منى أبو زيد تكتب: الرشح والزكام..!

هناك فرق

منى أبو زيد

الرشح والزكام..!

“نحن نساء مع رجالنا، رجال من غيرهم”.. علية بنت المهدي..!

إذا رأيتم رجلاً يعامل امرأةً بفتورٍ أو عدائية بعد أن كان يهش ويبش في وجهها فتأكدوا من أنها قد ضربته على أم رأسه باتخاذها موقفاً احتجاجياً من تجاوزه للمسموح ومحاولته اختراق حاجز الرصانة والاحترام الذي لا بد أن يظل قائماً بين أي رجل وأية امرأة لا تربطهما صلة قربى أو زواج..!

وما بين رصانة العلاقة الرسمية وابتذال التجاوزات الخارجة توجد منطقة وسطى مهمشة، غير مأهولة بالكثيرين، على الرغم من غناها بالموارد الطبيعية هي منطقة الصداقة النظيفة بين الجنسين. تلك الصداقات تعوِّل في نهوضها على النديَّة الفكرية، ونجاحها يكون مرهوناً بثبات الظروف المناخية التي تصاحب نشوءها وتساعد في نموها..!

في الغالب تصل المرأة المثقفة الواعية إلى هذه المنطقة الوسطى بسهولة ويسر وثقة كبيرة بالذات والصديق، بينما قد يتعثَّر الرجل ويتباطأ قبل أن يتمكّن من الوصول إليها سالماً وبعد قدر وافر من المماحكة والتلكؤ..!

الرجل المثقف الذي يزعم أنه يجيد التفريق بين “النساء” و”الحريم” – والذي لا يرضى بأن يكون أقل من فارس الأحلام في حياة الأنثى التي يراها متميزة وجديرة باحترامه ومودته – قد لا تسعفه كل الكتب والنظريات والنصوص المتحررة التي شرب مضامينها واقتبس من نورها إذا كان ذلك النِّد الفكري أو الثقافي أو الأكاديمي أو المهني امرأة بها مسحة من جمال..!

فما أن يلحظ هؤلاء بعض انعطافات الأنوثة تلك حتى يطوحون بالموضوعية والتجرد إلى أقرب “سَهَلَة” ثم ينتقلون بآلة الزمن إلى العصر الحجري أو إلى الطور الأول في نظرية داروين – لست أدري بالضبط – كل ما أدريه أنهم يتقهقرون على نحو مؤسف، فتعاني “بنت الناس” المارقة للعمل العام من الخجل والإحباط والحُزن جراء نوبات التبسم الهستيري، والتصريحات الشخصية، والإيحاءات غير اللائقة..!

بينما يعيش البعض الآخر الذي يُغلِّب بصعوبة بالغة النزاهة والموضوعية على ذلك الإغراء – المتمثل في ركوب آلة الزمن إلى العصر الحجري – في مكابدة حقيقيّة من تغيُّرات الجو بعد انتقالهم إلى مناخ مغاير لما اعتادوا وشبوا عليه من موروثات ذكورية تبرز على السطح عند أول اختبار حقيقي لأبجدياتهم ومسلماتهم في تقييم نظرتهم إلى النساء..!

فيشكون انخفاض درجة الحرارة في تلك المنطقة، ويصابون بالرشح والزكام والحمى، ثم يواصلون التذمر والتأفف سراً دون أن يجرؤ أحدهم على البوح بذلك حتى لا يعلن رسوبه في اختبار الصداقة، ذلك الرسوب الذي قد ينفي ذيوعه الكثير من الادّعاءات التي يرددونها طوال الوقت عن إيمانهم بالندية الفكرية والحياد العاطفي وانعدام التمييز على أساس النوع..!

قد يعتاد هؤلاء على تلك الأجواء بعد أن يدب اليأس في قلب الواحد منهم من احتمال أن يكون هو “شهريار” تلك “الشهر زاد” الذكية، ومن ثبات تلك الأجواء المعتدلة التي لا تعتريها غيوم أو عواصف من أي نوع..!

قلة قليلة جداً من بين كل هؤلاء وأولئك هم الذين يعرفون ماذا يريدون بالضبط من أنفسهم قبل غيرهم، هؤلاء ينتقلون بمحض إرادتهم وبمُنتهى اليسر إلى تلك “المنطقة الوسطى” وينعمون بهوائها العليل النظيف، بينما يعيش المثقفون الأدعياء مع نزلات البرد ونوبات الزكام..!

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى