الخبير القانوني د. عبد الوهاب محمد الحسن لـ(الصيحة) (2-2)

لا أعتقد أن (العسكري) أعطى تعليمات بفض الاعتصام بالقتل

مُلابسات فض الاعتصام تُشير إلى ارتكاب جرائم ولكن (…)!!

لا يمكن سن  قانونٍ اليوم لتُحاكِم به البشير بأثر رجعي

وضع المتاريس على الطرقات يُعد جريمة في القانون الجنائي

أي تحقيق دولي يُقلل من سيادة الدولة مرفوض

لهذا السبب (….) الحديث عن الدولة العميقة غير (مخيف)

 أبداً لم نسمع بتجمّع سلمي يجلس لشهرين أو ثلاثة أشهر

ليس هناك ما يُسمى بـ(الاعتصام) في حقوق الإنسان

لنا رأي واضح في الجنائية الدولية والسودان ليس عضواً فيها

حاوره: صلاح مختار

تصوير: محمد نور محكر

تناولت الوسائط، أن مجموعة من القانونيين قدموا مذكرة للمجلس العسكري طالبت فيه بوقف التفاوض الثنائي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، على أن يشمل التفاوض كل مكونات الشعب السوداني, ورغم أن الدعوة تعبر عن فئة معينة، إلا أن المطالبة بشمولية التفاوض حول ترتيبات الفترة الانتقالية كانت من كل القوى السياسية.

 ويبدو أن تلك القوى استشعرت خطورة انفراد فئة معينة بعملية تشكيل الواقع السياسي في المستقبل, لذا بدأت في الضغط على المجلس العسكري وإظهار وجودها على أرض الواقع لتقول: نحن هنا، ولابد أن تشملها الترتيبات الأمنية.

ولكن في منحى قانوني، يرى الخبير القانوني، د. عبد الوهاب محمد الحسن في حوار مع (الصيحة) أن الحق في إدارة الشان الداخلي للدولة، لابد أن يكون عن طريق صناديق الاقتراع، وقال: ليس هناك أي حق قانوني سوى الحق الذي تمنحه الانتخابات.

 وفي متن الحوار، نجد أن الخبير القانوني لديه رأي واضح حول الاعتصام والعصيان والمتاريس وغيرها من الأدوار الخاصة بالمجلس العسكري، فماذا قال في الحوار..

*ولكن من أين تستمد الحكومة الانتقالية تشريعاتها وقوانينها، لابد أن تكون هنالك قوانين؟

  –  لديك أصلاً قوانين موجودة، والذي يهمّك خلال الفترة الانتقالية كلها متعلقة بالانتخابات مثل قانون الانتخابات وقانون الاحزاب، وإعلان قوائم الناخبين والطعن، كلها متعلقة بالانتخابات أن تكون بالتوافق, لأنه في النهاية تريد أن تقود ذلك إلى الشفافية، ويتوافق عليها الناس، بجانب ذلك من المهم الاستعانة بالخبرات من المجتمع الدولي, والاتحاد الأفريقي والأروبي, بحيث في النهاية يصبح صندوق الانتخابات شفافاً، والنتيجة تكون مقنعة للناس وللمشرعين، وهم الذين تقوم عليهم الحكومة، ثم بعد ذلك يضعون الجمعية التشريعية ويضعون دستوراً وعرضه على الشعب حتى يصوّت عليه في استفتاء عام، والدستور هو الذي يُحدد هل يُحكم السودان بنظام جمهوري أو برلماني.

*هل يمكن أن تتم محاكمات بأثر رجعي؟

 – إذا أردنا محاكمة رموز النظام السابق، هناك قوانين موجودة، بالتالي لا يمكن أن تعمل قانوناً اليوم لكي تُحاكم به بأثر رجعي. بالتالي فإن القوانين كلها خلال الفترة الانتقالية تكون كما هي فقط، ولا يتم تعديل أي قانون. فلا يمكن سن  قانون اليوم لتحاكم به البشير بأثر رجعي، هذا مستحيل. بالتالي يمكن محاكمته بالقوانين الموجودة.

 الأمر الآخر، لا أن الفترة الانتقالية من جهة عندها الحق أن تحاكم أو ، هي فترة انتقالية فقط بمهام محددة.

*  ليس لديهم الحق أم ليس لديهم الشرعية في المحاكمة؟

– من المفروض أن يكون الحق عند السلطة المنتخبة، أما الذين ينتخبون على حسب الفترة المتفق عليها هم الذين يقومون بمحاكمة رموز النظام السابق، وهم الذين يقومون بهذه المهمة هذه خلال الفترة الانتقالية، المهم إدارة الدولة حتى قيام الانتخابات كي يأتي المنتخبون لإدارة الدولة ولا أحد بعد ذلك يقول هؤلاء ما عندهم الحق.

 *ولكن هل هناك مشكلة في سلطة القبض؟

 – لا ليست هناك مشكلة في القبض والتحقيق والتحري وغيره، ولكن أنا أعتقد أن الذي الذي يصدر القرار بأن هذا يتحاكم أو لا يتحاكم مفروض تكون سلطة وجهة منتخبة.

*  يقال إن هنالك عجلة الآن في تقديم رموز الإنقاذ  للمحاكمات بل الرأي العام يستعجل المجلس العسكري في ذلك الاتجاه؟

– المحاكم لا يجب أن تكون حاجزاً لنا، الآن في محاكمة فلان أو علان والجريمة لا تسقط بالتقادم، ولِم العجلة بعد سنة ما هي المشكلة، بالإضافة إلى أنت وضعت رموز النظام السابق في السجون. بعد ذلك تأتي جهة تدير البلد، لذلك عليهم تجهيز الملفات للذين يديرون البلد ليتولوا هذه المهمة. ولابد من التركيز على المرور من الفترة الانتقالية إلى صندوق الانتخابات. أنا شخصيا أحترم الذي يحتكم إلى صناديق الانتخابات، ولكن أستغرب للذين يقولون ما عاوزين انتخابات كيف تريد أن تحكم، وهي الشرعية الوحيدة التي تسندها الاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان.

* هناك تخوّف عند الحديث عن الانتخابات من التزوير؟

– الحديث عن تزوير الانتخابات لا يمكن أن يصبح حاجزًا  للناس، يمكن أن نأتي بالرقابة الدولية من الأمم المتحدة وكل الجهات المحايدة لترتيب الانتخابات حتى نختار الحاكم بحرية وتنتفي قصة التزوير.

* ولكن مصدر التخوف هنا وجود الدولة العميقة؟

– الحديث عن الدولة العميقة ليس مصدراً للخوف، لسبب بسيط، أنت تتحدث أن لديك وزناً في الشارع, ولديك القدرة في تحريكه وجمعه في أي وقت, بالتالي ينتفي معه الحديث عن الدولة العميقة، ولذلك ليس هناك مقياس للدولة العميقة أو لقوتك في الشارع، بالتالي المقياس لقوة الأحزاب والتنظيمات السياسية، هو صندوق الاقتراع. العالم كله ارتضى هذا المعيار، بالتالي لا يمكن أن نضع معياراً وحدنا, كذلك المعيار هذا ملزم وليس هناك خيار لأنه مكتوب في الاتفاقيات الدولية الملزمة لك بأن صندوق الانتخابات هو الحكم. ولعلمك أن اتفاقيات حقوق الإنسان تقنين لقواعد آمرة في القانون الدولي وليست مسالة مزاج لأي دولة تنضم أم ترفض.

* مطالبة البعض أن تتم محاكمات لرموز النظام السابق خارج السودان، إلى أي مدى قانونية ذلك؟

–  رأينا واضح في المحكمة الجنائية الدولية، نعتقد أن السودان ليس طرفاً في اتفاقية روما، ولم  يصادق عليها والإحالة التي تمت حتى للأشخاص الذين وُجّهت لهم من النظام السابق تمت من مجلس الأمن بموجب المادة (13ب)، هذه الإحالة في رإينا غير قانونية، لأن الذي أعطى السلطة لمجلس الأمن أن يحيل، هم الذين وقعوا اتفاقية روما. والقانون الدولي يقول أي دولة لم تنضم للاتفاقية بكامل حريتها لا تلزم بأحكامها، بمعنى أنك لا تستطيع أن تفرض على الاتفاقية عدا الاتفاقيات التي تعتبر عرفاً دولياً مثل حقوق الإنسان.

هناك بند في القانون الدولي مثل حرية الإرادة والعقد شريعة المتعاقدين، وهناك قاعدة تقول إن أي اتفاقية تتعارض مع هذه القواعد تُعد باطلة. ولو السودان كان جاداً كان يمكن إلغاء هذه المحكمة.

* كيف يتم ذلك، والسودان غير مصادق على الجنائية؟

– ذلك أن يتقدم السودان بشكوى لمحكمة العدل الدولية ضد الدول التي وقعت الاتفاقية والتي بسببها مجلس الأمن أحال السودان للجنائية دون وجه حق أو كمن لا يملك لمن لا يستحق. المنظمات الدولية لا تملك نفس الشخصيات الاعتبارية التي تملكها الدولة، هي فقط الشخصية الوظيفية في القانون الدولي، أي شخصية في الأغراض التي أنشئت من أجلها. كذلك أحد مبادئ القانون الدولي حرية الإرادة. السودان ليس بإرادته انضم إلى الاتفاقية، تقوم هذه المنظمة التي ليس لديها الصفة الاعتبارية تمنحها لجهة أقل.

* هل ينطبق نفس التعقيد على المطالبين بلجنة تحقيق دولية بشأن فض الاعتصام ومقتل المعتصمين أمام القيادة؟

– التحقيق أدنى من المحاكمة. ولكن يدخلنا في مشكلة كبيرة جداً، والتحقيق أولاً يقلل من سيادة الدولة، من أين تأتي جهة حتى تُحاسب دولة لديها شخصيتها الاعتبارية، الكلام هذا لا يستقيم.

 الأمر الثاني، ميثاق الأمم المتحدة في المادة (2) تقول: ليس من شأن الأمم المتحدة التدخل في المسائل التي من صميم السلطان الداخلي للدول، وقس على ذلك.

* ولكن لماذا الدعوة للتحقيق الدولي؟

– لا أرى مشكلة في استدعاء التحكيم الدولي، الآن هناك لجنة للتحقيق، ولا أظن أنه يأتي شخص ينكر ذلك، وهل قال المجلس العسكري إنه يريد فض الاعتصام بالقوة إلا يكونوا مجانين، ليس هناك عاقل يتصور أن المجلس العسكري أعطى تعليمات بفض الاعتصام بالقتل. قد يحصل مثل هذا قد تعطي تعليمات والذين يقومون بتنفيذها يتصرفون تصرفات قد تكون مخالفة للقانون. كذلك العقوبة في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان لا يمكن معاقبة شخص بجريمة شخص آخر. لابد من تحديد المسؤولية، والذي ارتكب الجرم هو حتى يعاقب، (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وبأي حق أنت تُجرّم المجلس العسكري الانتقالي قبل التحقيق والتحري. ولم يعرف الذي ارتكب الجرائم، وليس لديك دليل على المجلس، وبالتالي يجب انتظار نتائج اللجنة والتوصيات التي تقدمها والحقائق التي تتوصل إليها، والدعوة إلى لجنة تحقيق دولية هو انتقاص من سيادة الدولة، كما قال الصادق المهدي (من فش غبينته خرب مدينته).

*ولكن في النهاية حدث فض الاعتصام بالقوة وقتل البعض؟

– الجرائم التي ارتكبت أثناء فض الاعتصام خاصة القتل منها تعتبر أكبر جريمة، ولكن لابد من عدم الاستعجال وإعطاء الفرصة للجنة التحقيق الوطنية.

*كيف ترى الدعوة للعصيان في ظل ما تبع ذلك من متاريس؟

– أولاً في حقوق الإنسان في العهود الدولية، هناك حق سياسي واحد مهم، هو التجمع السلمي، وهو مجموعة من الأفراد تجمعهم فكرة سياسية معينة، إما يجتمعون للدعوة للفكرة أو الاحتجاج على أي شيء آخر، والتجمع السلمي يمكن في مكان معين، ويتم لساعات، وأقصى حد لها نهار واحد، وأبدًا لم نسمع بتجمّع سلمي يجلس لشهرين أو ثلاثة أشهر أو أربعة، مشكلة الاعتصام يعطل حركة كبرى، ونصف آخر وشوارع رئيسية انعكس على بقية الشوارع الأخرى والسكة، بالإضافة إلى أنهم كانوا يستخدمون مدخل كبري الحديد للدخول إلى ساحة الاعتصام، ما عندنا في حقوق الإنسان حاجة تسمى اعتصاماً وإنما هناك تجمع سلمي.

* كيف تُكيّف الدعوة إلى العصيان من وجهة نظر قانونية؟

– لنا إشكالية مع العصيان، أولاً المتاريس تعوق حركة الناس في الشوارع والمواصلات، تعتبر جريمة في القانون الجنائي السوداني في المادة (72) من القانون الجنائي السوداني، وهي مادة جاءت من قانون العقوبات السوداني الذي يقر منع إعاقة حركة المواصلات البرية والجوية البحرية، وأي شخص يقوم بذلك يعتبر قد ارتكب جريمة. نفس الحكاية، التوقف عن العمل وأداء الخدمات العامة، بحيث تسبب أضراراً أو خسائر، وحتى النص الجديد يقول يحتمل أن يتوسع نطاق الجريمة ويوسع من نطاق الأشخاص الذين يرتكبون الجريمة، بالتالي التوقف عن العمل ما يُطلق عليه اصطلاحاً بالإضراب أو العصيان يشكل في معظم الأحيان جريمة، وبالتالي في القانون الدولي ما في حق حقيقي سياسي لجمع الناس، هو حق التجمع السلمي، وإذا قرأت النص في العهد الدولي لحقوق الإنسان فيه قيود كثيرة أن يكون في مجتمع ديمقراطي، وطبقاً للقانون، وما يؤثر على حرية الآخرين ولا تسبب ضرراً للآخرين والنص مليء بالقيود لتحقيق التجمع السلمي. هناك في لندن لم يسمح لاعتصام مواطنين على جسر (وترلو) وفض الاعتصام، وذلك في مجتمع ديمقراطي، فما بالك في السودان يتهاون في هذه المسألة وهذا لا يعني إذا شخص ارتكب جريمة تقتله، وأنا لا أوافق عليها، يمكن تطبيق عقوبة السجن في حالة المتاريس أو التوقف عن العمل.

 *هل من حق الناس رفع دعاوى بشان المتاريس؟

–   هذه متروكة لتقديرات الناس أن يطالبوا بتعويض، ولكن في حدود القانون ودون تجاوز لذلك دون إفراط، أقصى حاجة إلقاء القبض والمحاكمة، وليس القتل أو إسراف في استخدام القوة، لكن كون المتاريس تشكل جريمة، هي تشكل جريمة، والاعتصام في مكان محدد يؤدي إلى إغلاق الطرق أو الممارسات غير الصحيحة تشكل جريمة، المشكلة في معالجة الجريمة دون أن تترتب عليها أضرار كبيرة، مثلما حصل في فض اعتصام القيادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى