من مقاصد الشريعة في الحــــــــج (1-2)

في هذا المقال أبيّن أبرز المقاصد الشرعية في تشريع هذه العبادة العظيمة، وأرجو من حجّاج بيت الله الحرام العناية بها.

إن الحج هو الركن الخامس من أركان هذا الدين العظيم، دين الإسلام خاتمة الأديان.. والمعلوم أن الله تعالى قد شرع العبادات وأمر بها لتحقيق (مقاصد) شرعية جليلة وحكم بليغة، وفي امتثالها الخير العظيم على الأفراد والمجتمعات في العاجل والآجل.

وإن من أعظم المقاصد في تشريع عبادة الحج: إقامة ذكر الله تعالى, وهو أمر يتضح بجلاء لمن يعلم أذكار ومناسك الحج، وإن أول أذكار الحج التلبية, حيث يقول الحاج بعد الإحرام «لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك», فالحاج بهذا يلبي دعاء الله سبحانه له بالحج, رافعاً شعار التوحيد بدلاً من شعار الشرك الذي كان المشركون يُضمِّنونه تلبيتهم, حيث كانوا يقولون «لبيك لا شريك لك, إلا شريكًا هو لك, تملكه وما ملك» فيستثنون أصنامهم من نفي الشركاء عن الله تعالى.

وإن من أبرز أوقات الذكر والدعاء يوم عرفة, وأفضل ذلك “كلمة الإسلام” كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة, وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له».

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشغل وقته يوم عرفة بالذكر والدعاء, فإنه لما صلى الظهر والعصر في نمرة جمعًا وقصرًا دفع إلى عرفة فلم يزل يذكر الله تعالى ويدعوه حتى غربت الشمس, ولقد قال صلى الله عليه وسلم: « خذوا عني مناسككم»، وفي عمل النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة مع قوله هذا توجيه إلى التفرغ من بعد الظهر إلى غروب الشمس للذكر والدعاء, وإن بعض الحجاج يضيعون أكثر هذا الوقت بإعداد الطعام وتهيئة المكان والمراكب, وربما ضيعوه بقيل وقال, فيكونوا بهذا قد ضيعوا وقتًا من أغلى الأوقات وفرصة من أثمن الفرص في إجابة الدعاء, فليخفف الحجاج من الأشغال والتعلقات وليصرفوا أكثر وقتهم في الدعاء والذكر.

وبعد الوقوف بعرفة فإن الحاج ينتقل إلى مزدلفة، وقد جاء الأمر من الله تعالى لذكره سبحانه في هذا الموضع: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين)، ونقرأ التوجيه الرباني في كتاب الله تعالى بذكره في الأيام المتبقية من أيام الحج قال الله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى)، وهي أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله».

فعلى من يوفقهم الله لأداء هذه العبادة العظيمة ـ فرضاً كان حجهم أو نفلاً ـ أن يجتهدوا في تحقيق هذا المقصد العظيم الذي هو من أهم مقاصد تشريع هذا الركن العظيم من أركان الإسلام. قال الله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ..).

ومن مقاصد الحج العظيمة التذكير بهدف عظيم من أهداف كل مسلم ومسلمة في هذه الحياة وهو: ابتغاء رضوان الله تعالى والسعادة الأخروية الذي هو الهدف السامي الذي يجب أن يعرفه المسلمون جميعاً ويسعون جاهدين لبلوغه، قال الله سبحانه ممتدحاً صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم: (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا). وإن المُوفَّق من عباد الله من يحرص لكسب الحسنات ويبذل الأسباب التي تكثر بها حسناته وتضاعف ويستثمر ويستغل أيامه في هذه الدنيا لتحقيق ذلك، والحج فرصة عظيمة لكسب الحسنات وتحقيق رضا الرحمن سبحانه وتعالى

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى