السودانُ وما يجري حولنا ..

التطوُّرات الإقليمية والدولية الراهنة، ذات انعكاسات حتميّة على السودان، سواء ما يجري الآن على صعيد الأزمة الأمريكية الإيرانية بعد اغتيال الطيران الحربي الأمريكي رجل إيران القوي في المنطقة اللواء قاسم سليماني ورفيقه العراقي أبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي في العراق، بجانب ذلك تطوُّرات القضية الليبية بعد موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا لمساندة حكومة الوفاق المُعترَف بها دولياً المُحاصَرة في طرابلس العاصمة، حيث تتعرّض تخوم العاصمة الليبية لهجمات من قوات حفتر التي تطوّقها من ناحيتي الجنوب والشرق .

هذه التطوّرات يخطئ من يظن أنها لا تؤثر على الداخل السوداني بشكل كبير، فالمنطقة العربية خاصة الخليج والشمال، ربما تشهد مواجهات عنيفة وحرباً عالمية ثالثة إذا ما نفّذت إيران تهديداتها بالرد على اغتيال الجنرال سليماني واستهدفت المصالح الأمريكية في المنطقة، وهاجمت بترسانتها الصاروخية العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة ومواقع القواعد الأمريكية في دول الخليج والأساطيل البحرية الأمريكية ومواقع وحقول النفط التي تتغذى منها الدول الغربية، ففي هذه الحال لن ينتبه أحد لما يجري في السودان وستتعقّد الأوضاع العالمية والإقليمية، ويدخل العالم في أزمة طاحنة سياسياً وأمنيا واقتصادياً، وقد تتوقّف إمدادات النفط، وترتفع أسعاره أضعاف ما نتصوّر، وتتغير تحالفات وتنهار أنظمة وحكومات وقد تختفي دول وتعم الفوضى، فالله وحده يعلم المصير والمآل ..

ففي الأزمة الليبية، ستستعِر الحرب نتيجة للاستقطابات والتدخُّلات من خارج ليبيا التي ستكون ساحة للحرب وتصفية الحسابات بين الأطراف الدولية المتصارِعة، ستنخفض قوى وتنهض أخرى، وسيكون السودان امتداداً لهذه الساحة، ولن ينجو من آثارها سواء بتمدّد الحرب أو ظلالها وآثارها إليه، سواء غمرته كل أنواع السلاح المُتسرِّب من هناك أو لجأت إليه أعداد  الفارّين من أتون الحرب والهاربين من ويلاتها، خاصة أن التداخُلات السكانية أو وجود بعض الحركات المتمرّدة المُتورِّطة في الصراعات الليبية سيكون عاملاً فاعلاً في المُعطى الجديد مع تطوّرات المشهد الليبي .

سيكون السودانُ بلا أدنى شك منطقة ضغط منخفض نتيجة لما سيحدث شرقاً وشمالاً في الخليج العربي ومنطقة الشام، أو غرباً والشمال الغربي في ليبيا، وستسقُط نتيجة لذلك رهانات كثيرة تمَّ وضعُها لمعالجة الأوضاع الداخلية ومنها الميزانية للعام ٢٠٢٠م التي تعتمد بشكل كبير يصل إلى نسبة تقترب من ٦٠ بالمائة اعتماداً على المساعدات الخارجية والدعم الدولي  ومُساهمات أصدقاء السودان.. ويتعيّن علينا جميعاً أن نستعد من الآن لمجابهة هذه التطوّرات المُتوقّعة، وقد أزفت ساعة وقوعها وحلولها وبدأت إرهاصاتها وسُحُبها في التشكُّل في سماء المنطقة ..

وقد لا يحتاج السودان نتيجة لذلك للاصطفاف، لأن حالات الاصطفاف لن تكون ذات جدوى في الحرب القادمة لأنها لا تُبقي ولا تَذر في حال اندلاعها، لأنها ستكون حرباً شاملة تُستخدَم فيها كل أسلحة الجيل الرابع والخامس، وتتورّط فيها أطراف دولية عديدة وستتخرّج فيها مجموعات غير منظمة أو مُنخرِطة في جيوش نظامية وسيكون لها توابع في أفريقيا وآسيا على السواء .

من الأفضل ألا ننكفئ بتفكيرنا في الداخل فقط، على العقل السياسي السوداني في كل موقع مُوالٍ ومعارض أن يُفكّر في مستقبل المنطقة ومستقبل السودان وكيف ستكون الأوضاع عندنا إذا نشبت حرب غير تقليدية وامتد حريقها  إلى أطراف عباءتنا..؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى