خالد الصادق البصير يكتب : رفع الدعم عن المعنويات

 

خرج الشعب السوداني بكل أطيافه وألوانه وفئاته العمرية ضد الطغاة وطغمة الإنقاذيين، وتعطلت الحياة بكل قطاعاتها من أجل تغيير الواقع، ووضعت هذه الجموع في عصارة ثورتها في أطباق من دماء أعز بنيها مهراً للحرية والسودان الجديد وأعطتها للقادة الجدد واستأمنتهم عليها، وعلقت عليهم آمالها العريضة، خرجت تلك الجموع من أجل تغيير سبل الحياة، من حياة القهر والظلم والجهل والخوف والفقر، ولإيقاف التدهور الذي أصاب كل مناحي الحياة.. فاستطاعت الجموع الهادرة أن تسقط النظام البائد، ولكن كان السقوط جزئياً، لأن تلك الجموع لم تلبث كثيراً لتخرج مرة أخرى وتصطف في طوابير الرغيف والوقود والغاز يومياً، في صور تنم عن الكآبة والإحباط والبؤس وخيبات الأمل، وأن مثلث الفقر والجوع والخوف لا زال قائماً.

جاءت المكونات السياسية وأمناء الثورة ويبدو أن اتفاقهم على ألا يتفقوا، لذا لم تتحسن مؤشرات الحياة من حيث الصحة والتعليم ووسائل العيش وتوزيع الفرص في التوظيف، وتعثرت خطط التنمية، وسجل التدهور الاقتصادي والتضخم أعلى معدلاته وانخفض الدخل وانهارت الطرق وشبكات المياه والكهرباء وتدهورت أسعار العملة الوطنية ومرت بأكبر عمليات تزوير في تاريخها وتوسع السوق الأسود للعملات الصعبة وكان النقص في السلع الأساسية والدواء حاضراً، وتوسعت دوائر التهريب بكل أشكاله عبر المعابر والمطارات والموانئ وتدني الإنتاج، وزادت هوة التضخم وضربت الفوضى الأسواق، وتمدد جشع التجار وطمعهم دون حسيب أو رقيب.

إن الحياة لازالت متواضعة وبائسة، رغم الجهد المبذول فإن تجارب الفشل السياسي والإداري يفوق التجارب الناجحة كماً وكيفاً، وظاهره الخيبة والفشل ظاهرة عامة، مع الاعتراف بأن هذا الفشل مرده الإنقاذ. ولكن الاجتهاد المبذول لا يرقى لمستوى التطلع لحياة كريمة وطيبة ومستقرة، والفشل الحقيقي هو سوء إدارة الموارد البشرية وتوظيف الإنسان التوظيف الصحيح وتدريبه وتأهيله وغرس روح الوطنية فيه ومن ثم مراقبته ومحاسبته. لأن الإهمال الوظيفي يؤدي إلى الأمراض الاجتماعية مثل المحاصصة والمحسوبية والرشوة واللامبالاة والفساد الإداري دون تفعيل الأجهزة الرقابية.

إن الحلول التي اهتدت إليها الحكومه لمعالجة مشكلة الاقتصاد حلول خاطئة وغير مدروسة وإن السياسات المتبعة هي (تابع ما قبله)، وإن الإنقاذ كانت في طريقها لتنفيذ تلك السياسة، ولم يكتب لها عمر لتنفذها، وهي أجنده تعني بتطبيق شروط الحصول على دعم المانحين وصندوق النقد الدولي، وهي رفع الدعم عن الوقود والكهرباء، ومؤقتاً عن الدقيق وترشيد الإنفاق الحكومي وتحرير سعر الصرف.

وهنا لا أريد أن أسهب في الحديث عن موازنة العام 2021، وكيف اتجهت الحكومة لتقليل الإنفاق الحكومي على كل القطاعات عدا العسكري والأمني، بل وتزداد حصته خصماً على الإنفاق على التعليم والصحة.

نحن أصحاب ثروات، ولكن لا نعرف كيف نستثمرها ونوظفها ونتمكن من تنميتها والمحافظة عليها، أم أننا نفتقد المعرفة والخبرة؟ أم نعيش في وعي التخلف بعقل يعجز عن استيعاب التقدم؟ وما نحتاجه الآن تعديل في آلية التفكير الإداري، ونحتاج أن نعبُر من الفشل إلى النجاح، ونحوّل أزماتنا إلى فرص لتحدي الذات واجتيازها، وهل وعي ساستنا وعقولهم تفرز وعياً سلبياً ولا يعرفون ما يريدون ويعجزون عن تحقيق ما يريدون؟ نحتاج إلى توفير القمح والوقود والغاز واستقرار الإمداد الكهربائي والمائي وحسم فوضى الأسواق ورقابتها وتأهيل المستشفيات، وتوفير الدواء وتأهيل المدارس وصيانة الطرق وتأهيل المصانع وتشجيع مستثمري القطاع الخاص، وإصلاح الأراضي الزراعية، وتشجيع صغار المزارعين وتمويلهم وتخفيض الجبايات والضرائب، وإعادة هيكلة الجيش والشرطة والأمن وكافة المرافق الأخرى وكل البنيات التحتية، وكل هذا لا يحتاج إلى المال فقط بل يحتاج إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي. وهنا لا يهمنا من يحكم ويقود زمام الأمور طالما كان سودانياً غيوراً حريصاً على المصلحة العامة، ويؤمن بأن ما أوكل إليه أمانه فهو الأجدر بالقيادة.

إن الإنسان السوداني ليس في مخيلته شيء غير رفع الدعم… ولم يتبق للحكومة ما ترفعه عنا غير رفع الدعم عن معنوياتنا وقد فعلته بالفعل.

أخيراً: أجمل ما في هذا العصر أنه يسمح لك بأن ترفع صوتك بما تعتقد أنه حق… وأنك شجاع أيضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى