منى أبوزيد تكتب : في منطقة الراحة..!

1 فبراير 2023

“ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم”.. أبو الطيب المتنبي..!

لماذا تتقلّب على جمر الرق الوظيفي وتحكم بالموت البطيء على أفكارك الإبداعية وتختار التقوقع خلف مَكتبٍ مُهملٍ على قارعة مؤسسةٍ لا تستثمر في تطوير مهاراتك ولا تعطيك المُقابل المادي الذي يُوازي مجهودك الذهني وجهدك العملي؟. لأنك – ببساطة – تخشى أن تفقد الشعور بالأمان المهني الذي يضمنه لك بقاؤك في سجن تلك الوظيفة، حتى وإن كان ما تكسبه منها يغطي بالكاد مُعظم احتياجاتك، ثم لا يتبقى منه ما يمكن أن تدخره للنهوض بحالتك المائلة سلفاً..!

لماذا تحترق بقذائف النيران الصديقة ومُؤامرات “الأعدقاء” ومع ذلك تختار الاستمرار في الانتماء إلى كيان سياسي ما عاد يمثل مبادئك الديمقراطية ولا قناعاتك الوطنية ولا طموحاتك الإصلاحية؟. لأنك تخشى أن تقفز في الظلام فتتلقفك أيادي المتربصين. تخاف أن تعبر إلى المجهول بلا سند يمثله كيان سياسي قوي وواضح للعيان تتكئ عليه في أثناء حماستك لإحداث التغيير واجتهادك في العمل على نفض عدتك الثورية القديمة وإصلاح منهجك السياسي..!

لماذا تتمسّك بالمُضِي قُدُماً في علاقة زواج تستنزف طاقتك الإيجابية وتخنق روحك وتجهز على راحة بالك وتُحيل أحلامك بالحياة الهانئة إلى عللٍ مستقبلية وأوجاع يومية، وخلافات لا تنتهي وجدل عقيم يدور كل يوم في ذات الحلقة المُفرغة وعلى مدار الساعة؟. لأنك ببساطة لا تجرؤ على مُواجهة خوفك من ذلك الحل الباتر الذي قد تعقبه زوابع روحية وانقلابات عاطفية وهزّات أسرية قد تقلب حياتك رأساً على عقب، وأحكام اجتماعية قد تقوى وقد لا تقوى أنت على احتمال تبعاتها الكارثية. فتختار البقاء طوعاً في ركب الأزواج المستورين المباركين، وإن كان الثمن هو انطفاء روحك وتعاسة قلبك، وتبدد أملك وفقدانك الشعور بطعم الحياة نفسه..!

إنه الشعور بالخوف من مُغادرة منطقة الراحة، هو ذلك الرعب الذي يجتاح الواحد منا لمجرد التفكير بتغيير مكانه خارج دائرة الأمان. وانعدام ثقتنا في مقدراتنا على الصُّمود والصبر والتَخلِّي، بانتظار الوصول والقبول والحلول والتَجلِّي. نحن ننطفئ شيئاً فشيئاً في أثناء خشيتنا على فقدان بريقنا، ونضعف رويداً رويداً في أثناء تمسُّكنا بقوة الأمر الذي يقع علينا وانصياعنا لسطوة العُرف الذي يهيمن علينا.

إنّها معارك البشر الخطائين مع أنفسهم وأرواحهم وقلوبهم، تلك المعارك التي تقودها عقولهم – بطرائق تفكيرٍ قاصرة – للدفاع عن صيرورة حيَواتهم المُبرمجة الرَّتيبة، الحافلة بألوان الشرور، والزاخرة بصور الأحزان والخذلان والتعاسة. إنّها معارك الذوات الواعية والنفوس الحرة والأرواح المتحررة ضد معاقل الخوف وأغلال العجز وسجون الاعتقاد..!

كل العظماء الذين غيّروا مجرى التاريخ أدركوا تلك الحقيقة. فكَّروا وقرَّروا، ثم خرجوا – طائعين مختارين – من دوائر أمانهم ومناطق راحتهم، واحتملوا تبعات خروجهم، وصبروا على عوائق التغيير، واجتازوا مهالك الإحجام، واجتنبوا مزالق الأحكام. فعبروا وانتصروا. فماذا تنتظر أنت وماذا أنتظر أنا؟. الإجابة على هذا السؤال هي مربط فرس المقال..!

[email protected]

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى