أتركوها تتحرَّك …

لا تُرهِقوها بالأسئلة، ليس لدى الحكومة ما تفعله الآن، هي تقف مثلنا جميعاً تتفرج على الأوضاع، تتحسّس مواقعها، تتلمّس موطئ قدميها، تنتظر معجزةَ من السماء تتنزل بها حلولاً للأزمة الاقتصادية، وترجو يقيناً يدفعها في تنفيذ خطتها للإصلاح الاقتصادي، هل ترفع الدعم أم تُبقي عليه؟ هل تُعلِن نيّتها في ذلك أم تُضمرها وتُخفيها في أغوار نفسها؟ هذه حكومتنا السَّنِيّة، يجب علينا أن لا نغلظ عليها، فهي تُصارع طواحين الهواء التي توهّمتها، ترى ظلال الدولة العميقة على كل جدار، لا تظن فقط أن كلّ صيحة عليها، لو لم تكن هناك صيحة عدو لاخترعتها ولأعلنت قوى الحرية والتغيير أن الصياح نابع من جوف المتربصين المندسين في ليل الأسى الطويل، ودائماً ليل العاشقين لوهج السلطة طويل …

ليس من الحكمة ان تُنتقَد الحكومةُ الآن ولم يمض على تكوينها سوى أيام، قبل أن تجلس جيداً فتحت عليها ثقافة المواكب والتظاهُر وموضة الوقفات الاحتجاجية فوّهات الجحيم، أمس في طرقات الخرطوم احتلت مجموعة من تجار وباعة موبايلات في عمارة وسط السوق العربي، احتلت موقعاً متميزاً قبالة مجلس الوزراء وهم يهتفون بسقوط السلطات المحلية والضرائب ثم القوانين التي حاولت حرمانهم من بعض الحقوق التي تمتعوا بها زماناً نضيراً، وامتدت التظاهرات والوقفات الاحتجاجية إلى الوزارات والجامعات، وكانت وزيرة التعليم العالي أمس الخصم والحكم، لم تجد بُدّاً من المُشاركة في الوِقفة الاحتجاجية للعاملين في إحدى الجامعات فوقفت مُحتجّة معهم، وهتفت بمطالبهم ضد الكرسي الذي تجلس عليه .

في كل مكان خرجت عشرات الوقفات الاحتجاجية في حالة من الفوضى باسم الحرية والديمقراطية، كل من لا يعجبه حال، لا يُبالي فأسهل وأيسر ما يفعله هو أن يخرج ويدعو زمرته وينادي ناديه ليرفعوا اللافتات الورقية وقطع القماش ويبرأون إلى الله والوطن من الحكومة التي نادوا بها، لن تهنأ حكومة السيد حمدوك بالهدوء والسكينة حتى تستطيع القيام بمهامها وواجباتها والسعي نحو حقوق المواطنين، فهي مُحاصَرة من التنظيم السياسي الذي أتى بها ومهّد لها الوصول إلى سنام الحُكم، ودونكم موكب الخميس الفائت الذي اقتحم مقر السيادة، وطالَب بأغرب مطلب سياسي، باستقلال القضاء، فكيف بتنظيمات سياسية تُطالب بتعيين فلان وعلان بشخوصهما في مواقع تقتضي أن تكون رمزاً للحياد والنزاهة واللا انتماء، فرئيس القضاء أو النائب العام، مواقع حساسة للغاية، ليست محل تزيُّد سياسي أو هتافات تتردّد أصداؤها في الطرقات… كيف تهنأ حكومة السيد حمدوك ومناصروها هم مُعاكِسُوها ومُعيقُوها ولاعنوها؟

وحتى لا نقع في ما يُشين الحكومة، نرجو أن يصبِر عليها أنصارُها بمختلف منابِتهم السياسية وتيّاراتهم المُختلفة والفسيفساء الحزبية التي راهنت عليها، قبل أن يصبر عليها عامة الناس، فالطريق طويل وعر، ونتوءات الصخور تُدمِي الأرجل الحافية والأقدام الرخوة، فأي انتقاد حاد للحكومة اليوم ليس عدلاً، فهي لم تتحرّك بعد، ولم تُعلن برنامجاً مُنسّقاً منظّماً مُتكاملاً يبعث الأمل، ولم يُبدِ كثير من الوزراء قدراً من البراعة السياسية ولا الكفاءة الحاذقة التي يمكن أن تطمئن الفؤاد وتشفي غلة الصادي… فلماذا لا نصبر قليلاً لعل المُعجزة المنتظرة ستحل علينا، لربّما مائدة من السماء للجوعى، أو أن يُقيّض لمجلس الوزراء حزمة عصي، من نسل عصا موسى، أن يهب المجلس في ظلمة الحلم الجميل وفي زمن قطوعات الكهرباء (كرتونة) مُلئت حتى الثمالة بمصابيح علاء الدين السحرية ..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى