود الوزير ولا مدير المناهج، والدليل على ذلك منذ استقالة القراي لم تتحدث المنابر عن التعليم المنهار, حالياً التقويم الدراسي أقل من 100 يوم، بدلاً عن 180 يوماً، ولم يتحدث أحد، مع أن التقويم أخطر من صورة أو خطأ في منهج .

هل ترى في ظل الميزانيات المعدومة نستطيع توفير تعليم مجاني دون مشاركة أولياء الأمور؟

نعم، نستطيع بالإرادة السياسية من الدولة وهي فاقدة للإرادة الآن لذلك لا تعمل.

ما رأيك في إضرابات المعلمين، ألا ترى فيه ظلماً لطالب القطاع الحكومي الذي لم يتمكَّن من دراسة 100 يوم، بينما يستمر أقرانه في الخاص في تعليمهم؟

لنسأل أنفسنا لماذا لم يدرس لماذا المعلم مضرب؟ أي نعم، أثره سلبي جداً على الطالب، ولكن لدينا معلم لا يستطيع أن يعيش خمسة أيام على راتبه .

ولكن ضعف الرواتب حالة عامة؟

كل موظف يحل مشكلته بطريقته القانونية، المعلمون خاطبوا الوزارة منذ أكثر من عامين، وهناك مطالب أقرها حمدوك ولم يتم تنفيذها، الحديث عن الإضراب حديث انصرافي، على الجميع سواءً أولياء أمور أو مجتمع أن يتضامنوا مع المعلم، لأنه أساس العملية التعليمية، المشكلة في الحكومة وليست المعلم.

أين تذهب الأموال التي تجمع على قلتها؟ بحسب حديث حمدوك 80% منها خارج وزارة المالية، على الرأي العام البحث عن القضايا الحقيقية وعدم التعامل بسطحية.

رسالة عامة فيما يختص بقضايا التعليم

على المواطنين إدراك الوطن، لأن التعليم في حالة انهيار ومستقبل البلد ونهضته تتوقف على وضع التعليم والمستقبل على كف عفريت، علينا أن نتحد من أجل التعليم .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى