صلاح  الدين عووضة يكتب : سهر ودموع!!

2فبراير2022م

وغنى المغني:

يا عيون ابكِ دمع الدم…

الزمان بعذاب حكــــم…

ولكن هل الزمان حكم بعذابه؟… أم هو الذي حكم على نفسه بالعذاب اختياراً؟..

والوجودية تسمي لحظة الاختيار العدم..

أو اللحظة العدمية؛ وما أكثر لحظات العدم في حياة الإنسان خلال رحلة مسيره..

فالخيارات حين تكثر يغدو العدم أقسى..

وذلك إذا اعتبرنا العدم – بالتوصيف الفلسفي الوجودي – تجربة إنسانية تُحس..

أي أنه ليس انعدام وجود؛ وإنما وجودٌ انعدامي..

وأبو الوجودية – سورين كيركيجارد – أول من عاش من الوجوديين هذه التجربة..

أو أول من لاحظها… وشخّصها… ورسم معالمها فلسفياً..

أما بقية الناس فيتعايشون مع قدرية الاختيارات من منظور غيبي… ولا يعيشونها..

فيسمونها الظروف… أو المقادير… أو القسمة والنصيب..

ومنهم من يذهب إلى أكثر من ذلك – توغلاً في الغيبيات – فيسميها (العمل)..

فتصديق القوى الخفية – تفسيراً – هو أيضاً خيار..

مثل الذي يختار شريكاً لحياته ليُكمل نصف دينه؛ فإذا به يكاد يفقد النصف الأول..

ثم ما كان في النصف الأول هذا من سعادة أيضاً..

ثم يختار – كذلك – شريكاً غيبياً لشراكته عله يعينه على سوء اختياره الأول..

والغيبيات لا تعين على إصلاح ما أفسدته الحسيات..

وذلك إن لم تكن من تلقاء الذي لا شريك له..

وضربت أمثلة – من قبل – ببعض الذين نجحوا في اختياراتهم من المشاهير..

وأعني اختياراتهم الدراسية… فالعملية..

أما الاجتماعية الخاصة – وأعني مسائل الحب والزواج – فهذه صعبٌ الحكم عليها..

الحكم عليها… أو لها؛ فالبيوت أسرار… وأسوار..

ولكن حياة أينشتاين الخاصة فاضت بالفشل لدرجة الطفح من فوق الأسوار..

رغم أن اختياراته العملية – والعلمية – كانت ناجحة..

وقيل إن الذي نجح في حل كثير من الألغاز الكونية فشل في حل ألغازه المنزلية..

وربما ذلك لأن لغز المرأة أشد تعقيداً..

فأوباما مثلاً – كما ذكرت – كان أول دفعته… والتحق بهارفارد… واختار القانون..

وكان بمقدوره دراسة الطب… أو الهندسة… أو الفيزياء..

ولكنه أصر على اختياره؛ فصار رئيس الولايات المتحدة… واشتهر..

ومحمد أحمد المحجوب كان أول دفعته؛ واختار الطب..

اختاره إرضاءً لأسرته… وأهله… وعشيرته… وثقافة العقل الجمعي للناس..

ثم اختار الخيار الثاني إرضاءً لنفسه هذه المرة؛ القانون..

فصار محامياً وقاصاً وأديباً شهيراً؛ وسياسياً ودبلوماسياً ورئيس دولة أشهر..

والترابي كان أول دفعته؛ وبفارق كبير..

ولم يختر من بين كليات الجامعة سوى القانون؛ غير عابئٍ بخيارات الآخرين..

فصار حسن الترابي المعروف؛ اختلفنا أو – اتفقنا – إزاءه..

وأنيس منصور كان أول الشهادة المصرية؛ وهو طوال مراحل دراسته الأول..

واختار الفلسفة بمحض إرادته؛ وقال إنه حرٌّ في اختياراته..

ثم اختار – عقب تخرجه بامتياز – الصحافة..

وصار أنيس منصور الذي لا يحتاج إلى تعريف؛ عربياً… وإقليمياً… وعالمياً..

وختاماً؛ كل الذين ذكرناهم هنا – كنماذج – نجحوا في اختياراتهم… مع الشهرة..

ولا يبدو أن منهم من ندم على اختياره..

ولا شخصي أيضاً؛ بيد أن الفرق بيني وبينهم أنهم سعدوا باختياراتهم هذه..

بينما أصابتني تعاسةٌ أنا..

فهم جميعهم صاروا ملء السمع والبصر..

وكاتب هذه السطور – في اتجاه معاكس – اختار الفلسفة؛ ثم الصحافة..

فعاش لحظات عدمٍ اختياري؛ ثم سنوات عدمٍ حياتي..

فحاكى حاله حال المغني:

يا عيون ابكِ دمع الدم…

الزمان بعــذابي حــكم…

سواء ما قبل الثورة – أيام نظام المعزول – أو ما بعدها..

فلم يصر – أبداً – ملء السمع والبصر..

وإنما……..

الدمع والسهر!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى