الوقوع في المصيدة (2)

وزارة العمل: سفرهن إلى لبنان تم خارج اللوائح السودانية

الخارجية السودانية: خاطَبنا الجهات المختصة للإحاطة بالقضية

الجالية السودانية بمصر: هنالك مكاتب وهمية لها علاقة بتجارة البشر

مكتب الاستقدام الخارجي يتهرّب ويرفض الحديث عن القضية

في الجزء الثاني من التحقيق، كشفت وزارة العمل السودانية المسؤولة عن عمل السودانيين بالخارج، عن صلتها بخادمات المنازل السودانيات بلبنان، كما أشار الناطق الرسمي للخارجية السودانية إلى الخطوات التي تمت من جانبهم. كما تحدث لنا رئيس الجالية السودانية بمصر ومكتب للاستقدام الخارجي، وعدد من الدبلوماسيين ذوي صلة بالقضية.

تحوطات:

ولمعرفة الكيفية التي سافرت بها الفتيات السودانيات إلى لبنان، قال وكيل وزارة العمل، صديق بشير محمد عباس، إنهم بعد رجوعهم (للسستم) بمكتب الاستقدام الخارجي، لم يجدوا أسماءهن ضمنه، وزاد بقوله: أؤكد لكم إنهن لم يسافرن عبر وزارة العمل السودانية، وقال إن سفرهن إلى لبنان واضح أنه مرتبط بالسلوك السوداني العام، وقال إن سفر الناس صحيح أنه من الحقوق الدستورية، لكن جزء من السيادة أن أحمي المواطن السوداني، بألا أسمح له بالسفر إلى اماكن غير آمنة مثلاً، أو قد يتعرض فيها للإهانة، مضيفاً: لا يمكن أن أسمح لامرأة في العشرينات بالسفر الى منطقة غير آمنة، ولا يوجد فيها أحد أقاربها. وقال إن من واجب السلطات المختصة قبل منح التأشيرة أن تتحرى بالاتصال بالبلد الذي تنوي الذهاب إليه لمعرفة الشخص الذي ستذهب إليه، مشيراً إلى أنه في هذا العصر يمكن الوصول إلى أي شخص.

إيقاف الاستقدام:

وقال إن المسألة ليست ختم تأشيرة وتحصيل رسوم فقط، ولابد من حماية المواطن السوداني، وذكر أنهم في وزارة العمل في عام 2018 طلبوا منهم الموافقة على ابتعاث كوادر طبية إلى ليبيا، لكنه قال إنهم لن يوافقوا إلا عبر إفادة من وزارة الخارجية تسمح بذلك، وسلمتنا الخارجية تقريراً كاملاً بأنها غير مستقرة وغير آمنة، وتحدثت عن مخاطر أمنية.

وقالت الخارجية إنها غير مسؤولة عن أي سودانيين يعملون في ليبيا، فأصدرنا قراراً بإيقاف الاستقدام بليبيا، وهو مرجع موجود بالوزارة، وسيستمر الإيقاف إلا إذا قالت الخارجية إن الأوضاع بليبيا تحسنت، ويمكن السفر إليها للعمل، وأقر وكيل وزارة العمل بوصول خطاب من الخارجية السودانية يستفسر عن موقف السودانيات بلبنان، مبيناً أن سفرهن قد يكون عبر دول أخرى مصر أو سوريا، ذهبن إليها عن طريق الزيارة.

وحول عمل السودانيات في مهن خادمات المنازل، قال: لا يوجد نص صريح يمنع ذلك لا دستورياً ولا قانونياً، لكنهم يضعون بعض الشروط لعمل السودانيات في وظيفة خادمات منازل مع أنه يمكن أن يسمحوا لأسر سودانية بالاستعانة بخادمة منزل سودانية إن كانت الاسرة مقيمة بالخارج.

وذكر في حديثه لـ (الصيحة) بأنه لا يوجد نص دستوري أو لائحة في قانون العمل تمنع سفر السودانيات للخارج أو العمل كخادمات منازل، لكنهم يضعون بعض الموجهات للحفاظ على حقوق السودانيين كافة..

تهرب ورفض:

وللوصول إلى معلومات مؤكدة عن كيفية سفرهن للبنان، التقت (الصيحة) بمدير عام الاستقدام الخارجي محمد قرشي بصفته المسؤول عن العمل بالخارج، وبالرغم من حديثنا معه وجهاً لوجه، واتصالنا به لأكثر من مرة، قال في بداية الأمر أنهم لا يزالون يتحرون عنهن، وسيتصل بنا حالما يصلوا إلى نتيجة، لكنه رفض الإجابة وطالبنا بخطاب من وزارة العمل يسمح له بالحديث .

تجارة البشر

حسب متابعة الصحيفة لهذه القضية، فقد تبين لها من خلال حديث مصدر بالجالية السودانية بمصر، أن وراء عمل السودانيات كخادمات بلبنان عدد من مكتب الاستقدام ومن بينهم شخص سوداني من أصول مصرية، ظل ينشط عبر الإعلان عن رقمه في وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الفيس بوك لاستقطاب السودانيات للعمل كخادمات بلبنان نظير مبالغ مالية محددة.

وأشار لـ (الصيحة)، عيسى حمدين رئيس الجالية السودانية بمصر إلى وجود شبكات وأحياناً مكاتب وهمية يديرها سودانيون ومصريون وجنوبيون لاستقدام السودانيات للعمل بلبنان ودول أخرى نظير مبالغ كبيرة، وقال إن الأمر مرتبط بتجارة البشر..

تقديرات خاطئة:

وقال لـ (الصيحة ) مصدر دبلوماسي، إن كثيراً من الشباب السودانيين يدخلون لبنان عن طريق سوريا باعتبار أنها محطة إلى أوربا مع أن لبنان بلد صغير ومحدود المساحة ويعتمد في اقتصاده على الخدمات المالية وعلى السياحة، ولا تعد بلد هجرة، محذراً السودانيين من مغبة الذهاب إليها لافتقارها للوظائف التي تناسبهم.

رسالة هامة:

وحول وجود سودانيات عاملات كخدم منازل بلبنان، قال إنهن يتعاقدن كمندوبات مبيعات وعلاقات عامة وكممرضات، وفيهن من تعلم مسبقاً أنها ستعمل كخادمة منزل، مشيراً أن معظمهن يسافرن عبر مصر، لأن وزارة العمل السودانية لا تسمح بعمالة منزلية (رجال ونساء)، وتضع بعض الشروط.

وقال إن الرسالة التي نوجهها للشباب ولأولياء الأمور أن لبنان بلد سياحية وعلاجية، لكنها لا تصلح لتكون بلد عمل، وفيها تجربة متقدمة في مجال التمريض، وليس من المنطق أن تكون في حاجة إلى ممرضات من السودان وقال هل من المعقول أن تبيع (الماء في حارة السقايين)؟

وأشار إلى وصول عدد منهن إلى مقر السفارة، طلباً للحماية من سوء المعاملة اللائي يجدنها في مكان العمل. وقال إن سفارة السودان تقوم الآن بترتيب أمر إرجاعهن للسودان.

وذكر المصدر أن هنالك 200 سودانية يعملن كخادمات منازل بلبنان، ويعانين من أوضاع قاسية، حيث منع بعضهن من الإجازات ومن الوثائق الثبوتية خاصتهن، كما قال إنهن يعملن لساعات طويلة برواتب ضعيفة.

وقال المصدر إنه وفي خلال أسبوع واحد فقط وصلت أربع سودانيات إلى السفارة، ووصل عددهن إلى عشرة خلال الأيام الماضية، وقدمن شكاوى من سوء معاملتهن وأنهن تعرضن للخداع.

تحايل:

صاحب وكالة سفر، قال إن بعض المكاتب كانت تفتح فرصاً للعمل بلبنان لوظائف وهمية، لأن مكتب الاستقدام الخارجي يتشدد في الموافقة على مهن خادمات المنازل فكان يتم الاتفاق معهن بالسفر إلى القاهرة أولاً ومن ثم التوجه إلى لبنان، وأضاف في حديثه لـ(الصيحة) أن تلك المكاتب نقلت أعمالها إلى القاهرة بعد أن أصبحت مراقبة من الأجهزة الأمنية، وأصبحت الآن تدير عملها من هنالك.

وقال: حينما كانوا في السودان كانوا يقولون إن لبنان محتاجة إلى وظائف نسائية للعلاقات العامة ومندوبات مبيعات وممرضات، مع أن لبنان متقدمة في مجال التمريض، ولا تحتاج إلى ممرضات سودانيات..

وأضاف أن كثيراً من النساء السودانيات يعرفن مسبقًا بالوظيفة، لكن يبدو أنهن لم يجدن العائد المجزي، أو تمت معاملتهن معاملة غير كريمة، وكلنا يعرف كرامة السوداني وعدم قبوله الإهانة.

أجور ضعيفة

من خلال حديث لـ(الصيحة) من مقربين لمكاتب الاستقدام تلك، ذكروا أن مكاتب الاستقدام تتكفل بإحضار النساء السودانيات عبر مكاتب بالسودان ومصر، ويقوم المخدم بالاتفاق معهن وفق الأسعار التي تحدد على حسب البلاد التي تصل منها الفتيات، حيث تعتبر أجور خادمات المنازل السودانيات من أقل الأجور لا تزيد عن 200 دولار، في حين تصل أجور الإثيوبيات إلى 400 دولار والآسيويات لخمسمائة دولار.

نظام الكفالة

وتحدثت تقارير عربية عن عدم وجود قانون عمل ينظم استقدام العاملات الأجنبيات ويحدد حقوقهن وواجباتهن وإنما يخضعن لنظام الكفالة ويبقين تحت رحمة رب العمل.

وأضاف التقرير أنه لا يحق لها الحصول على أي أيام كإجازة أسبوعية، ويصبح الأمر مرتبطًا بإرادة أصحاب المنزل الذي تعمل فيه، وأشار التقرير إلى انتشار ظاهرة مداورة العاملات بين الأسر بإعارة العاملة إلى أسرة أخرى، الأمر الذي يرهق العاملة كما يتعرضن إلى أشكال من التحرش الجنسي وصولاً إلى الاعتداء.

عقوبات:

وقال: تستقدم العاملات إلى لبنان من خلال مكاتب الخدمة المنتشرة على كافة الأراضي اللبنانية، وتشكل هذه المكاتب صلة الوصل بين العاملات وأرباب الأسر وتجري في غالبية هذه المكاتب جلسات تأديبية للعاملات يتم خلالها تعنيفهن جسدياً ومعنويًا في حال تلقوا شكاوى من أرباب الأسر.

وأضاف: تمتد العقود غالباً إلى مدة سنتين، يتم تجديدها في حال موافقة الطرفين، ومع هذا فكثيراً ما تتكرر حالات من المنع من السفر أو حجز راتب عدة أشهر لضمان عودتها إلى لبنان في حال قررت زيارة ذويها.

وكشف التقرير أن متوسط أجر العاملة المنزلية في لبنان يبلغ 150 دولاراً شهريًا، أي حوالي ثلث الحد الأدنى للأجور في لبنان.

وقال إن إثيوبيا فعلت قانوناً يمنع مواطناتها من السفر إلى لبنان بسبب امتناع الحكومة اللبنانية عن توقيع اتفاقية لتحسين ظروف عمل العاملات الإثيوبيات (وأثار قرار الحكومة الأثيوبية جدلاً في لبنان).

تصرف فردي:

أبو بكر الصديق الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، قال لـ”الصيحة” إن العلاقة بين السودان ولبنان علاقة متميزة، وإن الحكومة اللبنانية تعاونت تعاوناً طيباً مع سفارة السودان بلبنان، وقامت بإعفاء السودانيين الذين تسللوا إلى أراضيها من الغرامة، كما أنها عاملتهم معاملة طيبة، وقال إن ما حدث بلبنان هو تصرف فردي لا يعكر صفو العلاقة الطيبة التي تربط السودان بلبنان، مشيراً إلى أن السفارة السودانية خاطبت الحكومة اللبنانية فيما يتعلق بقضية خادمات المنازل السودانيات، كما خاطبت الخارجية الجهات المختصة في السودان ووزارة العمل ووزارة الداخلية لضبط المسألة برمتها..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى