أمين عام اتحاد الغرف الصناعية  في حوار مع (الصيحة)

 

أشرف صلاح محمد : 24%  من المصانع متوقفة من إجمالي  المصانع السودانية

الصناعة تحولت إلى مهنة طاردة

شبه انهيار كامل حدث لقطاعات النسيج والجلود

الحكومة ما زالت تتعامل بالعقلية الجبائية مع القطاع الصناعي

الرسوم والضرائب عائق أساسي لنهضة القطاع

ضريبة رسم الإنتاج بدعة سوف نناهضها

نتلمس آثار الإصلاحات الاقتصادية لإزالة التشوهات

شهد  تاريخ الصناعة السودانية فترة مظلمة دفعت به في أتون الإهمال وتدهور البنى التحتية واندثار غالبية الصناعات والأنشطة المتعلقة بها، وفي الوقت نفسه  يواجه القطاع المزيد من العراقيل المتمثلة في الرسوم والجبايات المفروضة والتي أدت إلى توقف عدد كبير من المصانع عن العمل لأسباب مختلفة منها الخاص بأصحابها والمتعلق بالسياسات الحكومية

مما أدى الى ارتفاع تكلفة الإنتاج للمنتج المحلي في ظل منافسة جائرة من المنتجات المستوردة

وعقب ثورة ديسمبر المجيدة يستشرف قادة القطاع الصناعي مستقبلاً أفضل للصناعة السودانية المحلية عقب الانفتاح على المجتمع الدولى.

ولإلقاء المزيد من الضوء على قضايا الراهن الصناعي، التقينا الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية والذي استقبلنا بحفاوة وترحيب كبيرين رغم انشغاله بترتيبات أخرى للتفاكر حول أهم القضايا التي تؤرق الصناعة والصناعيين.

حوار: رشا التوم

ـ لتكن  البداية  بنظرة  شاملة  للوضع الصناعي الراهن ؟

في الحقيقة ورثت الصناعة المحلية تركة مثقلة من المشكلات  والعوائق والتعقيدات عن النظام البائد شأنها  في ذلك شأن القطاعات الاقتصادية الأخرى مع تفاقم أزمات الصناعة

وبالتأكيد كان من المأمول أن تقطف الصناعة ثمار التغيير الذي رفع شعار الإنتاج  ثم الإنتاج كمخرج وحيد لأزمات الاقتصاد السوداني.

ونذكر في ذلك قول السيد رئيس مجلس الوزراء الشهيرة عند تسلمه  مقاليد منصبه بأن أول ما نبدأ به في الجانب الاقتصادي هو تحويل صادرات السودان من المواد الخام الى المواد المصنعة أو شبه المصنعة وذلك لتعظيم القيمة المضافة للصادرات السودانية ولكن بالنظر إلى وضع القطاع الصناعي الراهن  نجده مع الأسف الشديد محلك سر، وما زالت الدولة تتعامل مع القطاع  بنفس العقلية الجبائية السابقة مع العجز في توفير ما يليها من مهام في إزالة المعيقات  التي تعتري الصناعة من حيث كثافة الرسوم والمنافسة الجائرة من السلع المستوردة وشح الطاقة بشقيها الكهرباء والوقود مع ارتفاع أسعارها

وصولًا الى اهتراء البنية التحتية خاصة في المناطق الصناعية، وعدم توفر التمويل اللازم والتضخم الجامح خلال العامين  السابقين وأثره السالب في ارتفاع الأسعار وركود السلع  المنتجة محلياً

ولكننا أيضًا على يقين كامل بأننا نستشرف مستقبلًا أفضل وباهرًا للصناعة الوطنية ونأمل أن تكون الفترات القادمة على  المدى المنظور بداية للنهضة الصناعية السودانية المأمولة.

وحقيقة لا نقول هذا الكلام فقط من باب التمني ولكننا بدأنا  نتلمس آثار الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها الدولة مؤخراً، والتي قال عنها وزير المالية إنها جراحة مؤلمة يجب أن يتحملها الجميع لإزالة التشوهات التي أقعدت الاقتصاد السوداني عقوداً من  الزمن، ووصولاً  إلى  غد أفضل، ونحن متفائلون  لاسيما بعد أن أصبح الاقتصاد السوداني جزءًا من  الاقتصاد العالمي.

ونأمل من الدولة  أداء  دورها كاملًا في توفير المعينات الضرورية للنهوض بهذا القطاع الهام والحيوي، وأستشهد هنا  بقول رئيس مجلس الوزراء بأن هناك ضوءا في آخر النفق.

ـ ماهي حقيقة المصانع المتوقفة عن العمل؟

آخر إحصائية  تشير إلى أن 24%  من المصانع متوقفة عن العمل من إجمالي  المصانع العاملة في السودان.

ولكن بغض النظر عن ذلك، فإن مساهمة القطاع الصناعي  بنسبة تتراوح  بين 5 -6% من الناتج  المحلي الإجمالي،  وهي أكبر دليل على تدهور دور القطاع  الصناعي.

والعبرة ليست بالعدد العامل أو المتوقف من المصانع  وإنما بحجم الإنتاج، وهناك مصانع  مع الأسف تعمل بطاقة من 10-20%  من طاقتها  فما هو الفرق بينها وبين المصانع المتوقفة؟

ـ ولكن وزير الصناعة حمل مسوؤلية توقف تلك المصانع  لأصحابها بصورة كاملة؟

حديث وزير الصناعة حول المصانع نظرياً صحيح، فجزء من المصانع توقف بأسباب تتعلق بملاكها، وهي أسباب موضوعية لا علاقه لها مباشرة بالدولة  ولكن الصحيح أيضًا أن الدولة  وطوال عقود سابقة حولت الصناعة إلى مهنة طاردة، وهنا يكمن الدور غير المباشر للدولة  في توقف هذه المصانع وجعل غالبيتها تعمل بأقل من طاقتها.

ووزير الصناعة يعلم بأنه في الاقتصاد أن الأرباح وسلاسة العمل هي التي تجذب المستثمر لأي قطاع من القطاعات.

والصناعة في السودان حقيقة هي الأكثر صعوبة  وتعقيداً ومخاطرة والأقل ربحاً ولذلك أرى أن حديث وزير الصناعة نظرياً صحيح، لكنه أغفل مسؤولية الحكومة في توقف هذه المصانع.

ـ هنالك شكاوى من تعدد الرسوم والضرائب المفروضة؟

بالنسبة للرسوم المفروضة على الصناعة في تقديرنا تمثل عائقاً أساسياً في نهضة الصناعة من جهة، وفي نفس الوقت تحرم  المواطن البسيط من وصول سلع صنعت في السودان بأسعار مناسبة.

ونحن مع فرض الرسوم والضرائب، ولكن  في الوقت نفسه يجب أن يكون الرسم مقابل خدمة مكافئة له، وثانيًا  نحن نعتبر أداء الضريبة واجباً علينا وحقاً للدولة والمواطن،  شريطة عدالتها ومعقوليتها بالذات بالنسبة للقطاع الصناعي، وفي هذا الصدد نحن نعيب على حكومة فترة الانتقال ومنذ مجيئها بدلاً من تقليل الرسوم على القطاع الصناعي عملت بعقلية النظام البائد، وابتدعت ضريبة جديدة  للعديد من السلع الصناعية المحلية وهي ضريبة (رسم الإنتاج)  والتي ظللنا نناهضها  حتى الآن، وهي ضريبة استحدثت إثر إجازة  ميزانية 2021م  وحقيقة موقفنا منها ثابت ونطالب بإلغائها أو على الأقل تجميدها وإخضاعها للدراسة  ونطالب  بتعديل ضريبة القيمة المضافة  لمدخلات  الصناعة المحلية من 17% إلى 5% كحد أقصى  لا سيما بعد تحرير الدولار الجمركي،

فهل يستقيم عقلًا أن تكون ضريبة القيمة المضافة  للكريمات ومستحضرات التجميل مثلًا والسلع الكمالية المختلفة مساوية لمدخلات الإنتاج الصناعي وكلاهما يدفع 17%.

ــ ذكرت إلغاء الدولار الجمركي ما هي الآثار المترتبة عليه؟

كما ذكرت سابقاً نحن مع الإصلاح الاقتصادي  كخيار كان لابد منه اختطته الدولة لإزالة التشوهات ووضع  الاقتصاد في المسار الصحيح، بل كنا من أوائل المطالبين  بهذا الإصلاح والداعمين له

وإلغاء  الدولار الجمركي كان من أبرز محطات الإصلاح الاقتصادي،  وأبرز مطلوباته، وبالرغم من  الآثار الصعبة التي أصابت العديد من القطاعات  وعلى مستوى القطاع  الصناعي أصبنا في مدخلات الإنتاج  وتحديداً تصاعد القيمة الجمركية النهائية لمدخلات الإنتاج الصناعي، ونخص في هذا الجانب ضريبة القيمة المضافة والتي نأمل من وزارة  المالية إيجاد معالجات لها  لتخفيض قيمتها على القطاع الصناعي من 17 إلى 5%  وهذا إجمالًا الأثر السلبي الذي أصاب الصناعة  نتيجة إلغاء الدولار الجمركي واعتماد الدولار الحر في تقييم السلع الواردة.

ولكن هناك أثر إيجابي يتمثل في التخفيف من حدة المنافسة الجائرة من السلع المستوردة  المصنعة والتي تشكل منافسة للسلع المصنعة محلياً مما يشكل حافزاً مهماً لتطوير الصناعات القائمة  بل  تحفز  قيام صناعات  جديدة لسلع جديدة واستقطاب للاستثمار الأجنبي والمحلي  في المجال الصناعي وأيضاً من الآثار الإيجابية  ارتفاع إيرادات الدولة مما يحسن من الميزان التجاري ويحد من آفة التضخم.

إضافة إلى زيادة موارد الدولة من موارد حقيقة من الممكن أن يجعلها تساهم في دعم الإنتاج مباشرة أو من خلال تقليل الرسوم على القطاعات المنتجة زراعية كانت أو صناعية.

ـ عقب الانفتاح على المجتمع الدولي ما هي رؤيتكم للنهوض  بالقطاع؟

بالتأكيد يمثل الانفتاح على المجتمع الدولي أثراً إيجابياً كبيراً جداً على الاقتصاد عامة  والصناعة  والزراعة  والقطاعات  الإنتاجية على وجه الخصوص أصبح في الإمكان توفير التمويل والتكنولوجيا والتدريب والتبادل السلس واستقطاب الاستثمار الأجنبي وهي مكاسب يجنيها الاقتصاد السوداني وتنعكس آثارها على معاش الناس.

ــ ماذا عن الشراكة ما بين القطاع العام والخاص؟

حقيقة تم إصدار قانون بهذا الخصوص،  وهو قانون جيد إذا تم تفعيله بطريقه مناسبة وشفافة وسيصبح  المدخل الأساسي للاستثمار  في البنيات التحتية التي تحتاج إلى رساميل  ضخمة واستثمار أجنبي ومساهمة  رأس  المال المحلي،  وفي نفس الوقت في تقديرنا وجود الدولة في بعض القطاعات الاقتصادية الأساسية هو وجود هام للغاية بالرغم من انتهاج الدولة لسياسة  الاقتصاد الحر، ولكن يظل دورها  مطلوباً وضرورياً في هذه المرحلة.

ـ توقفت قطاعات حيوية مثل النسيج والجلود هل ينفض الغبار عنها؟

حقيقة هذه  أكثر القطاعات التي تعرضت إلى شبه انهيار كامل بالرغم من أهميتها في الفترة السابقة، ولكن أعتقد جازماً ستعود إلى سابق عهدها  لقيادة القطاع الصناعي في القريب العاجل لاسيما صناعة الغزل والنسيج بعد ازدهار زراعة الأقطان مجددًا  والقيمة المضافة المهولة ما بين تصدير القطن خاماً وعلى شكل غزول أو مصنع كمنتج نهائي.

وبالنسبة للجلود (هذا الذهب المهدر) اتجهت  الدولة لتصدير اللحوم بدلاً عن  المواشي الحية، وهذ الأمر يساعد في النهضة بهذا القطاع  ونتوقع أن يشهد هذين القطاعين ازدهاراً في الفترة القصيرة المقبلة والعودة لقيادة القطاع الصناعي عموماً.

ـ أبرز المشكلات  التي واجهتك عقب توليك  المنصب؟

نحن لجنة تسيير لقيادة اتحاد الغرف الصناعية تضم مجموعة من الشباب من الجيل الرابع للصناعيين السودانيين ممتلئين بالحماس لإنجاز هذا التكليف لخدمة القطاع الصناعي وصولًا إلى تسليم مقاليد الاتحاد إلى قيادة جديدة  منتخبة.

وفي البداية واجهتنا صعوبة تتمثل في غياب  الخبرة عن معظم أعضاء لجنة التسيير في إدارة صرح شامخ كاتحاد الغرف الصناعية.

وثلاثون عاماً من الإقصاء الذي مارسته حكومة الإنقاذ  ليست بالفترة القصيرة، ولكننا أيضاً وجدنا في المدير التنفيذي السابق للاتحاد المرحوم د. الفاتح القرشي  خير معين واستطعنا تجاوز  البدايات وحققنا الكثير من الإنجازات على مستوى إدارة الاتحاد والمبادرات المجتمعية ودعم ثورة  ديسمبر المجيدة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى