وكيل الخارجية السفير صديق عبد العزيز لـ(الصيحة)

في العهد البائد.. الخارجيّة أصبحت فقط يافطة بين شارعي النيل والجامعة
*نمُر بمرحلة دقيقة لرسم سياسة خارجية تتناسب مع التغيير
*النظام البائد أكسبنا كثيراً من العداءات وحتى الصداقات لم تكن ثابتة
*رغم ما يظهر من وُدٍّ كُنّا معزولين عالمياً وعلاقاتنا العربية والأفريقية ليست بالمُستوى المطلوب
* علاقاتنا مع الغرب لم تكن مُريحة والسُّوداني “مُصنّفٌ إرهابيٌّ” ولا يستطيع دخول 80% من الدول
* اتّهام المخلوع بالجنائية دفع الخارجية لإقامة بعثات لكسب تأييد دولها
* لا استبعد إغلاق سفارات وسنفعل التمثيل غير المُقيم
* بعض المُلحقيات بالخارج قامت لخدمة بعض الأفراد والتنظيمات
* وضعنا لائحة جديدة للجواز الدبلوماسي
* ملفات الخارجية نُهبت والنافذون في العهد البائد هم المُؤثِّرون

العمل الخارجي مَرّ بمرحلة تِيه وضياع وما سُمِّي بالدبلوماسية الرئاسية قَلّلَ من شأنه
مثلما تعرّضت مُعظم الوزارات والأجهزة التنفيذية من خللٍ ضرب مفاصل العمل فيها، لم تكن وزارة الخارجية استثناءً، فقد سُلبت ملفاتها وتوزّع دمها بين أصحاب النفوذ إبان العهد البائد حتى أضحت كما أشار لذلك وكيل وزارة الخارجية السفير صديق عبد العزيز في حوارٍ صريحٍ حالت جائحة (كورونا)، وتقف الصحيفة من الصدور الورقي من نشرةن أضحت إلى يافطة تتوسط بوابتين بشارعي النيل والجامعة.. السفير كشف عن حجم التدمير الذي طال العمل الدبلوماسي على مستوى العلاقات الخارجية وداخل الوزارة، ورغم تأكيده على عزم حكومة الثورة إصلاح الخلل والعودة بالسُّودان لدوره الدبلوماسي التاريخي والرائد، إلا أنّه أكّد أنّ الوصول للهدف يحتاج لكثير من العمل باعتبار أن حجم الخلل كان لثلاثة عُقُودٍ مُتوالية.
معاً لإفادات الوكيل صديق عبد العزيز في الجزء الأول من الحوار:
حوار- مريم أبشر
أين وصلت مراحل ترتيب البيت الداخلي بوزارة الخارجية بعد مرور عام تقريباً من الإطاحة بنظام الإنقاذ بثورة التاسع عشر من سبتمبر المجيدة؟
أحب أولاً أن أشكر صحيفة (الصيحة) على الاهتمام بالشأن الخارجي وبما حدث في وزارة الخارجية وما يحدث الآن وما هو منتظر أن يحدث. فعلاً نحن نمر بمرحلة صعبة ومفصلية بعد 30 عاماً من نظام حكم دام ثلاثين عاماً تبعه تغييرٌ، مؤكداً أنّ وزارة الخارجية والسياسة الخارجية والعلاقات الخارجية من الموضوعات التي لابُدّ أن يحدث فيها تغييرٌ باعتباره عهدا جديداً وأي عهد جديد تتبعه تغييرات وسياسات بحكم أنه نظام جديد مختلف عن النظام الماضي، التطلُّعات، الأهداف، الوسائل كلها مُختلفة لا نستطيع إلا القول بأننا نمر بمرحلة دقيقة لرسم سياسة خارجية تتناسب مع ما هو منتظرٌ وما هو دافع أساسي للتغيير. نحن كانت لدينا دولة توجهاتها واضحة لا ينكر أحدٌ بأنها أكسبتنا كثيراً من العداءات وقلّت صَدَاقاتنا، والصداقات لم تكن ثابتة وحتّى تلك التي كُنّا نَعتقد خلال الثلاثين عَامَاً الماضية أنّها راسخة وثابتة مَرّت هي الأُخرى بمُنعرجات، ونسطيع أن نقول إننا نمُر بمرحلة بناء علاقات جديدة وعلى أُسس جديدة ونأمل أن نُوفّق.
بالتأكيد لا نستطيع أن نقول إننا في الفترة البسيطة التي مرت قد تبدو طويلة ولكن في عمر الإصلاح ليست كذلك, لأن حجم المطلوب كبير جداً.
كيف؟
عليك أولاً أن ترمِّم بيتك الداخلي وتحديداً أن تُرتِّب أوضاع وزارة الخارجية وهذا أمرٌ ليس بالسهل، ثانياً نحن نحتاج أن نُرمِّم علاقاتنا مع دول الجوار الدائرة التي نعيش وسطها، ثُمّ الاتجاه نحو الدول التي تُعتبر دوائر الاهتمام الخاص، ولدينا دائراتان هما الدائرة العربية والأفريقية. علينا أولاً أن نُرمِّم علاقاتنا بهاتين الدائرتين، يُمكننا القول بأننا كنا معزولين في المُحيطين برغم ما يبدو من وُدٍّ ولكن حقيقة كنا معزولين في المحيط العالمي والمُحيط العربي الأفريقي ولم تكن علاقاتنا بالمستوى المطلوب في المُحيطين.
ومع الغرب؟
علاقتنا مع الغرب أقل كلمة يمكن أن نقولها إن لم تكن متوترة فهي غير مريحة على الإطلاق، علاقات جانبتها الإيجابية لحدٍّ كبير. النظرة كانت فيها قدر كبير من الشك لدرجة التصنيف ببعض البلدان في دائرة الأعداء، ويكفي أنّ الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال كانت طيلة الأعوام من 96 وحتى قيام الثورة، ترى أن السودان يُشكِّل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأمريكي، وكلنا نعلم أن الولايات المتحدة قوى عظمى تستطيع أن تؤثر بدون أن تؤشر، وكثير من الدول الإقليمية تعمل لها ألف حساب، فكان بسبب تدهور علاقاتنا مع أمريكا أثّرت على بقية دول العالم، أقل ما يُمكن أن يقال عنها إنّها علاقات غير سوية وفيها درجة عالية من السلبية وعدم الموضوعية مِمّا ألحق بمضار لا تُحصى بالسودان وبالشعب السوداني والمواطن السوداني، ويكفي أن المواطن السوداني بجوازه القديم لا يستطيع الدخول تقريباً لأكثر من 70 أو 80% من دول العالم فقط لأنه سوداني ومصنّف بأنه إرهابيٌّ وهذا كله كان بسبب تدهور علاقاتنا مع الولايات المتحدة التي انسحبت على علاقاتنا مع الغرب وحتى مع بعض الدول الأفريقية، كثير من الدول العربية والأفريقية والجهود السودانية التي تُبذل معها كانت العبارات الوحيدة التي نسمعها بدون تلكؤ (صلِّحوا علاقاتكم مع أمريكا).
لذلك ترتيب البيت من الداخل ليس بالأمر السهل، لأنه ليست كل خيوطه في يد الخارجية، هنالك أشياء قد تكون خارج السيطرة، فلا تستطيع أن تصل إلى سرعة ما تريد بالسرعة المُتخيّلة، لكن على المُستوى الداخلي لا نستطيع أن ندعي أننا رتّبنا بيتنا خلال هذه الفترة وما زالت المسيرة أمامنا طويلة لكي نستطيع ترتيب وزارتنا من ناحية هيكلة الوزارة نفسها. العمل الخارجي مؤكد خلال الفترة ممثلاً في وزارة الخارج تعرّض لكثير من الإجراءات التي لم تكن في صالح العمل بصورة عامة وهذا يحتاج لترتيب.
مثل ماذا؟
أولاً انتشارنا في العالم، فإعادة الهيكلة ليس ما يخص الإدارات فقط، بل الانتشار في العالم، ولو نظرنا للانتشار الدبلوماسي في السودان، في العالم هنالك مناطق عليها علامات استفهام لماذا؟ بلد كالسودان لديه ظروف اقتصادية معروفة توجد به أكثر من ثمانين بعثة ومن المؤكد هذا يحتاج لإعادة نظر، هل ما أقمناه كله من علاقات دبلوماسية أُقيم في هذا البلد أو ذاك كان لضرورة؟ بلا تردُّد أقول لا، نحن كبلد مرّينا بظروف فرضت علينا ظروفاً أشياءً قد تكون خارج رغبتنا.
مثل ماذا؟
الجنائية مثلاً كان علينا أن ننتشر في مُعظم بلدان العالم حتى نكسب على الأقل تأييد الدول أو حيادها في مناطق هُنا أو هُناك، عُمُوماً الأمور التي مرّينا بها سواء سياسية أو اقتصادية أو لأيِّ عامل آخر، وجدنا أنفسنا أن انتشارنا الدبلوسي كثير جداً، والمرحلة الحالية تجعلنا نعيد النظر فيها، هل لدينا مصلحة حقيقية في كل هذه البلدان وهذه واحدة من المحاور التي تحتاج لإعادة نظر وحسب ما نتصوّره لعلاقات سودانية للعالم من حولنا هل فعلاً نحتاج لكل هذا العدد من البعثات أم يُمكن أن نفعل التمثيل غير المُقيم، وهي مسألة فيها جانبان فني وسياسي، وهناك عاملٌ اقتصاديٌّ تنظر فيه عدة جهات، لكن الرأي الفني يخص الخارجية ونعمل حالياً في وضع دراسة قطعت جزءاً كبيراً وشارفت على الانتهاء، وقريباً سوف تجمع كل هذه الخيارات والدراسات للخروح بخُطة موحدة فيما يلي الانتشار الدبلوماسي.
هل يعني ذلك أنّ بعض السفارات ستُغلق؟
بالتأكيد لا استبعد أن يتم إغلاق بعض السفارات وتفعيل التمثيل غير المقيم وقد لا ننشئ سفارات جديدة في الوقت الراهن، ولا يُخفى على أحدٍ الظرف الاقتصادي في البلد والعالم كله، وننتظر عالم ما بعد “كورونا”، ونحن دولة عالم ثالث ولدينا مشاكلنا وهنالك مشاكل أخرى متوقعة بعد “كورونا”.
وهل تقليص السفارات سينعكس إيجاباً على هيكلة العمل الخارجي؟
بالطبع إعادة هيكلة العمل الخارجي تعني السفارات وكل الوجود الخارجي الآخر بما فيها من ملحقيات عسكرية وأمنية وإعلامية واقتصادية، وهنالك أيضاً مكاتب تابعه للأراضي وغيرها هذه أشياء يحب إعادة النظر فيها.. لا يُخفى على أحدٍ أنّ الفترة الماضية كان فيها عدم تدقيق وبعض هذه الأشياء قامت لخدمة أفراد أو تنظيمات لم يعد الوقت قابلاً للاستمرار فيها إطلاقاً، وترتيب البيت الداخلي يشمل أيضاً كثيرا من الوظائف والإعارات. الهيكل الوظيفي للوزارة الدبلوماسي والإداري يحتاج لإعادة ترتيب. وسيجرى فيها تدارس مع الجهات المعنية، ديوان شؤون الخدمة والعمل وغيرها من الأطراف المعنية.
وماذا بشأن الجوازات.. كثير من التجاوزات تمّت فيها خلال العهد البائد؟
الآن نحن أوقفنا رسمياً إصدارأي جوازات جديدة ونحن بصدد إعادة العمل بلائحة جوازات جديدة تقرّرت وتبقى فقط تنفيذها.
معلومٌ أنّ كثيراً من الملفات من صميم العمل الخارجي سُلبت إبان العهد الماضي هل تمّت إعادتها؟
لا ينكر أحدٌ خاصّةً في السنوات الأخيرة لحكم الإنقاذ، نُهبت ملفات الخارجية لجهات أخرى عديدة وما كان هنالك من سبب غير ضعف المؤسسة الحاكمة وهي رئاسة الجمهورية. النافذون فيها هُم كانوا المؤثرون حيث تمتد يد النافذين ومن حولهم للخارجية لأن ملف الخارجية فيه مصالح وعلاقات بالخارج قد تتحوّل لشخصية، وفيها تأثير حتى داخل المُؤسّسات والوزارات، ولذلك أي يد تستطيع أن تمتد لنافذٍ لا تردّد، ويكفي أن مُستشاراً للرئيس سحب خمسة ملفات لدول كبرى منها الصين وروسيا وهذه واحدة من النماذج التي أثّرت على عمل الخارجية، وهنالك مؤسسات مثل مجلس الصداقة الشعبية تقوم بعمل دبلوماسي وأحياناً تتّخذ مواقف تمس الدولة وعلاقاتها بالخارج دُون الرجوع لوزارة الخارجية كمؤسسة مسؤولة تُقدِّم نصائح للمؤسسة الرئاسة عن الأوضاع وعلاقات السودان بالخارج.. هنالك أيضاً جهاز الأمن يقوم بدور دبلوماسي.
ماذا بشأن الدبلوماسية الرئاسية؟
مكتب الرئيس أو ما يُسمى بالدبلوماسية الرئاسية هذه وصلت مرحلة التقليل من شأن الخارجية، وكل الملفات في لحظة من اللحظات تعالج فيما يُسمى بالدبلوماسية الرئاسية، حتى إن مدير مكتبه أصبح يستقبل ويُودِّع السفراء بل ويقوم بمهام على درجة عالية من الأهمية وصلت مرحلة لقاء الرئيس الأمريكي. هذه كلها فترة تيه وضياع وتنازُع على وزارة الخارجية وصل لدرجة أن أفقد البلد وضعيتها في الخارج، ولم يستطع الناس التمييز مع من يتقابلون فيما يخص الشأن الخارجي للسودان، هل مع الدبلوماسية الرئاسية أم الشعبية أو الأمنية؟! ووصلت الفوضى أنّ بعض حكام الولايات يقومون بتوقيع اتفاقيات دون إخطار الخارجية أو استفسارها ممّا جعل الخارجية مجرد يافطة موجودة بين شارعي النيل والجامعة دُون دور حقيقي.
وهل انتهى هذه الحقبة الظلامية؟
نعم استطيع أن أقول هذه حقبة عدّت وانتهت ولكن نحتاج لزمن لإعادة الأشياء لنصابها وهو أمرٌ مجتهدٌ فيه على مستوى القيادة والخارجية ونأمل نصل قريباً للوضع الطبيعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى