قال إن الشعر الغنائي في مرحلة الهبوط الناعم: الشاعر تاج السر أبو العائلة: أم درمان تمثل الماضي والحاضر والفكر والحضارة!!

 

حوار: سراج الدين مصطفى  9 يونيو2022م

في كثير من الحوارات التي أجريتها مع بعض المبدعين المهاجرين .. كنت اسألهم سؤالاً محورياً عن الغربة .. لأني أعرف بأنها تخصم الكثير من المبدع .. ولعلي لم أر في حياتي مبدعاً خصمت منه الغربة مثل الشاعر الكبير (تاج السر أبو العائلة) .. فهو لو كان مُستقراً في السودان  فلن ينافسه أحدٌ أبداً في مجال الشعر بكل تفرعاته .. فهو شاعرٌ رَصِينَ العبارة .. جزل المفردة .. صاحب خيال شعري مفتوح الفضاء .. يمتاز بالرصانة والقدرات العالية على ملامسة الدواخل بأشعار محتشدة بالموسيقى العارمة والصور البديعة .. (الحوش الوسيع) حاورت الشاعر تاج السر أبو العائلة في مهجره بدولة الإمارات المتحدة وخرجت منه بهذه الإفادات:

 

أم درمان هي مدينة الكلاسيكية والحقيبة، كيف في ظل هذا الوضع يُمكن أن يتمرّد المُبدع بخط إبداعي جديد؟

*حُظيت المدينة العربية بمكانة خاصة في الشعر والأدب العربي وكانت مصدراً للإلهام ومكاناً للفخر والاعتزاز.. تغنى الشعراء بعظمة بغداد والأندلس ونكبة دمشق.. وظلت كل المدن تحمل معانٍ رمزية بعيدة الأثر تتجاوز أبعاد المكان .. وأم درمان بالتالي لم تكن بمعزل عن تلك المُدن.. إذ كان لها الحظ الاوفر من الشعر والغناء فهي تمثل الماضي والحاضر والفكر والحضارة وهي الثقافة والأدب.. وهي الغناء والطرب.. وهي الدين والتصوُّف ومُلتقى الأدباء والشعراء والظرفاء.

إذا نظرنا للموضوع من زوايا فلسفية ونظرية، هل يُمكن أن نقول إنّ الشاعر يولد بصرخة ذات جرس وإيقاع موزون ومنتظم؟

الشاعر يولد بصرخة نعم.. أي الموهبة والتي لا يُمكن أن تبرز إلى حيِّز الوجود إلا من خلال صقلها بالمعرفة والاطّلاع  والتماهي مع إيقاعات الحياة حتى تتشكّل وتأخذ بُعدها الإبداعي..

لماذا انحاز تاج السر أبو العائلة لكتابة الشعر الغنائي أكثر من الأنماط الشعرية الأخرى؟

في حقيقة انا لم انحاز إلى الشعر الغنائي ربما تمت المسألة من خلال الصدفة لا أكثر ولا أقل، إذ ان بداياتي كانت مع الشعر العربي الفصيح فكان صدور اول ديوان لي (القمر الشهيد) ، إذ تراوحت قصائده بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة والشعر النثري.. استهواني الشعر الغنائي آنذاك لما له من قبول وسط شرائح المجتمع فكتبت أولى قصائدي في بداية هجرتي إلى الإمارات.

*الشعر الغنائي في السودان كيف هو حاله الآن وكيف تُقيِّم مستوياته؟

الشعر الغنائي في مرحلة الهبوط الناعم.. الشعر الغنائي وصل مستوىً من الهبوط لغياب المؤسسية.. زمان كانت هنالك لجنة اصوات ولجنة نصوص.. ولجنة ألحان..  ولا يمكن لكل من هبّ ودبّ أن يصل إلى الناس إلا من خلال هذه القنوات.. والآن مع هذا الفضاء المفتوح  أصبحنا نرى مئات المُدعين يكتبون ما يسمونه شعراً ويقومون بتلحينه دون دِربة أو دِراية ومن ثَمّ يغنونه.. وتذهب كل تلك المراحل أدراج الرياح.. إذ تولد الأغنية ميتة تماماً.

*هل يوجد شعرٌ وشعراءٌ في الوقت الراهن؟

صحيحٌ لا يمكن أن نتغافل عن وجود شعراء ممتازين من أبناء هذا الجيل .. نأمل أن يجدون  حظهم في الوصول إلى آذان المستمعين.. وأن تسنى لهم ليجدوا ملحنين افذاذا امثال برعي وبشير عباس وحسن بابكر ومحمد سراج الدين وغيرهم.

هل اختارك الشعر أم اخترته، وهل يحق للإنسان أن يختار الشعر كصفة مميزة لشخصيته؟

الشعر لا يختار أحداً.. هنالك شعراء كثر يطرقون أبواب الشعر.. صنعة لبوسا فيلبي لهم النداء وأحياناً يتأبى.. وهنالك على العكس تماماً من يطرق الشعر أبوابهم.. فتنداح القصائد كسلسال عذب.. وينفذ الى الوجدان بلا استئذان ويخلد في الأسماع وهنا يكمن الفرق.

برأيك لماذا ظلت حتى الآن مدرسة الحقيبة الكتابية تلقي بظلالها على الراهن الشعري الغنائي؟

شعر الحقيبة مازال يحتفظ برونقه وأصالته وصدقه وحيويته لأنه كُتب بالفطرة السليمة وفي أزمنة خلت فيه الحياة من كل تعقيدات العصر.. فظلّت مرآة مجلوة نرى فيها كل ما نفتقده الآن  من عنفوان الحياة وبهجتها وحيويته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى