العصيان المدني.. و(بائع السمك)!

صبيحة الأحد الماضي، وهو اليوم المحدد لبداية العصيان المدني الشامل و(المفتوح) والذي كانت تأمل قيادة إعلان الحرية والتغيير أن ينتهي بـ (هزيمة) المجلس العسكري وتسليمهم السلطة كاملة لحكم السودان يفعلون به ما يشاؤون، في ذلك الصباح أخذتني (غفوة) بعد صلاة الصبح، الذي أيقظني كان صوت (بائع السمك) والذي اتخذ موقعاً (استراتيجياً) خارج عتبة داري، وجاء صوته مجلجلاً: سمك… سمك…يا… سمك بلطي يا… سمك الجبل يا.. حينها أدركت أن العصيان المدني راح أدراج الرياح، سقط سقوطاً مدوياً قبل أن يبدأ. أسقطه بائع السمك والذي ثبت أنه قد قام منذ الثالثة صباحاً ليذهب إلى سوق السمك ويأخذ نصيبه ليطوف به الأحياء كما كان يفعل دائماً. وسبحان الله، ليس من (عادة) بائعي السمك أن يظهروا في الأحياء مباشرة بعد العيد، خاصة بعد عيد الفطر، حيث تكون كل الخدمات المتعلقة بتجارة السمك شبه معطلة، لكن في هذا اليوم بالذات أراد صاحب السمك هذا أن (يهزأ) بسرّاق الثورات الذين لم يكتفوا بسرقة الثورة (كعادتهم) فحسب، بل أرادوا أن يستفيدوا من عملية السرقة لأقصى حد، ويستولوا على حكم البلاد لمدة أربع سنوات دون سند قانوني أو تفويض شعبي. ومضى هؤلاء الموهومون في غيهم وأخذتهم (العزة بالإثم) فمنذ اليوم الأول اتضح لهم حجم وأثر(الصفعة) التي أنزلها عليهم (بائع السمك) والذي مثل الشعب السوداني تمثيلاً أعمق من ادعائهم تمثيل الشعب السوداني. كان في إمكانهم أن يكتشفوا منذ اليوم الأول، بل منذ ساعات الصباح الأولى أن إضرابهم البائس قد فشل، هذا إذا افترضنا أن لهم عقولاً يفقهون بها أو أعيناً يبصرون بها أو آذاناً يسمعون بها، لكن أنى لهم هذا؟! لذلك فقد عجبتُ لدرجة (الجرأة) التي يتمتع بها هؤلاء عندما قرأت في صحف صباح الثلاثاء أنهم قد (قرروا) رفع العصيان المدني اليوم حسبما أوردته صحيفة (الانتباهة) بالنص!* قالوا إن رفع العصيان تم لأسباب إنسانية؟ أين كانت الإنسانية عندما مات أطفال (الفشل الكلوي) على عتبات متاريسكم المجرمة؟! العصيان المدني لم تقرروا أنتم رفعه. الذي (قرر) ذلك هو شعب السودان العظيم الذي لقنكم درساً في الوطنية وحب الأوطان. قبل ذلك فإن شرف (كسر) العصيان المدني فاز به المجلس العسكري الانتقالي وأذرعه وأدواته الأمنية والاقتصادية والسياسية والإعلامية حيث استطاع تأمين المرافق الخدمية الاستراتيجية من كهرباء ومياه ومخابز ومواصلات ومحطات الوقود، وهنا لا بد من الإشادة بقوات الدعم السريع والتي قامت بعمل عظيم تمثل أولاً في فتح الطرق وإزالة المتاريس مما مكن المواطنين من الانتقال إلى أماكن أعمالهم، لكن العمل الأعظم الذي قامت به قوات (الدعم السريع)  هو تلك الدوريات التي جابت شوارع الخرطوم، وذلك في أضخم عملية إظهار للقوة وهو ما يعرف بـ(show of power)، حيث أن الشيوعيين قد أنشأوا ما أسموها بـ (لجان الأحياء) والتي قالوا إنها وحدها المسئولة عن (حفظ الأمن) في الأحياء حيث الناس جالسون في بيوتهم! لكن المهمة الأساسية لتلك اللجان هي استغلال الصبية وإغرائهم بالمال لإقامة المتاريس في الأحياء! تصوروا وتخيلوا صلف هؤلاء الشيوعيين و(غرورهم) الكاذب، حيث ضمنوا أن الشعب سيستجيب لدعوتهم ويبقى حبيس المنازل لتقوم لجانه األأمنية بحراسة الأمن، يعني ببساطة ليس هنالك أمن رسمي. لذلك فإن دوريات الدعم السريع قد (أرهبتهم) منذ الصباح ومنعتهم من القيام بأي حماقات كانت ستؤدي إلى الصدام بينهم وبين فئات الشعب والتي لم تكن لترضي بتقبل نزقهم وطيشهم. لقد كان العصيان المدني المزعوم هو (آخر طلقة) في جعبة هؤلاء البائسين وأصبح الطريق الآن ممهداً للمجلس العسكري لكي يشكل حكومة الكفاءات التي وعد بها وذلك حتى تسير البلاد في طريق الاستقرار.

(*) حاشية: لا بالله.. ما ترفعوا العصيان. ألم تقولوا إنه مفتوح؟ّ!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى