أصدر ﻗرﺍراً ﺑﺈﻋﺎﺩته للخدمة ﻭﺗﺮﻗﻴﺘﻪ ﺇﻟى ﺭﺗﺒﺔ ﻋﻤﻴﺪ .. عشرة الأيام.. الأغنية التي أعادت العلاقة بين نميري وعوض أحمد خليفة!!

 

 

كتب: سراج الدين مصطفي   20مارس2022م

1)

الرئيس السوداني السابق الراحل جعفر محمد النميري كان يراه البعض قائدا والبعض الآخر ديكتاتورا.. تحالف مع الشيوعيين ثم انقلب عليهم وانقلبوا عليه.. كان يبدأ يومه بصلاة الصبح حاضرا في منزله الشعبي العتيق في حي «ود نوباوي» الشهير في مدينة أم درمان، ثم يقرأ في ذات الصلاة جزءا أو جزءين من القرآن الكريم، قبل أن يحضر نفسه للخروج الى مكتبه في دار حزبه، ويقول احد المقربين، من الرئيس السوداني السابق جعفر نميري، الذي يصفه خصومه بالدكتاتور، وأنصاره بـ«القائد»، يلتقي نميري بأنصار الحزب أولاً، ثم أصحاب الحاجات ثانيا، ليفسح من بعد وقتا متسعا لرجال من حوله وهم: معاونوه في الدار.

(2)

وفي الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر، يلملم حصيلة اليوم من الحكايات، وهي في الغالب أشواق ممتدة، وضروب من فعل الماضي، وكان واخواتها، ويقفل عائدا عبر شارع النيل في الخرطوم، ثم شارع الموردة في أم درمان، ليحط رحاله في منزله بـ«ود نوباوي»، وهو منزل والده الذي تربي فيه والذي يشرف على منزل ووالد زوجته بثينة خليل.

(3)

إلتحق ابن الأسرة الفقيرة بالكلية الحربية عام 1949، وانتابه شعور مزدوج بالفرح في موقعه الجديد لسببين؛ الاول: عندما «قبض» أول راتب وقدره جنيهان ونصف الجنيه لطالب الكلية الحربية، وخروجه من دائرة الاتكال والاعتماد على الآخرين، فضلاً عن انه أصبح في امكانه تقديم المساعدة لأسرته الفقيرة، وذلك بالإضافة الى إشباع حبه للعمل الشاق والحيوية والرجولة الموجودة في الحياة العسكرية.

(4)

وكما معروف أن الشاعر الراحل عوض أحمد خليفة كان دفعة الرئيس الراحل جعفر نميري في الكلية الحربية وجمعت بينهم (عشرة الأيام).. وعوض أحمد خليفة شاعر صاحب مفردة خاصة جداً.. مفردة مترعة بالجمال والعاطفة الدافقة.. كل أغنياته التي كتبها تعبر تعبيراً دقيقاً عن شاعر سلك طريقاً مختلفاً عن حال السائد من اللغة الشعرية الغنائية.. وبالتأمل في أغنيات مثل (ناكر الهوى).. (دنيا المحبة).. (عشرة الأيام) يجد نفسه أمام شاعر يرسم ولا يكتب.. فهو بارع جداً في تصوير حالته الشعرية من خلال حشدها بالتعابير السهلة ولكنها في ذات الوقت عميقة ومتجذرة في الأرض ..

(5)

لذلك يظل الشاعر اللواء (عوض أحمد خليفة) واحدا من أنضج الذين كتبوا الشعر الغنائي.. فهو رغم أنه لم يسلك درب الحداثة الممعنة في الرمز ولكنه إختار مفردة جزلة وفيها الكثير من البراعة والتمكن.. وليس أدل من ذلك حينما نعاين لأغنية شاهقة مثل (عشرة الأيام).. فهي كانت عبارة عن حالة وجدانية خاصة بشاعرنا الجميل ولكنه منحها خاصية الشيوع والإفتضاح.. وكما يقال أن للعطر إفتضاح.

(6)

خدم في القوات المسلحة الهجانة كردفان، سلاح الإشارة أم درمان، الجنوبية جوبا تدرج إلى أن وصل رتبة يوزباشي «نقيب» ثم فصل من الجيش السوداني لأسباب سياسية تتعلق بالحركة التي أعدم فيها عبدالرحمن كبيدة وعلي حامد وعبد البديع علي كرار، عمل ضابطاً لمدة عام بمشروع الجزيرة.. عاد للحكومة في وزارة التجارة مفتش تعاون بمصلحة التعاون وتدرج إلى أن وصل مساعد مدير مصلحة التعاون 1969م، وفي هذه الفترة التحق بجامعة القاهرة لينال درجة دبلوم الاقتصاد. أعاده النميري للخدمة برتبة عميد في عام 1969 وتقاعد كلواء معاش.

(7)

ومما يحكي أن ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻧﻤﻴﺮﻱ كان من عشاق ﺎﻟﻔﻨﺎﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺣﺴﻴﻦ ﻭﻳﺴﺘﺪﻋﻴﻪ ﺩﺍﺋﻤﺂ ﻟﻠﻐﻨﺎﺀ ﻟﻪ في جلساته الخاصة.. وكما الرواية ﻭﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﻋﺰﻝ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪ ﻋﻮﺽ ﺃﺣﻤﺪ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﺧﺘﻼﻑ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ.. و ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺀ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﻨﺎﻥ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺣﺴﻴﻦ ﺿﻴﻔﺂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻧﻤﻴﺮﻱ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﻫﻞ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺎ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻓﺮﺩ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻨﻌﻢ ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍلأﻏﻨﻴﺔ:

عشرة الأيام ما بصح تنساها.. كأنو ما حبيتك وكأنو ما عشناها

وضمانا أحلى غرام.. ليه فجأة دون أسباب..

من غير عتاب أو لوم.. أخترت غيري صحاب..

وأصبحت قاسي ظلوم.. وانا برضي حولك أحوم..

كان عهدي بيك ترعاني.. وأجمل صلاتنا تدوم..

(8)

ﻓﺴﺄﻝ ﻧﻤﻴﺮﻱ – ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺣﺴﻴﻦ – ﻣﻦ ﺷﺎﻋﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻏﻨﻴﺔ ﻓﺮﺩ ﻟﻪ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺣﺴﻴﻦ ﺻﺎﺣﺒﻚ ﻭﺭﻓﻴﻖ ﺩﺭﺑﻚ ﻣﻦ ﺳﻨﻴﻦ ﻋﻮﺽ أﺣﻤﺪ ﺧﻠﻴﻔﺔ.. ﻭﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﺃﺻﺪﺭ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻧﻤﻴﺮﻱ ﻗﺮﺍﺭﺁ ﺑﺈﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪ ﻋﻮﺽ ﺃﺣﻤﺪ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺇﻟى ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻭﺗﺮﻗﻴﺘﻪ ﺇﻟى ﺭﺗﺒﺔ ﻋﻤﻴﺪ.. ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺣﻤﺪ ﺍﻟﻨﻴﻞ ﺿﻴﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ  ﻓﺘﻌﺠﺐ ﻟﻠﻘﺮﺍﺭ ﻭاﺗﺼﻞ ﺑﺎﻟﺮﻳﺲ ﻭﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﻤﻔﺎﺟﺊ؟ فقال له ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ نميري (ﺩي ﻋﺸﺮﺓ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻳﺎ ﺣﻤﺪ ﺍﻟﻨﻴﻞ).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى