علي مهدي يكتب : القاهرة التي نحب ونعشق تحتفي بالإنسان وفُنونها فُنون العصر  المُتجدِّد

 

11ديسمبر2021م 

مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وثلاثة عُقُود من الإبداع والترقية والتطوير

عُدت يا سادتي من جديد من القاهرة التي أحب وأعشق، وقد منحتني يومها وأنا في بدايات التعرف على دروب الفنون خارج الوطن محبتها، وجلستني بعدها على منصات الإبداع، وتنظيم حركة الإبداع العربية لعقدين من الزمان، تنقص قليلاً، كنت فيها شريكًا مؤسسًا للاتحاد العام للفنانين العرب، يوم جئنا من كل  عواصم العرب نرفع رايات وشارات الاتفاق، وأمضيت من مكتبي في ١٧/ شارع قصر النيل، أسهم في إدارة التعاون العربي العربي للفنون، فخرجت من المبنى العتيق المبادرات الخلاقة، وتجمع الفنانون تحت رايات الاتحاد، ومشت نحو العواصم العربية في تحد وقدرة على أن تكون، فجلست العروض المشتركة، مثل مسرحية (وا قدساه) كتبها الأستاذ يسري الجندي, ووقفت الى جانب الحبيب المخرج الكبير عصام السيد مساعداً، ثم مشخصاتياً، وقف العرض العربي المشترك من إنتاج الاتحاد العام للفنانين العرب ومن مقره الأشهر في القاهرة البهية، على مسارح العرب العتيقة والحديثة، وأضحت حديث الناس بكل اللغات فهمًا وعشقًا للفنون عندما تعبر عن أشواق الناس للاتفاق والاتحاد. كانت المبادرات يومها مقبولة، والقاهرة الضامن الرئيسي لها، بكل قدراتها السياسية والدبلوماسية وغير ذلك من المُمكن، وأوحت بعدها لميلاد أفضل الشراكات، كنا نحكم ولا نملك في التوجيه الكثير. ومنها قاهرة الجمال والفنانون الأجمل انبعثت للآخرين فرص التواجد في المشهد الفني القومي، والتعبير ليس مني، لكنه كان وقتها الأهم، النظر بالتقدير، ثم الاهتمام عن قُرب عن ما يجري فيها مدينة الإبداع العربي، والجسر الموجب المفضي بينها والآخر في العوالم المفتوحة على فنون العصر، القاهرة التي نحب ونعشق تفتح أبواب مسارحها الكبرى الأحدث، والفخمة الأقدم، للناس كل الناس، يأتون من مسافات أبعد، بكل تنوع وأشكال الفنون الأدائية، المسرح الذي في الخيال بالتصاوير القديمة، مشت به التجارب نحو أبعد ما يكون من خيالنا الأقدم، خشبة، مسطبة، دكة ترتفع قليلاً، أو أعلى، ونظارة  جلوس مع انتباه صادق، تلك الحكايات القديمة عن الميلاد، ولها صُورٌ مُغايرةٌ من هنا وهناك، لكنها ام الدنيا نظرت من عندها، وهي المؤسس لفنون المسرح المتنوعة، ففتحت أبواب مسارحها لأكبر فرص اللقاء في مهرجانها الأشهر ومن الأقدم والأكثر انفتاحاً على الآخر مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي, سبعة وعشرون دورة تمشي بفنون الأداءات نحو الأفضل فالأحسن. تابعت المهرجان منذ دورات التأسيس الأولى بما فيها من قدرات على التحدي والبحث عن التجارب الجديدة، فشكّل المهرجان بتنوع البرامج منصة إبداعية, إقليمية ودولية، تمشي معها الأفكار لتكون مُمكنة. والآن المهرجان يفتح الثلاثاء أبواب مسارحها بالقاهرة الأكثر بهاءً وبهجةً بعروض متنوعة تعبر بالقدر المستطاع عنها التجارب الأحدث من كل أنحاء العالم, والمهرجان في بادرة تشبه القاهرة التي نحب ونعشق وتقدر أبناءها المُخلصين, تسمي هذه الدورة باسم المؤسس المعلم والعالم الراحل الدكتور فوزي فهمي الرئيس السابق للمهرجان, وقد عملنا معًا لأكثر من ثلاثة عشر عاماً نتشارك في المكتب وفي الأسفار والتنقلات بين عواصم العالم، كان رئيساً للاتحاد بعد انتقال المؤسس سعد وهبة للرحمة الواسعة، وكنت أمينًا عامًا، قريبًا منه، وهو يدير مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي لسنوات، مع مسؤوليات أخرى في التعليم والعمل التنفيذي، كنت أحاول أن أسهم معه بالقدر المستطاع، وخاصّةً في المشاركات الدولية للفنانين والأساتذة والعروض المتميزة.

هذه الدورة المتميزة، والتي تأتي بعد غياب قهري بسبب الجائحة ومثل السابقات برعاية الفنانة معالي وزيرة الثقافة المبدعة إيناس عبد الدائم، وقد عرفتها لسنوات، نتسابق لنجلس, نستمع في بهجة وسرور وهي تشارك الأوركسترا الكبرى في دار الأوبرا بالقاهرة، أو في واحدة من العواصم التي تحتفي بموسيقى العصر وبها فنانة وعازفة ماهرة، لم تمنعها مسؤوليات التخطيط ومتابعة التنفيذ في واحدة من أكثر وزارات الثقافة العربية انشغالاً بحركة الفنون. انظر لخرائط الأنشطة والبرامج، لا تنهي الأحداث الثقافية فيها مصر وهي حاضرة ومركز الإشعاع للثقافة والفنون والفكر العربي، وبأنها القاهرة كنا نحن ثم نحج دومًا وبالقدر المستطاع للحضور والمشاركة والإسهام في مختلف الفعاليات التي تنظمها ولكن كنت حريصًا جدًا على مشاركة المسرح السوداني منذ التأسيس ولم نغب كثيرًا وحُظيت ومسرح البقعة بثلاث مشاركات عبر عروض مسرحية, الأولى كانت فرجة (سلمان الزغرات سيد سنار) حوار الحبيب الراحل عثمان جمال الدين ومن تكويني، عرضت أول مرة في (باريس) على مسرح العالم العربي، وبعدها فرجة (بين سنار وعيذاب)، من نص لسيدي الدكتور يوسف عيدابي مع تكوين فرجة قديمة، وتلاقى مع الفكرة الأحدث في بناء الصورة، ثم (عرس الزين) لسيدي الطب صالح، وكلها عُرضت على (مسرح السلام) في شارع قصر النيل، وأخيراً عرضي المشترك مع المخرج الألماني (الكسندر استل مارك) يوم تشاركنا في واحدة من أهم ورش الإعداد في مدينة (اشتودغارد) ألمانيا. واستخدامات مغايرة للصورة، عرضها كان في فضاء مبنى الأوبرا في الهواء، وبين جمهور وقف وجلس في دائرة، هي فضاء العرض كما فعلنا يوم سعينا لاستخدامات الفنون الأدائية من أجل السلام. وتأتينا الدورة الثامنة والعشرون للمهرجان جديدة في كل شيءٍ, يرأسها الصديق المبدع الفنان الدكتور جمال ياقوت ويُديرها الفنانان الدكتور محمد الشافعي والأستاذ سعد قابيل وتضم عددًا طيبًا من خبراء الفنون والتنظيم والإدارة, لذلك جاءت البرامج في أفضل حالاتها بالإضافة للعروض الدولية وهي مُتنوِّعة ويعود السودان للمسابقة الدولية بعرض (النسر يسترد أجنحته), لمنطقة صناعة العرض مبادرة خلاقة تبحث عن أفكار وصور جديدة وبناء مغاير للعروض, العرض قُدِّم في الخرطوم في الأشهر الماضية, فهو الأحدث صناعةً ويقف خلف المشروع والعرض التجربة المخرج وليد الألفي وله مشاركات في مهرجان البقعة الدولي للمسرح وحاصل على جوائز في دورات مختلفة, كما قدم بعض اعماله في الجزائر وهولندا, وننتظر أن تحقق التجربة نتائج طيبة, كما الدورة بالإضافة للعروض العربية والأوروبية والآسيوية وغيرها, تشهد فعاليات علمية مهمة, منها الورش العملية في مختلف فنون الأداء, سبعة من الأساتذة والخبراء من ثقافات متعددة ومتنوعة قصدت ادارة المهرجان هذا التنوع الإبداعي لإتاحة أوسع الفرص للفنانين الشباب بلغ عدد المشاركين أكثر من خمسة آلاف شاب وشابة وتنتقل الورش الفنية كما العروض للإقليم, مصر, توسيعاً لدائرة المشاركة وللاستفادة من برامج المهرجان. والتي تتصل أيضاً بالحوار العلمي, فهناك أكثر من لقاء وحوار سيفضي لنتائج ستشكل إضافة لمشهد المعارف الفنية والإبداعية.

هذه الدورة هي عندي مفتاح للكثير في القادم من تواريخ الفنون المصرية والعربية, ويمتد تأثيرها إقليمياً ودوليًا أهمها عندي مبادرة معالي الوزيرة الأستاذة إيناس عبد الدائم في شأن التنسيق بين المهرجانات العربية, وقد قلنا في ذلك وسعينا كثيرًا لأهمية وضرورات التنسيق, تفرضهما علاقاتنا الدولية, فجاء مقترحها المنير تأسيس شبكة المهرجانات العربية وهو عندي منصة للتشاور والتفكر, واذهب بعيدًا للتعاون في البرامج, وفرص التمويل التنسيق أمر سيدفع بالمشهد الإبداعي لآفاق أرحب,

كنا في البقعة المباركة قد سعينا قبل سنوات، ثم في فضاءات أخرى، لكنها القاهرة كما تعوّدنا تجمعنا للخير وفي خير، وغداً تمشي فكرة الشبكة لتصبح مُمكنةً، وهكذا مصر الدولة وأوساط الفنون فيها تلعب أدوارها دومًا في أن تكون فكرة اللقاء ممكنة.

كل عام ومصر ومهرجانها الأهم في أحسن الأحوال، يعطي بلا حدود.

أكتب دهاليزي بعدها من عندها من شارع الأشراف، من عند السيدة غفيرة مصر، من الأماكن التي عرفتها وعشقتها…

مصر يا أخت بلادي يا شقيقة

ثم إن عندي جرح برحيل الأحباب، فلم أكتب

فلا دمعة تبل الريق، ولا بكاء يحل الفؤاد.

والكلمات تركض من قلمي، حزني فوق الحرف وأكثر، لكنها مصر وحالاتها المبهجة المبدعة تدفع فينا أملاً وفرصاً للغد بلا أحزان.

نعم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى