أحمد موسى قريعي يكتب: الإسلام السِّياسي.. يوميات البارود والدم (7)

الإسلام السِّياسي.. يوميات البارود والدم (7)

الجبهة الإسلامية القومية (5)

نظام البيعة وشُروط العضوية

هُنالك مجموعة من الشروط والولاءات و”الإيمانات” المُغلظة التي يجب على من يُريد الالتحاق بإخوان السودان، أو إخوان مصر أن يتجاوزها وإلا تعثّرت مسيرته الإيمانية داخل الحركة. فقد اشترطت اللائحة العامة لإخوان السودان في “العضو الإيماني” الجديد أن يكون مُسلماً يعرف مقاصد الدعوة ووسائلها، ثم يتعهّد بمناصرة واحترام نظامها الأساسي، والنهوض بواجبات عُضويته. فإذا توافرت فيه هذه الشُّروط يحق لإدارة الشُّعبة التي ينتمي إليها قبول عُضويته, لكن بعد أن يؤدي “قسم البيعة” فيقول بعد أن يتوضأ ويضع يده على المصحف: “أنا فلان بن فلان أعاهد الله العلي العظيم على التمسُّك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأقسم بالله العظيم على ذلك وأبايع عليه والله على ما أقول وكيل”.

كيف يحق لشخص عاقل يتمتّع بالعقل والفطرة السوية أن يرهق نفسه بكلام لا فائدة له سوى “الطاعة العمياء”؟. فهذه الجماعات تُربي أتباعها وكوادرها على الخنوع والانكسار وعدم التفكير، لأنّهم بهذا القسم يأخذون عقل “المُبايع” ويتركون له بدلاً منه “التمسُّك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عُضويتها والثقة التامّة بقيادتها والسَّمع والطَاعة في المنشط والمكره”.

ليت الأمر يقف عند هذا “الحد المُهين”, فالعضو الجديد بعد “إلغاء عقله” يطالبونه بفترة اختبار لا تقل عن ستة أشهر، بعدها تعتمد عضويته من المركز العام، ويؤذن له بأداء البيعة بناءً على طلب الشُّعبة، فيقوم رئيس الشُّعبة أو مَن يقوم مقامه بمُبايعته نيابة عن المرشد العام. ثم على كل عضو أن يفرض على نفسه اشتراكاً مالياً شهرياً أو سنوياً يقوم بتسديده بانتظام، ولا يمنع ذلك من المُساهمة في نفقات الدعوة بالتبرع أو الوصية أو الوقف أو جميعها معاً، كما أن “للدعوة الإخوانية” حقاً في زكاة أموال الأعضاء القادرين على ذلك، ويعفي من كل هذه التكاليف المالية غير المُستطيعين بقرار من إدارة الشُّعبة بعد التأكد من حالة عدم الاِستطاعة، وكل ما يُدفع لا يجوز طلب ردّه بأيِّ حال من الأحوال.

أما إذا قصّر العضو في واجب من واجباته أو فرّط في بعض حقوق الدعوة, يجوز لرئيس الشُّعبة التي ينتمي إليها أن يلفت نظره إلى هذا التقصير ويعمل على إصلاحه بالوسائل الجدية، وإذا عَادَ إلى التّقصير مرة أخرى، كان لمجلس الشُّعبة أن ينذره أو يوقع عليه “غرامة مالية” أو إيقافه لمدة لا تزيد عن شهر أو إعفاءه نهائياً من العضوية.

بالطبع نظام البيعة لا يُناسب “العقل الرقمي” الذي يتمتّع به الإنسان الآن، وبالتالي لا أعتقد أن يُبايع إنسان يعيش في عصر ما بعد الحداثة إنساناً مثله على “الطاعة والثقة التامة” اللهم إلا إذا كَانَ يُعَاني من اختلالات سيكولوجية مُتأخِّرة.

إذن مشكلة الإخوان تكمن في “العقل الجمعي” الذي يُفكِّرون به، فهذا العقل ظلّ على الدوام يَستدعي تلك الحقبة الإسلامية الخيِّرة ليستعير منها طريقة التفكير والحكم على الأشياء رغم اختلاف الظروف الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، ورغم بُعد المسافة الزمانية الفاصلة بينهم. وبالتأكيد ستكون نتيجة هذا “القياس الأحمق” تضليل الناس واللعب بعواطفهم وأدمغتهم.

الغريب في كل هذه “الجوطة الفكرية” أنّ الحركة الإسلامية السياسية في السودان تُعاني ضعفاً فكرياً لا يتناسب مع خبرتهم الطويلة في الحكم والمُعارضة، فقد ظلّت الحركة تستدعي “صباح مساء” فكرة “الحاكم العادل” و”الدولة الفاضلة” ولكن لتعبئة جماهير “الشجرة الخضراء”.

فقد استلهم الترابي هذه الأفكار الرجعية الكاذبة من فلاسفة المدرسة الإسلامية في القرون الوسطى الذين وضعوا “البنيات” الأولية لحركة الإسلام السياسي التي نتحدّث عنها الآن. ثم حاول الشيخ أن يضيف إليها “ضحكته” و”فهلوته” وبعض الرتوش التي تقارب بعض أفكار عصرنا الحالي.

لكن كانت إضافاته عاطفية واستهلاكية وخيالية، لا معنى لها، لأنها لم تقدم إجابات واقعية ومقبولة لحل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يُعاني منها السودان الآن. فالإسلام السياسي السوداني يفتقر للفكر المُستنير والأدوات الفكرية اللازمة للسير في الطريق من جديدٍ.

يبدو أنّ الحركة الإسلامية السودانية قد أنهت دورها في عصر الوسائط الاجتماعيّة، وعادت من حيث أتت إلى ظلام القرون السَّلفية الأولى. بعد أن عجزت على مُسايرة ومُجاراة الحداثة والانفتاح والتغيير، بسبب إصرارها على عقيدة “الإسلام القتالي” التي ترفض الآخر.

النيوليبرالية الترابية

يُمكن تعريف النيوليبرالية بأنّها تمديد السوق التّنافُسية إلى كل مَنَاحِي الحياة، بما في ذلك الاقتصاد والسِّياسات وأخلاق المُجتمع. فالسِّياسات الاقتصادية النيوليبرالية في حقيقتها تقوم على تحرير السوق والتجارة، وخصخصة الخدمات الاجتماعية، ومنح الأولوية لتعزيز الحرية المالية. كما أنّ النيوليبرالية الترابية تعمل على رفاه “الكوز الإخواني” على حساب مجموع شعب السودان. لذلك نجد “الكويز الإنقاذي” يؤمن بمبادئ السوق، ويعتبر نفسه شخصاً قادراً على الابتكار والبيع والتستُّر بالدين.

الحقيقة أنّ “النيوليبرالية الترابية” في أصلها شَكلٌ من أشكال الرأسمالية السِّياسيَّة الطفيليَّة المُعادية للاشتراكية وقيمة المجموعة. وهذا حقيقي لأنّنا نادراً ما نجد حركة واحدة من حركات الإسلام السياسي مُناوئة للرأسمالية أو مُعادية لاقتصاديات السوق.

يتبع….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى