(الصيحة) كانت معهم المغتربون بجدة.. نزيف من المعاناة والضياع


أصحاب وجعة: خطر الإقامات المطوِّفة يلاحقنا ولا جهة تساعد
مسؤول بالجالية: القنصلية تعمل بأسلوب “فرِّق تَسُد” وهذه النتيجة (…)
هناك فساد كبير في أموال الجاليات الفرعية
القنصل: (الهدد) من أكثر المشاكل التي أثَّرت في إقامة السودانيين
كل أموال القنصلية خاضعة للمراجعة على “داير مليم”
مكين.. أقر بوجود تحديات وإشكاليات في الجاليات ولكن!
——————
جدة: انتصار فضل الله
أوضاع مذرية يعيشها المغتربون السودانيون بالمنطقة الغربية في المملكة العربية السعودية، وشكا بعض أبناء الجالية بمدينة جدة من ارتفاع رسوم امتحانات الشهادة السودانية وعدم وجود مراكز متخصصة للطلاب الجالسين، إضافة لارتفاع تكلفة تجديد واستخراج الجواز السوداني مقارنة مع غيره من الدول الأخرى.
وتحدث بعضهم في هذا التحقيق، عن عدم تجاوب القنصلية في جدة مع الحالات الإنسانية وعن سؤ المعاملة، وكشفوا عن نسبة كبيرة من المغتربين إقاماتهم مطوِّفة، وأبناؤهم فاقد تربوي ويعيشون أوضاعاً اقتصادية ومعيشية سيئة بسبب الضريبة المفروضة عليهم وقلة رواتب البعض، في ظل إحجام القنصلية عن تقديم أي عون .
فيما كشف مسؤولون بالجالية، عن تجاوزات مالية كبيرة جداً تورَّطت فيها القنصلية والتصرُّف في الأموال المستقطعة من الجالية، وأشاروا إلى التلاعب في مبالغ ضخمة كانت محدَّدة لدعم الجيش السوداني تستقطع بواقع 100 ريال، في الشهر، منذ ما قبل انفصال الجنوب وغيرها من المخالفات.
وقال المتحدثون إنهم يعانون أشد المعاناة بسبب التعامل القاسي من الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج، مكين حامد تيراب، واتضح من خلال جلوسنا مع أصحاب “الوجعة” وجود مشاكل وخلافات قديمة لم تحل، بدورهم نفى المسؤولون خلال حديثهم كل الاتهامات وأكدوا أدوارهم في معالجة مشاكل المغتربين.
قلة حيلة
وفقاً لمقابلات أجرتها (الصيحة) مع سودانيين بجدة، يزيد عدد الجالية في المنطقة الغربية عن 2000 سوداني، يحيط بالكثير منهم خطر الإقامات المطوِّفة (المنتهية) وعليهم مبالغ مالية ضخمة إذا لم تسدد، يستعصى عليهم العودة إلى الوطن، وآخرين يكابدون من أجل الحياة وتوفير لقمة العيش، وهناك من يعاني قلة الغذاء ويعيش العطالة ويخشى العودة إلى السودان بسبب الغرامات ولقلة فرص العمل وتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والسيولة الأمنية.
يقول “م،ع” قضى عشرين عاماً، في جدة لـ(الصيحة)، لا توجد جهة مسؤولة تتفقد أحوال المغتربين وتقدم المساعدات لهم، فحجم المعاناة كبير جداً ولا يمكن توقعه، فهناك الكثير خلف قضبان السجون لأسباب ما، مناشداً القنصلية بجدة التعاون معهم وتفقد أوضاع رعاياها خاصة المساجين وتقديم الدعم والعون اللازم.
اتفقت “خ ، أ” مع “م” في الرأي ووجهت صوت لوم للمسؤولين بالجالية والقنصلية في المنطقة ووصفتهم بالتقصير والاهتمام بقضاياهم الخاصة، وتجاهل أوضاع المرضى والمحتاجين، ودعت إلى العمل على توفيق أوضاع المغتربين ودعم الذين يعيشون أوضاعاً قاسية حتى يشعرون بالأمان، ولفتت خلال إفادة لـ(الصيحة) إلى تفشي حالات الطلاق بنسب كبير وسطهم.
تقاطعات وخلافات
بالرجوع للمسؤولين في الجالية اتضح لنا وجود تقاطعات بين عمل الجالية والقنصلية التي قالوا إنها تصرَّفت في أموال ليست من حقها.
وكشف نائب رئيس الجالية السودانية أحمد الدالي، عن إشكالية كبيرة جداً بين المغتربين والقنصلية التي تعمل بسياسة “فرِّق تَسُد”، وقال: حتى تستولى القنصلية على مال الجالية أصبحت تحارب فيها، وهي تقف سداً منيعاً أمام دعم الجالية لتصبح هي المتصرِّف الأول والأخير في الأموال .
واتهم الدالي القنصلية بعدم إيصال دعم الزكاة وغيره إلى مستحقيه، مشيراً إلى عدم وجود تعامل بينهم والقنصلية، وأشار إلى موقوفين بالشهور داخل السجون غير قادرين على السفر جراء عدم تعاون القنصلية.
سبب الأزمة
فيما أوضح رئيس مجلس الجالية حاتم سر الختم، بأن عدم وجود مقر ثابت للجالية وعدم تخصيص مكتب لها في مباني القنصلية حتى اليوم من أسباب الأزمة التي تواجه المغتربين، الأمر الذي حدَّ من قدراتهم على تقديم الخدمات للمحتاجين، إضافة إلى عدم إمكانهم في التصرُّف في أموال الجالية التي تسيطر عليها القنصلية.
ضغوط مالية
وقال رئيس المجلس: لم تستلم الجالية “ولا هللة” من القنصلية منذ العام 2007م, بالتالي أصبحت الضغوط المالية كبيرة على المغتربين، مشيراً إلى وجود فساد كبير في أموال الجاليات الفرعية وتصرف القنصلية في مال الجيش والجالية المقدَّر بالمليارات، كاشفاً عن تحركاتهم مع جهات في الدولة لهذا الخصوص، قاطعاً بأن مال الجيش أصبح تحت تصرُّف القنصلية منذ العام 2019 .
وقال: إن العلاقة بينهم وجهاز المغتربين متوقفة تماماً بسبب رئيسه الذي كانت بدايته خاطئة وسعى جاهداً لحل الجالية وهو لا يعلم أن لا سلطة له في ذلك وأن الجالية لا تستطيع حتى حكومة السودان حلها وإنما تحل بواسطة جمعية عمومية فقط.
وشدَّد على ضرورة التحقيق في الأموال التي تتصرَّف فيها القنصلية دون وجه حق، فيما دعا المستشار القانوني عبد الله أحمد الشيخ، رئيس الجاليات بالمنطقة الغربية، إلى مساندة المغتربين الموجودين منذ عدة سنوات، لأنهم بحاجة للدعم، منوِّهاً إلى أن عمل الجالية طوعي ولا تتلقى دعماً من أي جهة.
معالجة مشاكل
برجوعنا إلى القنصلية بجدة، للحديث عن أوضاع المغتربين والرد على الاتهامات المذكورة، تحدث مسؤول قسم شؤون رعاية السودانيين بالقنصلية، عن دور القنصلية في معالجة شكاوى المواطنين كافة بما فيهم الموقوفين داخل السجون، وكشف عن 531 موقوفاً تم حكم 270 منهم، وهناك حوالي 261 في انتظار الحكم.
موضحاً أن هذه آخر إحصائية وردتهم ما قبل التحديث، وهي تتم بصورة ربع سنوية، وأفاد أن حركة الموقوفين مستمرة حيث أنها تزيد وتنقص بصورة يومية .
وقال إنهم بصدد مخاطبة الجهات المختصة لرفدهم بآخر الأرقام، مبيِّناً أن أنواع القضايا تصل إلى 22 قضية مختلفة، أكثرها السرقة والمخدرات، قاطعاً بعدم توفر إحصائية دقيقة لحالات الطلاق، وأكد أن باب القنصلية مفتوح للجميع.
مهام وأدوار
فيما تحدث للصحيفة القنصل العام بالإنابة محمد حسن محمد علي، عن مهام القنصلية ودورها اتجاه رعاياها، كمثال رعاية الأيتام وتأمين وتمثيل المواطن أمام المحاكم في الدولة المضيفة ومعالجة مشاكل المواطنين مع الكلام وغيرها من المهام منها الإشراف على امتحانات الشهادة السودانية وتحويل مكاتبها إلى مراكز جلوس.

وقال القنصل: تستخرج القنصلية سنوياً أكثر من 20 ألف جواز إلكتروني للسودانيين المقيمين بمنطقة التمثيل، إضافة لاستخراج 7819 وثيقة سفر اضطرارية سنوياً، إلى استخراج أكثر من 4 آلاف تأشيرة أجانب لزيارة السودان، مشيراً إلى تعاقد السفارة مع مكتب محاماة في المملكة لمعالجة مشاكل المغتربين مؤكداً نجاحه في معالجة الكثير من القضايا، وأشار إلى قضايا أخرى في طريقها للحل.
مشكلة كبيرة
وقال القنصل: إن مشكلة “الهدد” من أكثر الأشياء التي أثرت في إقامة السودانيين بجدة، إضافة إلى فرض المملكة بعض الرسوم على المقيمين في ظل متوسط دخل السودانيين وعجزهم تحمل ذلك، مما اضطر بعضهم العودة إلى الوطن والبعض الآخر أعاد أبناءه مما خلق نوعاً من الضغوط.
وأشار إلى وجود مكتب للجالية في القنصلية في العام 2014م، مهمته النظر في طلبات الدعم، موضحاً أن القنصلية هي الجهة المخوَّل لها استقطاع الأموال من الجالية استقطاع ثابت يتم عبر إيصالات، قائلاً: كل أموال القنصلية خاضعة للمراجعة الداخلية والخارجية “على داير مليم” ومتوافقة مع القوانين واللوائح، واصفاً حديث الجالية باستلامها دعم مالي في العام 2007م، كآخر مرة بغير صحيح، وقال: الملفات موجودة، مبيِّناً أن رسوم الجواز وامتحان الشهادة إجراء مركزي لا سلطة للقنصلية فيه.
رد الجهاز
فيما يتعلق بدور جهاز المغتربين في تقديم التسهيلات لأبناء السودان في المهجر، أفاد (الصيحة) رئيس الجهاز مكين تيراب، بأن المسألة فيها بعض الإخفاقات التاريخية التراكمية، وقد ألغت بظلالها بعد التغيير، حيث أوجدت عدم ثقة بين المهاجر أو المغترب في الدولة السودانية.
وقال مكين: اعتمد الجهاز ثلاثة محاور أساسية في الرؤية الجديدة، تمثلت في ما قبل الهجرة وأثناء الهجرة وما بعد الهجرة، وهذه أوجدت بعد مراجعة شاملة لكل التحديات التي صاحبت الأربعة عقود الماضية .
حول الخدمات التي يقدِّمها الجهاز للجاليات شرح أن الجاليات تختلف حسب الدول والوجود العمالي، لكنه أشار إلى إشكاليات سابقة بين الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الرسمية، مشيراً إلى التنسيق مع وزارة الخارجية وممثليهم في الخارج لتمكين الجاليات من لعب الدور المنوط بها وتتفهم وضعيتها مع الدولة المضيفة وتتماشى مع الضوابط والأنظمة الموجودة.
ترتيبات للحماية
وتحدث مكين عن ترتيبات من خلال الآلية الوطنية لحماية السودانين بالخارج والوقوف على مشاكلهم وهمومهم والإسهام في إبراز الدور الأمثل لوجود السوداني في أي رقعة موجودين فيها، إضافة إلى دعم السودانيين خاصة الذين يواجهون إشكالات مع الجهات المشغلة.
وأشار إلى إنجاز في هذا الجانب خاصة في السعودية ومعالجة الكثير من القضايا، مؤكداً أن المشاكل التاريخية كبيرة مما يتطلب المزيد من الجهد، وتابع إنهم في إطار اعتماد مفوَّضية المهاجرين السودانيين سوف تتم معالجة كل التحديات السابقة بعد أن تم حصرها وإدراجها بشكل راتب في قانون ورؤى سيكون لها دور في تأهيل الوجود السوداني المهجري في لعب دوره الرائد والمناسب تجاه السودان، وفي المقابل الدولة مطالبة برد المظالم وتغيير النمط القديم لشراكة حقيقية ربحية.
إشكاليات حقيقية
وأقر مكين، بوجود إشكاليات في الجاليات السودانية في الخارج خاصة في منطقة الخليج وفي المملكة العربية السعودية بحكم أنها تضم أكبر وجود سوداني عمالي، وقال: من الصعب إزالة كل التراكمات التي لها أكثر من ٤ عقود في عام أو اثنين، لأن ذلك يتطلب إيجاد قوانين وإيجاد ثقة بين الدولة والمهاجر.
هموم مطلبية

فيما يتعلق باتهام الجالية له بأنه أكبر عائق، رد مكين بالقول: ” أتمنى أن أكون غير ذلك. “لأنه بطبيعته يهتم بقضايا وهموم المؤسسات المطلبية.
مؤكداً دوره في تأسيس جاليات متعافية وشاملة وخدمة حقيقية تعبِّر عن كل السودانيين، أقر بوجود تحدٍ كبير وإشكالية في روح الفريق على مستوى إدارة نفسه نتيجة للسياسات السابقة وتسييس العمل الخدمي والاجتماعي والمطلبي طوال الثلاثين عاماً الماضية .
وأكد اعتمادهم موجيهات عامة حقيقية أرسلت لكل الجاليات في الخارج، مبنية على أسس واضحة في مقدِّمتها أن تكون الجالية خدمية جامعة يتم اختيارها بشكل ديموقراطي غير مسيَّسة، مؤكداً ترحيب الجهاز بأي شخص يتم اختياره من قبل السودانيين لخدمتهم، قاطعاً بأن خيار الجهاز واحد يتمثل في بناء السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى