البَحث عن رُمُوزٍ

في كثيرٍ من دول العالم، نجد هناك قواسمَ مُشتركة في كل شئٍ، يتفق حولها كل الناس، لا يقبلون حولها جدالاً، أي ليست محل نقاش، الكل مسلم بها.

إذا ما أسقطنا أيِّ مُقاربة لواقعنا المعاش في السودان منذ القرن الماضي وربما ما قبله، نجد أننا ليس لدينا أيِّ أرضية مُشتركة في كَثيرٍ من القضايا، نحب الاختلاف ونبحث عنه بأشكاله كافّة.

في دُول العالم وحتى البلدان التي من حَولنا نسمع بكثيرٍ من القادة، وحينما أقول القادة لا أعني السياسيين وحدهم، بل كل من اكتسب شعبية جماهيرية سواء كَانَ فناناً أو شاعراً أو لاعب كرة أو غيره، في تلك البلدان أمثال هؤلاء يتم الاحتفاء بهم وتكريمهم، وجعلهم رُمُوزاً وطنية، يَنهل منهم كُلّ جيلٍ عن آخر، وحتى بعد وفاتهم تظل سيرتهم مُتَداولة من خلال ما يُؤرِّخ لهم، وهناك نماذج كَثيرة من حولنا.

لكن للأسف نحن في السودان لا نعرف قيمة الوفاء، والاحتفاء بالمشاهير بمُختلف مُكتسباتهم، في كرة القدم ما أن ظهر اللاعب هيثم مصطفى في ساحة الاعتصام، وإلا وكثير ممن كانوا يُشجِّعونه شتموه وأساءوا إليه.. الراحل محمود عبد العزيز الأسطورة التي لن تتكرّر بعد، حينما ظَهر بجوار الرئيس الأسبق عمر البشير ويربط عصابة حمراء في رأسه، لم يسلم من الإساءة.. الراحل سوار الذهب وصل إلى رتبة المشير، وكان يقوم بعمل طوعي كبيرٍ، حينما ساند نفير نهضة شمال كردفان، نسى الناس كل ماضيه وشتّموه.. من النماذج الحيّة الشاعرة روضة الحاج، كل المُهتمين بالشعر صوّتوا لها في برنامج أمير الشعراء ورفعت اسم السودان عالياً، والكل صفق لها، لكن بمُجرّد تعيينها وزيرة في الحكومة الأخيرة للإنقاذ، انقلب الناس عليها، مُستخدمين كل الأسلحة الصدئة وغيرها والتقليل من دورها.

في السودان ما أن تتقدم الصفوف إلا ويتم البحث عن مكامن الضعف الموجودة لديك، تجد قصصاً لديك منذ أن كُنت يافعاً تلعب بـ(كورة الشراب) في الأزقة، مُـــــروراً بكل مراحلك الدراسية ومن تتقاسم معه الفطور، وغيرها من القصص التي يقصد بها التقليل من الشأن.

هذه الظاهرة في الغالب وراءها الحقد والحسد وقتل الشخصية حتى لا تتقدّم للأمام، وهو مرضٌ معروفٌ في كل الأوساط وعانى منه الكثيرون، الذين كانوا أقرب إلى النجومية في تخصُّصاتهم فصاروا تائهين مغمورين وسط الناس والمُجتمع.

المُؤسف أن السياسة هي التي تُصنِّف الشخص لدى الكثيرين، فأنت كُنت معي في أفكاري فأنت أقرب إليّ ويُمكن أن أصنِّفك بحسب هذا الاعتقاد، والعكس، وهو مفهمومٌ خاطئٌ، يجب أن يكون هناك حَدٌّ أدنى للاتفاق لكي نقدم أشخاصاً للعالم من داخل السودان وليس من خارجه، فكل السودانيين الناجحين والمُحتفى بهم، والمُكرمون أنجزوا أعمالاً وهم في الغُربة، نُريد أن نحتفي بالسودانيين من داخل السودان وتكريمهم وتشجيعهم بعيداً عن الانتماء السِّياسي، من حق كل شخصٍّ أن ينتمي لأيِّ حزب، ولكن ليس من العدل أن نقتل أيِّ شخص مُفكِّر أو صاحب مهارة بسبب لونه السِّياسي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى