ماذا عليهم لو تركوا البشير ينزل في “قبر أمه”؟!

النزول في قبر الأم هو (سر) أزلي من أسرار العلاقة بين الأم وأبنائها, خاصة الذكور, فضلاً عن كونه (فضيلة سودانية) يحرص عليها كل من فضله الله وكرمه بحضور تلك اللحظة. بكل أسف هذا السر لم يدركه حكامنا الجدد من قادة المجلس العسكري وهم يقررون حرمان الرئيس السابق عمر البشير منه! بربكم ماذا عليهم لو سمحوا له بذلك؟ أي (شيطان) كان حاضراً معهم وهم يصدرون القرار؟ هل هو قرارهم أم قرار حلفائهم الجدد الذين (يقطعون) ما أمر الله به أن (يوصل) من الذين جاءوا يحملون في دواخلهم مخزونات تراكمية هائلة من الحقد والتشفي! عمر البشير (نزل) في قبور أناس كانوا من منافسيه, على الأقل من الناحية الفنية البحتة. عندما توفي الرئيس الأسبق مولانا أحمد الميرغني (رحمه الله) استأذن شقيقه مولانا محمد عثمان الميرغني بالحضور مع جنازة أخيه ليدفن في وطنه. الإجابة شهدها العالم عندما (نزل البشير) في قبر الميرغني مع السيد محمد عثمان. البشير سمح للرئيس جعفر نميري بالحضور إلى وطنه وكرمه، وعندما جاء الأجل أقام له (جنازة عسكرية) مكتملة الأركان، حيث عزف فيها (البروجي) نوبة الصحيان. الأستاذة المرحومة فاطمة أحمد إبراهيم, تلك الزعيمة الشيوعية العاتية ظلت تهاجم عمر البشير ونظامه وجماعته طيلة حياتها. حكت هي نفسها أول مرة تقابل فيها البشير بعد عودتها إلى السودان. قالت إنها لم تكن تتخيل أن (يسلم عليها), لكنه سلم عليها, ليس فقط سلاماً (بروتوكولياً) بل سلم عليها (بالحضن), وعندما ماتت (قام بالواجب) تجاهها وتجاه جماعتها الذين لم يحفظوا الجميل, بل هتفوا ببذيء القول في وجه الذين جاءوا لتقديم واجب العزاء. توفي زعيم أنصار السنة مولانا أبوزيد محمد حمزة رحمه الله، وكانت معروفة مواقفه العنيفة في نقد النظام ورأسه. كان البشير على رأس المعزين في (الدافنة). مولانا أبوزيد كان له (ولا يزال) ابن مسجون ومدان بالقتل العمد هو (عبد الرؤوف). أمر البشير بإحضار عبد الرؤوف لكي يحضر جنازة أبيه و(ينزل) في قبره. عندما أحضر عبد الرؤوف الى المقابر كان (مجنزراً) شأن المحكوم عليهم بالإعدام. أمر البشير بفك الجنازير، لأن لا أحد يمكن أن ينزل إلى القبر وهو (مجنزر)! أنا لا أتكلم عن مواقف عمر البشير مع جماعته وأنصاره, أنا أتكلم عن مواقف عمر البشير مع أناس كانوا ضده وبعضهم حمل السلاح فى وجهه ووجه نظامه. عندما مات النائب الأول جون قرنق وكان منافساً شرساً و(كارهاً) مقيتاً للبشير ولما يمثله البشير, لم يقل البشير (الله خلصنا منه)! قام بالواجب و(زيادة). صحب الجثمان إلى جوبا وحضر كافة مراسم الدفن بالرغم من (الرذالات) التي مارسها بعض متطرفي الجنوب مثل باقان أموم! أنا هنا لا أتكلم عن دين ولا أخلاق فجون قرنق ليس مسلماً ولا يحمل من أخلاقنا مثقال ذرة من حبة قمح. أنا أتكلم عن مثل سودانية صرفة. والذي ليس له دين ولا أخلاق (يتمها لينا سودانية)!البشير كرم شخصيات كانت تعارضه بشراسة, والطيب صالح ومحمد وردي مجرد مثال. أم البشير الحاجة (هدية) رحمها الله ظلت (تلاهي) بأن ترى ابنها الذي كان قبل أيام (تطأطأ) له الجباه, خاصة الجباه التي حرمته من أن ينزل في قبرها. لم يسمحوا لها بذلك. (يخس عليك يا دنيا)! عندما اشتد عليها المرض (وهي اصلاً مريضة) وكبيرة في السن, لم يسمحوا لها برؤيته. عندما نقلت الحاجة هدية إلى المستشفى أيضاً لم يسمحوا للبشير بزيارتها. وعندما دخلت في (غيبوبة) لم يسمحوا له بزيارتها. عندما توفاها الله, جاءوا به حيث صلى عليها وقبلها ثم أخذوه إلى السجن, لكنهم تركوا أهم جانب في المشهد! لم يسمحوا له بأن يصحبها في رحلتها الأخيرة والنزول في (قبرها)! يبدو أن السخط من هذا الموقف قد وصلهم فسمحوا له بحضور (رفع الفراش)! ما ينفعش! الذي حدث لن ينسى ولن يمحى من (الذاكرة السودانية). إن التصرف الوحيد الذي كان على البرهان أن يقدم عليه هو أنه بمجرد أن وصله النبأ أن يركب سيارته الخاصة (يسوقها بنفسه) ومعه العشرة من أعضاء المجلس العسكري بسياراتهم بدلاً من (العشرة تاتشرات) التي صحبت البشير إلى بيته, ثم يذهب (الموكب الرئاسي) إلى السجن ويصطحب البشير(راكب بجانب البرهان) ويتجهون جميعاً إلى (بيت العزاء) ويشهد كل المراسم ثم يسمح للبشير بالبقاء (محروساً ما فيش مشكلة) في منزل العزاء (ما شاء الله له أن يبقى). البشير كان سيفعل ذلك. تلك هي الأخلاق السودانية ومن دون ذلك فليس فيها مثقال حبة من خردل من أخلاق أو مثل أو (سودانية)!

(*) حاشية: وهى عبارة عن همسة وسؤال للرئيس البرهان. الهمسة أن يتذكر أن (الأيام دول) فالبشير حكم ثلاثين عاماً ثم (خلفه) من حرمه من دفن أمه, أما السؤال فهو هل كان جدك (شريف اليمن) الذي تنبأ لك بحكم السودان (الشيخ الحفيان), هل كان سيرضى ويكون سعيداً بما حدث؟!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى