مصاعب السودان .. إلى أين تتجه السفينة؟

 

 

الخرطوم: صلاح مختار  18 سبتمبر 2022م

تقول مديرة صندوق النقد الدولي كرستين لاغارد، إن الحرب ليست في الأنبار أو حتى في العراق أو سوريا, إنما الحرب هي على اقتصاديات الدول وتفقيرها وتجويع شعوبها وتجريدها من قوَّتها المالية ومن ثم العسكرية لجعلها غير قادرة على تسديد رواتب موظفيها ومنهم العسكريين وقوى الأمن لتظهر قوى مسلحة خارج إطار الدولة وتنتهك القانون وتسلب الناس وتثير الفوضى وتأخذ الأتوات.

واقع الصورة

ربما الصورة باتت وشيكة على واقع السودان الذي يتطاول فيه البنيان وتتزايد أزمة الاقتصاد, وتتراجع قيم المجتمع, وتسود الفوضى, وتتضاءل نعمة الأمن, وتحوم حولها حركات مسلحة تضع يدها على الزناد, وأن أوشك بعضها على الاندماج بالجيش. ولكن يفقدها الثقة في الواقع السياسي, الذي تتراجع فيه قيم الوفاق والاتفاق, لتسود النعرات وتتهيج القبليات, ليصبح الواقع على شفا جرف هارٍ, وأن تعدَّدت الأسباب, ليقع الشعب ضحية بين أمزجة السياسيين وتطلعات العسكريين, ويصبح السؤال إلى متى الشعب تغشاه الظنون وهم مقيَّدون بلا رقيب وبلا حسيب ولا وجيع إلى متى يصبر الشعب على حاله الذي كفاه الشقاء وأدماه الجراح ..إذاً إلى أين تتجه سفينة البلاد ؟

نتيجة صفر

تعدَّدت المبادرات وتنوَّعت الأطروحات الدستورية، ولكن نتيجتها كما يراه البعض صفر. ولم تحدث هذه المبادرات أي تغيير على الأرض، وفق ما يراه المحلِّل السياسي د. أبوبكر آدم، ولم تستطع بعد فتح الطريق لأي حوار بين القوى السياسية والمدنية أو بين المدنيين والعسكر. كما أن القوى الفاعلة على مستوى الشارع، وعلى رأسها قوى “إعلان الحرية” و”التغيير وتجمع المهنيين” السودانيين والحزب “الشيوعي” ترفع شعار “اللاءات الثلاث”. التي تسد أفق الحوار والنقاش مع المكوِّن العسكري ويقابلها كما يقول آدم لـ(الصيحة): تصريحات من مجلس السيادة بأن أبواب الحوار مفتوحة لكل القوى السياسية، دون إقصاء أحد. ولكن في النهاية سحب المكوِّن العسكري نفسه من الحوار ليضع الكرة في ملعب السياسيين والمدنيين، ولكن كما يظن آدم أن المدنيين ليسوا مهيئين للتقارب والاتفاق فيما بينهم كأنما المكوِّن العسكري يريد اختبار قدرة المدنيين على الاتفاق والتوافق لحل أزمة البلاد.

انهيار كامل

ويرى آدم أن الأزمة الاقتصادية هي جزء من الأزمة السياسية ودون الوصول إلى حل للأزمة السياسية لا يمكن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، وأكد أن الذي يجري الآن في الساحة لا علاقة له بالاقتصاد وأن البلاد تواجه أزمة وانهيار في كل الأصعدة وبالتالي هناك ضغوط على الأطراف الفاعلة في المجتمع والسياسيين على ضرورة الاتفاق لحل الأزمة السودانية ولايمكن للمواطن أن يصمد أكثر من ذلك, وسوف يعبِّر عن رأيه بأي طريقة, ولكنه قال: المشكلة ليست في المواطن الذي يعبِّر بطريقة حضارية عن الأزمة، ولكن المشكلة في التدهور والسيولة الأمنية وما يصاحبها من تداعيات على المجتمع .

حالة الانسداد

إلا أن الرئيس التنفيذي لمبادرة “أهل السودان” هاشم الطيب قريب الله يرى أن المبادرة “مجتمعية فرضتها حالة الانسداد السياسي في البلاد، والوضع الاقتصادي المتردي والانفلات الأمني الذي أدى إلى سقوط ضحايا في أنحاء متفرِّقة من البلاد”. ويقول قريب الله للأناضول، إن المبادرة “تهدف إلى انعقاد مائدة مستديرة تجتمع فيه كل الأطراف السودانية دون إقصاء لأحد بغية التوصل لاتفاق سياسي يعبر بالسودان من الأزمة الحالية”. ويضيف أن المبادرة “وجدت استجابة واسعة من كل القوى السياسية والمدنية”. ويؤكد قريب الله، أن المبادرة “تهدف إلى تشكيل حكومة مدنية ذات مهام محدَّدة من بينها إجراء الانتخابات واستكمال السلام”.

معاناة مركَّبة

وكان نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) أعلن قبل أيام، أنهم على استعداد للاستجابة “لأي مبادرة يكون فيها الحل وتجاوز الأزمة الراهنة، ولكن المحلِّل السياسي والكاتب عبدالله آدم خاطر، يقول لـ(سودان اندبندنت) من الناحية الفكرية نجد أن هناك ضغطاً كبيراً تسبب في إحداث معاناة مركبة للمجتمع في كل نواحي الحياة”. وأضاف خاطر، “بلا شك، المواكب تشكِّل حلاً أساسياً للأزمة الحالية لأنها جعلت السلطة تتضاءل أمام الوطن والمواطن، إذ لم تستطع تلبية طموحات الشباب الذين يقودون هذا الحراك الثوري من أجل مستقبل مشرق لبلادهم. وفرض هذا التضاؤل على الآخرين المستنيرين واجب البحث عن حلول، لكن في الأفق هناك أمل كبير بلم الشمل السوداني بشكل أو بآخر”. وتابع، “على الرغم مما يحدث من انسداد الأفق ، إلا أنه من المؤكد أن باستطاعة السودانيين بذل الجهود لإحداث توافق يجنب البلاد شر الانزلاق نحو المجهول، فالمواكب والمسيرات التي تُنظم من وقت إلى آخر بصورة متكرِّرة أسبوعياً هي السند الأساسي للتحوُّل الفكري والسياسي، وذلك من خلال وضع قاعدة جديدة للحل الدستوري القانوني الاقتصادي للأزمة السودانية التي تبدو الآن وكأنها مستفحلة في أذهان كثيرين من المراقبين والسياسيين”.

تعميق الأزمة

في السياق، قال أستاذ الاقتصاد السياسي الحاج حمد، لنفس المصدر السابق:  إن “المدهش هو أن النخب التي تتصدى حالياً للمسألة السياسية منذ اندلاع الثورة الشعبية تجدها تعتمد على المجتمع الخارجي في الخروج من أي أزمة تستفحل في البلاد، فهي تجيد خلق الأزمات وتعميقها، بينما لا تستطيع تقديم أي حلول لها، أياً كان شكلها، فكل واحد من هذه النخب تجده متخندقاً عند موقفه ويحمل بطرفه ميثاقاً فضفاضاً كرؤية سياسية للحل، فالقضية أصبحت لديه منافسة للعرض أكثر من كونها قناعة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى