الإتجار بالبشر.. مطلوبات أمريكية على طاولة بحث سودانية

 

تقرير: صلاح مختار        12مارس2022م 

لأنها قضية أمنية واقتصادية وسياسية , أُضيفت إليها أخيراً بأنها قضية ثقافية في المقام الأول, فإن الإتجار بالبشر او الهجرة غير الشرعية وما يصاحبها من الإتجار بها, فإنها قضية تؤرق مضاجع الدول ليست المنتجة لها او العابرة بها, وانما الدول المستقبلة لآلاف مؤلفة من البشر الساعين او الطامحين في تغيير واقعهم الاقتصادي أو الاجتماعي. ربما تصطدم تلك الرغبات بكثير من العوامل الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تُشكِّل عقبة أمام المغادرين لدولهم إلى أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية.

كل الخبراء يتّفقون على أن السودان دولة معبر منذ وقت قديم, ولكن يرون الآن أنها أصبحت دولة تقوم بـ(التجهيز) للذين يرغبون في العبور إلى أوروبا بحثاً عن حياة افضل عبر منافذ معروفة للمهربين.

ورغم خطورة وصعوبة عملية الإتجار أو التهريب والمكافحة, إلا أن الهجرة والاتجار ليسا وقفاً للشباب, فالاحصائيات تشير الى مشاركة عدد ليس بالقليل من النساء والبنات في أعمار صغيرة والأطفال والرجال. ربما تلك مؤشر إلى استغلال بعض من تلك الفئات في كثير من الجرائم المتعلقة بالجنس وتجارة الأعضاء وغيرها من الجرائم التي تسبب انعكاسات نفسية واجتماعية خطيرة. لهذا أصبح الاتجار بالبشر هاجساً أمنياً يُسيطر على علاقات الدول الخارجية.

مطلوبات أمريكية

خلال الفترة الأخيرة, ناقش اجتماع التأم بوزارة العدل السودانية, مطلوبات تقرير حول مكافحة الإتجار بالبشر طلبته وزارة الخارجية الأمريكية من الحكومة, ووقف الاجتماع على الاستعدادات لتقديم التقرير أواخر شهر مارس الجاري, وقدم اعضاء اللجنة تنويراً شاملاً عن جهود الجهات ذات الصلة, وأمّن على ضرورة تكوين لجان فرعية للجنة الوطنية بالولايات خاصة الولايات الجنوبية.

وكانت اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر, عقدت اجتماعها بوزارة العدل برئاسة وكيل الوزارة المكلف, رئيس اللجنة, هويدا علي عوض الكريم, حيث وقف الاجتماع على سير عمل اللجنة والتحديات التي تُواجه عملها.

خُطةٌ جديدةٌ

وسبق وأن أعلن السودان بدء العمل بخُطة جديدة مدتها ثلاث سنوات لمكافحة ظاهرة الإتجار بالبشر المُسجّلة على حدود البلاد الشرقية المُتاخمة لإثيوبيا. ودشّنت اللجنة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر، الخُطة الوطنية الثلاثية لمكافحة الإتجار بالبشر 2021 – 2023 بالتعاون مع مشروع تحسين إدارة الهجرة.

وكان وزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري, قد ذكر في ذات الإطار أن الدولة ملتزمة بالتصدي “لجرائم الإتجار بالبشر وجرائم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان خاصّةً عندما تدفعه الظروف للهجرة”.

 

وفي 2 يوليو 2021 الفائت، أعلنت الخارجية الأمريكية ارتقاء السودان إلى مُستوى أفضل في جهود مُحاربة الإتجار بالبشر وحذفت اسمه من قائمة الدول المتورطة في تجنيد الأطفال.

 

من جهته، قال سفير الاتحاد الأوروبي في الخرطوم روبرت فان دوول, إنّ السودان قدم جهوداً في مكافحة الإتجار بالبشر وذكر منها التحقيق ومُحاكمة تجار البشر وحماية الضحايا، وأشار إلى أنّ ضحايا الإتجار بالبشر يصلون إلى 40 مليون شخص، ويتعرّضون لأسوأ التعامل ويصادرون جوازاتهم. وأفاد روبرت بأن السودان دولة عبور بحكم الموقع الجُغرافي، موضحاً أن الهدف من الخُطة الثلاثية هو تمكين المؤسسات الوطنية بتيسير هجرة آمنة وشرعية ومحاربة الهجرة غير الشرعية والتركيز على الحماية وتوسيع فرص كسب العيش، وقال ان الاتحاد الاوروبي يدعم السودان في هذا الشأن.

أموال

الحديث عن مطلوبات امريكية لا يمكن النقاش فيه إلا بمعرفة ما هي تلك المطلوبات, هل هي شروط أم مساومة من قِبل الولايات المتحدة الامريكية ام تقدير لجهود السودان, كل تلك المُلاحظات وضع تحتها خطاً, الأكاديمي والمحلل السياسي د. عمر عبد العزيز للاجابة على ماهية المطلوبات التي يشملها تقرير اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر المُزمع تقديمه للإدارة الأمريكية, وقال عبد العزيز لـ(الصيحة) عملية مكافحة الإتجار بالبشر مكلفة وباهظة الثمن, خاصةً وأن السودان يجاور دولاً ذات حدود مفتوحة مع السودان. وأضاف قائلاً أن مشكلة السودان هي كيفية حُصُوله على الدعم المادي الدولي لمكافحة الإتجار بالبشر وليس قضية أخرى, ونوّه إلى حديث نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في وقت سابق بأن عملية إغلاق الحدود تكلف اكثر من (2) مليون يورور, مشيرا الى ضرورة توافر معينات كثيرة لعملية المكافحة كنشر قوات وتسيير طائرات مسيرة, وقال ان السودان ليست لديه مشكلة في التشريعات او الارادة وانما يحتاج الى الدعم وهو حديث معلوم بالضرورة وتحصيل حاصل. وقال إن الأوضاع العالمية بالضرورة تنعكس على الداخل وان اي نزاع داخلي سينعكس على تدفقات الهجرة والإتجار بالبشر, بالتالي الدول الأفريقية تحتاج الى الاستقرار والتنمية للحد من التدفقات البشرية ومكافحة الإتجار بالبشر.

نفسية

لاحظ الخبير النفسي عقيد شرطة عادل محمد عبد الرحمن خلال حديث سابق في ندوة مركز الحوار للدراسات حول الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر رصدتها (الصيحة), لاحظ الإضرابات النفسية في كثير من معسكرات اللجوء خاصةً الأطفال, واكد صعوبة السيطرة على معابر الهجرة غير الشرعية بالسودان, ورأى أن الضغوط النفسية حتى على العاملين في تأمين تلك المعابر, وجزم بأن السودان نجح في الحد من تجارة البشر أو العبور من المناطق الشمالية الشرقية والغربية الى اوروبا بفضل مجهودات قوات الدعم السريع في تأمين الحدود. وكشف عن حالات انتحار خلال رحلة العبور, واكد ان الإتجار بالبشر يعتبر جريمة بعد المخدرات والسلاح. ولفت الى الممارسات والاستغلال الذي يتعرّض له المُهجِّرون رغبة في المال والاستغلال الجنسي للأطفال, الى جانب ممارسة السياحة الجنسية, وكشف عن القبض على عدد من الشبكات التي تمارس تجارة البشر, واكد ان بعض الدول تأتي بالأطفال لممارسة التسول, مبينا ان الخطورة في ذلك انه يصبح مجرماً مستقبلاً, داعياً الى توحيد القوانين والتشريعات ووضعها موضع التنفيذ.

مسؤولية الجميع

واعتبر الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع السابق العميد جمال جمعة, عملية الإتجار بالبشر مرفوضة, وقال لا يمكن ان يكون الإنسان سلعة, وشدد على ضرورة أن يعمل العالم على مكافحته, وقال هي مسؤولية الجميع, واضاف الظاهرة تعود بناءً الى العصور القديمة والجاهلية, وتابع التاريخ بدأ يعيد نفسه, مشيراً الى ان القانون السوداني عام (2014) جرم عملية الإتجار بالبشر, مبيناً ان السودان أصبح دولة تجهيز وليس معبراً فقط, مشيراً الى الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المهجرون لتحقيق اهداف غير مشروعة. ورأى أن هنالك اسبابا متعددة لهجرة الشباب الى اوروبا, واحدة منها ان المهاجرين من شرق افريقيا لا توجد حدود طبيعية تمنعهم او تحد من تدفقاتهم, إلى جانب عدم مُراعاة سلطة الدولة وضعف الحس الأمني والتداخل القبلي جعلت من السودان دولة جاذبة.

أنماط مستحدثة

وذكر مسؤول حكومي سابق, وجود أنماط مستحدثة للإتجار بالبشر. وقال نائب رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر السابق إسماعيل عمر، إن “جريمة الإتجار بالبشر أصبح لها أنماط مستحدثة، منها أعمال السُخرة، والتسول المنظم، والاستغلال الجنسي، وتجارة الأعضاء. وأضاف عمر في مقابلة مع الأناضول، أن بعض القبائل المُشتركة على الشريط الحدودي في شرق السودان (بين السودان وإريتريا) تمارس الإتجار بالبشر. وأوضح أن أكثر الجرائم انتشاراً هي الحجز والتهديد وطلب الفدية. وتابع أن انتشار التعدين الأهلي في مجال الذهب أدّى إلى ظهور مجموعات تتاجر بالبشر، وتسخر العمال والشباب في التعدين وحفر آبار بالقوة. وأردف: أُجريت تحقيقات في المناطق الحدودية بين السودان وليبيا، وتم رصد حالات سخرة وتهديد كثيرة. وتنشط عصابات إتجار بالبشر على الحدود السودانية الإريترية، وداخل مخيمات اللجوء شرقي السودان. ويتم نقل الضحايا عبر طريق صحراوي إلى ليبيا، ومنها عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، أو إلى مصر بدرجة أقل، للوصول عبر صحراء سيناء إلى إسرائيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى