مزمل عليم يكتب : حكومة قوية

21ديسمبر 2022

[email protected]

– منذ فجر الاستقلال في السودان كان أهم عامل في ضعف ووهن الدولة السودانية هو ضعف الحكومات الناتج من ضعف الإمكانات السياسية وبالطبع الاقتصادية، لذلك بسط نفوذ الدولة على الأطراف المترامية البعيدة ضعيف جداً، مما ادى لفقد جزء عزيز كالجنوب، وحالياً التباشير تلوح لنا من على البُعد في الشرق ودارفور.

– إذا قُمنا بتحليل سبب ضعف الحكومات السودانية عبر الأجيال المتعاقبة، سنجد أنّ السبب الأساسي والرئيسي دائماً هو عدم الاتفاق والتشرذم وتدخل الأجنبي بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الشأن المحلي السوداني، في كل الأحوال لا يريد أي اجنبي خيراً للسودان، وقد عرفنا ذلك بالتجربة الطويلة حتى لا نحتاج لذكر أمثلة.. والتدخُّلات الخارجية دائماً ما تأتي لتضارب مصالح الدول العالمية والإقليمية مع عملائهم داخل السودان.

– أذكر عندما كنت في المرحلة الثانوية في العام 2002، كان لدينا مُعلِّم مادة الجغرافيا (أستاذ فيصل) المربي الفاضل، دائماً ما كان يتحفنا بالمعلومات العامة خارج إطار (حصة) الجغرافيا، واستحضرتني مقولة كان يكررها دائماً وهي أن السودان مستهدفٌ بسبب ثرواته وموقعه الجغرافي وخطة تقسيمه لخمس دويلات قادمة لا محالة للسيطرة الكاملة على هذه الرقعة المميزة في قلب أفريقيا.. هنا انتهى حديث أستاذ فيصل.

– الآن وقد انفصل الجنوب وبدأت أقاليم أخرى تنادي بحق تقرير المصير، تذكّرت مُباشرةً كلام أستاذنا الجليل، ولكن على ما أعتقد أن عدد الدويلات لا أظنه سيكون كما ذكر، لكن ربما يتجاوزه بكثير، فالكل أصبح لديه رغبة انفصالية أو فلنقل رغبة في اقتسام كعكة السلطة الشهية من المركز.

– دارفور أكثر المناطق الملتهبة والمتنازع عليها حالياً لأسباب كثيرة، لعل أبرزها ضعف حكومة المركز بالإضافة لأن إقليم دارفور منطقة تماس تفصل ما بين نفوذ الاستعمار الفرنسي (تشاد) والاستعمار الإنجليزي، (السودان)، لذلك ظلّت هذه المنطقة غير مُستقرّة بصورة دائمة بفعل تدخل استخبارات كثير من الدول بصورة راتبة وعبر عشرات السنين.. ولا ننسى أيضاً أن إقليم دارفور يحتوي على العديد من الثروات المعدنية كاليورانيوم المُستخدم في الطاقة النووية، وكذلك دارفور أرض خصبة لكثير من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، إقليمٌ بهذه الفخامة والغنى يقبع سكانه في معسكرات للاجئين تحت وصاية الأمم المتحدة!!

القارئ الذكي والحصيف يعرف تماماً بأنّ الأمر مقصودٌ ومدبرٌ مسبقاً.. ولكن لا حياة لمن تنادي.

– ما لم تُشكّل حكومة وحدة وطنية قوية مركزية يتوافق عليها الكل لن تنحل معضلة السودان، وفكرة انفراد فئة أو أحزاب مُعيّنة بالسلطة لهو منزلقٌ سحيقٌ سيقودنا لخراب يتبعه خراب ينتج عنه مستقبلاً تفكك وانقسامات ودويلات متحاربة فيما بينها إلى أبد الدهر.

– لعل أبلغ وصف للحالة السودانية السياسية منذ الاستقلال والى الوقت الراهن كان للمفكر السياسي دكتور منصور خالد عندما وصف النخبة السياسية السودانية بإدمانها للفشل، وبصراحة لا أجد وصفاً أبلغ وأجمل من هذا الوصف الدقيق، ويبدو أنّ الرجل كان فعلاً يعي ما يقوله حرفياً.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى