المجلس العسكري و(فن) إدارة الأزمة

هنالك دون شك قراءات (سريعة) وأخرى (متأنية) لاتفاق الخامس من يوليو الذي تم بموجبه طي صفحة حرجة من تاريخ السودان الحديث. إن المرحلة التي أعقبت سقوط النظام السابق كانت مفعمة باحتمالات جلها ليست سارة. الاتفاق ومهما قيل عنه فهو اتفاق مهم و(له ما بعده)، كما قال الفريق (حميدتي) في كلمته المقتضبة عقب إعلان الاتفاق. عليه فإن من مقتضيات القراءة السريعة محاولة معرفة الأطراف المختلفة التي ساهمت في (إخراج) ذلك الاتفاق بالصورة التي ظهر بها، وهي أن كل طرف سوداني (وجد نفسه) فيه, وتلك لعمري قمة النجاح. المجلس العسكري هو (البرنجي) والذي يستحق أن يُعطى (العلامة الكاملة)، لأنه قد نجح في (إدارة الأزمة) بحنكة وصبر و(ذكاء).

المجلس العسكري ظل يواجه طيلة الشهور الماضية سيلاً من الإساءات والبذاءات وصلت (اللحم الحي) وهو الشأن الخاص واستخدام (اسماء الزوجات) في الشارع! تلك الحملة لم تكن صدفة أو وليدة (غضب عارض), لا لقد كانت خطة محكمة وراءها عقول شيطانية، كان الهدف منها (جر), ليس المجلس العسكري فقط بل جر كل القوى الموجودة على الأرض إلى حلبة صدام دموي يلقى بالبلاد في أتون الفوضى والحرب الأهلية.

وهنا يظهر المعدن الحقيقي للمجلس العسكري أو بالأحرى للمؤسسة العسكرية السودانية والتي كانت على الدوام (صمام الأمان) لهذا الوطن. قادة المجلس العسكري تحلوا بقدر هائل من الإحساس بالمسئولية وضبط النفس والمقدرة على (امتصاص) غضب الغاضبين وسفاهة السفهاء! والذي (يصعب) هذه المهمة أن المجلس العسكري كان عليه أن (يمتص) غضباً (مصنوعاً) كما أسلفت، وهو غضب كلما حاولت امتصاصه ازداد (غلواؤه)، لأنه ببساطة غضب مصنوع و(مدفوع الأجر) مثل النائحة المصرية على القبور! ويدخل في (ثنايا) هذه الصفة، أن المجلس العسكري وفي اللحظة التي كان يتحلى فيها بقدر كبير من المسئولية فقد كان عليه أن يتعامل مع جهات لا تتمتع بأي درجة أو إحساس بالمسئولية. مارس أعضاء المجلس العسكري قدراً هائلاً من (كظم الغيظ)، وهم يخوضون معركتهم مع واقع معقد وتدخلات وضغوط داخلية وخارجية بعضها حسن النية وأغلبها سيئ النية.

كان المجلس العسكري (بين نارين)، فإذا أبرم اتفاقاً مع الملايين التي فوضته بـ (عسكرية بس) لكي يشكل حكومة من طرفه فإن القوى الأخرى ستثور في وجهه، فنعود إلى المربع الأول, وفي ذات الوقت إذا ما سار في طريق اتفاقه (الكارثي) مع قوى الحرية والتغيير، فإن القوى الوطنية والإسلامية والتي (كشرت) عن أنيابها وهي لمن لا يعلمون (أنياب حادة), ستسقط حكومة الحرية والتغيير في خلال أسبوع، ونكون (كأنك يا أبوزيد)! المجلس العسكري نجح في إدارة الأزمة و(أبحر) بالسفينة إلى شاطئ الأمان. برافو يا مجلس يا عسكري. نحن الآن (مطمئنون) أن لنا مؤسسة عسكرية نعتمد عليها الآن وبعد المرحلة الانتقالية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى