قائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي لـ(الصيحة):

الدولة العَميقة ليست في المؤتمر الوطني بل في المُعارضة الأحزاب السياسية تحتكر نفسها في شخصيات مُحدّدة

الانتفاضات السّابقة سُفكت فيها الدماء والمُستفيدون فئةٌ محدودةٌ

بعض السِّياسيين يُمارسون السِّياسَة من باب التّرفيه وملء الفراغ

الطريق إلى الخرطوم مَفتوحٌ وقريباً سنكون هناك لفتح صفحة جديدة

 

حركة جيش تحرير السودان أو حركة مني أركو مناوي كما يُفَضِّلون هم وغيرهم بمُناداته (جيرمان)، مناوي الذي بدا أكثر حركةً أثناء عملية المُشاورات، وأكثر حِرصاً على مُتابعة كل التفاصيل ومُراجعة تلك البُنُود المَكتوبة، وأبدى مُلاحظاته بكل وضوحٍ عكس الآخرين، يُمكن أن تجده أمامك في أية لحظة دُون أن يُرافقه أحدٌ، يتبادل أطراف الحديث مع الكل، لا يضع لنفسه حاجزاً أمَام الكُل، لم تكن تلك المعلومات والتّفاصيل التي صِيغت على ورقة الاتّفاق كافية، خَاصّةً وأنّ تلك الاتّفاقية أُعيدت كِتَابتها أكثر مِن مَرّةٍ…

(الصيحة) جَلست مَعهُ على عجالةٍ برغم ارتباطه بمواعيد خارج الفندق، إلا أنّه وَافَقَ على استقطاع جُزءٍ من وقته للإجابة على بعض الأسئلة، بل وبدا أكثر اهتماماً بسؤالي عن تفاصيل رئيس التحرير الصادق الرزيقي وعن أحواله ولماذا تمّ اعتقاله؟ فأخبرته بأنّه ما زال رهن الاعتقال فقط .

حاوره بأديس أبابا: النذير دفع الله

لِمَاذا رَفضتم التّوقيع على الوثيقة السِّياسيَّة من جانب قِوى الحُرية والتّغيير؟

نحن تفاجأنا بأنّ الوثيقة التي تمّ التوقيع عليها بالأحرف الأولى كانت منقوصة، خَاصّةً فيما يلي عملية السلام لأنّها من أهم النقاط، لذلك اعترضنا على التّوقيع وهو مَا دَعَا الإخوة في إعلان الحُرية والتّغيير للحُضُور إلى أديس أبابا وإجراء مَزيدٍ من المُشاورات حول الوثيقة وخرجنا بجملة من المُعالجات التي ستُضاف للوثيقة السياسية.

إذن هذا يعني وجود عدم تَنَاغُم بين مُكوِّنات الجبهة الثورية وإعلان قِوى الحُرية والتّغيير؟

ليس بالمَعنى الواضح، ولكن هنالك ظُرُوف مُحَدّدة فَرَضَت واقعاً مُختلفاً على الإخوة في الحُرية والتّغيير أن يُوقِّعوا على الوثيقة واعترفوا بالخطأ، نحن أرسلنا لهم مُلاحظاتنا مكتوبةً، منها عملية السَّلام وتَشكيل مَجلس السِّيادة ورئيس الوزراء، ولكن بَعد مُشاورات أديس أبابا تَمّت مُعالجة الأمر بأن يُسمح إضافة بَابٍ جَديدٍ في الوثيقة السِّياسيَّة يتعلّق بعملية السَّلام .

هَل مَا قُمتم به من مُشاوراتٍ وتفاوُضٍ يخص الحركات المُسلّحة فقط أم هو أمرٌ يَتَعلّق بمُستقبل السودان؟

ما جئنا من أجله وقُمنا به من مُشاوراتٍ وتَفاوُضٍ هو لا يعني الحركات المُسلّحة أو الجبهة الثورية، بل هو من أجل مصلحة ومُستقبل السودان وليس لكيانٍ مُحَدّدٍ، وما حَدَثَ من اتّفاقٍ هو لتفادي التجارب السابقة سواء كانت تجربة أكتوبر السابقة 65 أو تجربة أكتوبر 85 أو أبريل 2009م، بينما الظاهر والشاهد في كل هذه التّجارب تسفك الدماء لتملأ شوارع المدن والمناطق بجميع السودان من الهامش إلى المركز، ولَكن يظل المُستفيدون من كُلِّ هذه الدِّماء فئةٌ قليلةٌ جداً، ولكن ما نتمنّاه هو أن يَستفيد السُّودان من التّجربة الحَاليّة للتّغيير لتعم كل أهل السُّودان والارتكاز على مَسافةٍ مُتساويةٍ، سيما أن للكل أحقية فيما حدث من تغييرٍ.

ستتم هيكلة جميع مُؤسّسات الدولة بعد تَشكيل الحكومة الانتقالية.. فأين أنتم من الهيكلة؟

هذا يَتَعلّق بعملية الدّمج والتّسريح وهو أمرٌ يهم كل الناس من إعادة هيكلة جميع مُؤسّسات الدولة بما فيها الأجهزة الأمنية والشركات التي كانت تتبع للنظام السابق، لأننا نرى أن كل ما حَدَثَ من خَلَلٍ هو انعكاسٌ واضحٌ بأنّ جميع تلك المُؤسّسات غير وطنية، ومُؤسّسات يهيمن عليها بعض التنظيمات السِّياسيَّة أو ما يُسمّى بالدولة العميقة.

حسب ما يحدث ويجري الآن أين تكمن مفاصل الدولة العميقة؟

الدولة العميقة ليست في المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية، وإنّما هي مُتواصلة ومُمتدة وفارشة بجناحيها لتشمل المعارضة والحكومة والمُؤسّسات المالية التي تشترك فيها الحسابات بين المُعارضة والحكومة، الدولة العميقة موجودة في مراكز الدراسات التي تستخلص النتائج العُنصرية والجَهوية، الدولة العميقة موجودة في الأحزاب السِّياسيَّة التي تَحتكر الفرص ورئاستها في بعض الشخصيات لبعض البيوتات، بل تعني الجامعات والكُليّات الخَاصّة التي يَحتكرها البعض بتمويلٍ خَاصٍ من الدولة، إضَافَةً التي إثنيات مُحَدّدة تحتكر وتستحوذ على الكليات العسكرية وتُخرِّج الضباط، بينما يظل أبناء السودان الآخرون (حطب) النار، يزجون بهم في المُؤسّسات العسكرية بالرتب الدنيا ودُون الدنيا، بل امتدّ وجود الدولة العَميقة ليشمل حتى احتكار ثَقافة مُحَدّدة يتم التّرويج لها في التلفزيون والإذاعة والصحف .

إذن ما هي الكيفية المُناسبة للتّخلُّص من الدولة العميقة؟

يجب على الجميع أن ينتبهوا لذلك، بل والتمسُّك بالتحوُّل الجديد لتكوين دولة المُواطنة الحقيقيّة وتوزيع الفُرص بالتساوي في كل الاتّجاهات من بورتسودان الى الجنينة، ومن حلفا الى كادُقلي، ليس على مُستوى التنمية، بل حتى تلك المُتعلِّقة بالمنح الخارجية والبعثات الدبلوماسية، الدولة العميقة تحتاج لاستراتيجية مُحَدّدَة لتفكيكها، بل استخدام آليات ووسائل تَفكيك الدولة العميقة والتي حتماً ستأخذ وقتاً ليس بالقصير.

أنتم مُتّهمون بتأخير عملية التّفاوُض والإسراع في تشكيل الحكومة الانتقالية؟

بالعكس نحن أحوج ما يكون للإسراع في تشكيل الحكومة الانتقالية، لأنّ كل يوم يمر هو خصمٌ على الجميع سواء كانت حركات مُسَلّحة أو غيرها، بل مصلحة الوطن والمُواطن تتطلّب الإسراع، سيّما تلك الأحداث المُتعلِّقة بالانقلابات وغيرها، وكلما تمّ تشكيل الحكومة في وقتٍ أسرع كلّما تمّ قفل الباب أمام مزيدٍ من الأحداث غير المنطقية .

هل لديكم من يمثلكم داخلياً للمُشاركة في التّفاوُض حول الوثيقة الدستورية حتى لا تتكرّر تجربة الوثيقة السِّياسيَّة؟

ما نقوله في هذا الجانب، إنّ الحركات المُسلّحة أثبتت أنّها أعقل بكثيرٍ من تلك الأحزاب التي تُسمي نفسها سِياسيّة، بل أولئك الذين يُمارسون السياسة من باب الترفيه وملء الفراغ، ولم يتعلّموا من التجارب أو يكتسبوا خبرة جيدة، ولكن التّعَجُّل في مثل هذه الأمور غير مُفيدٍ، سيّما وأنّ السودان كدولةٍ موجودةٌ منذ سنواتٍ بعيدة وسنظل كذلك عليه إن لم تكن هناك تأنٍ من إدارتها سنُواجه ذات التجربة التي ارتكبتها الدولة السابقة من الإبادة الجَمَاعِيّة وفصل الجنوب وغيرها، لذلك فإنّ التأني أمرٌ ليس بالسيئ لمَزيدٍ من النِّقاش وتَعميق الرؤى وإعادة الترتيب لوضع الدولة وَخَلَقَ الاستقرار الدّائم عَبر السَّلام بمُخاطبة جُذور الأزمة السُّودانيَّة.

مَتى سَتكون رِحلة العودة إلى الخرطوم؟

الطريق إلى الخرطوم مَفتوحٌ وسنكون جميعنا قريباً فيها، بل أثناء ذهابنا إلى الخرطوم سواء جواً أو براً سنتناقش ونتحاور على مدى طول الرحلة لإنهاء العملية التّفاوُضية تماماً وفتح صفحةٍ جديدةٍ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى