محمد طلب يكتب: ليلة كانت ليلة في جنة الفردوس

نترحم على روح الأستاذ السر قدور الذي اعتاد الناس في زمان برنامجه (أغاني اغاني) عندما تعجبهم ليلة من ليالي الفرح وجلساته أن يرددوا كانت (جلسة ما منظور مثيلا) وهي كذلك.

إلا أن العنوان أعلاه يعود لأغنية شعبية سمعتها أول مرة قبل عقود من الزمان أظنها عند الرائع محمود علي الحاج وظل مطلعها عالقاً بالذاكرة نسبة للأداء الرائع والإيقاع الراقص الجميل.. يقول مطلعها:

ليلة كانت ليلة في جنة الفردوس

شفنا فيها ملائكة تحف عريس وعروس

أما ليلتنا، ليلة الأربعاء الفاتح من يونيو فكانت ليلة شفنا فيها ملائكة (تحف نفوس ونفوس) لأنها كانت عُرساً أدبياً تمت فيها مناقشة الروائية الرائعة الدكتورة العطبراوية (ناهد قرناص) في باكورة إنتاجها الروائي (أنا الأخرى) والتي مر على إنتاجها وقتٌ ليس بالقصير فقد أعقبتها رواية أخرى وربما هناك ثالثة في الطريق كما علمت… فالروائية د. ناهد منطلقة بقوة وسرعة معقولة (ما شاء الله عليها) وربما تريد تعويض الفترة التي قضتها ومازالت في (عالم الحيوان) فهي طبيبة بيطرية تحمل درجات علمية رفيعة في هذا المجال والآن بعفوية وحرفية في ذات الوقت تغوص بنا في أعماق النفوس الإنسانية بقلم الأنثى و(أنا الأخرى).

حقيقة لم أكن أتوقع رؤية ومعايشة هذا الجمال في ظل الظروف الراهنة والمنعطف التاريخي الذي تمر به بلادنا الحبيبة… لكن يبدو أن هناك ضوء في آخر النفق وما زال للأدب والجمال والفنون مكان في نفوس أهلنا الطيبين…

المكان: مركز التعليم الترفيهي بأركويت لصاحبته أستاذة (صفوة) وداخله كان (صالون وفاء الأدبي) للدكتورة وفاء سعد عمر (مستشارة تربوية وكاتبة روائية) وأنا كنت هناك يدهشني احتشاد نون النسوة فأجدني أدندن:

(البديع الهواك سباني يا أخ البدر يا مكمل)… جمال وذوق وعلم وفهم… (باقي شنو تاني..!! ) غير أنها (جلسة ما منظور مثيلا).

الزمان: الأربعاء أول شهر يونيو… ولعلهن يتفألن (بالأربحة)  فقد علمت أنه برنامج ثابت كل أربعاء لكنها من كل أول الشهر لعلهن أردن كسر قول حبوباتهن وتشاؤمهن من (الأربحة) بقولهن (أربحاء وعقاب شهر) فنحمد الله أنه لم يكن (عقاب شهر) ولم تكن هناك (بليلة الأربعاء) بل (سناكز)….. وفي الأربعاء كثير من الأقوال القديمة والجديدة لا مجال لذكرها…

عقدين وأكثر من الزمان قضيتها في الغربة حلوها ومرها… نعود لنرى وجوه جميلة وأقوال مفيدة وأدب جم وروح ونشاط فني وابتسامات عريضة تهزأ بأي (عريض) غيرها… كان آخر عهدي بمثلها في مكتبة البشير الريح التي كانت ملتقى أدبي وفني تم اعتقال (جماعتنا) من هناك واتهامنا بأننا جماعة مؤثرة… وووو… رحلة طويلة من الضنى انتهت بالغربة الطويلة الممتازة…

افتتحت د. وفاء الحديث وسردت ملخص جيد للرواية (حافظاها صم).. ثم أعقبها الناقدان د. عز الدين ميرغني ود. فائز أحمد علي في تفكيك علمي للرواية وتناول جوانبها الفنية والأدبية وتفاصيلها الدقيقة ورؤية كل منهما لدقائقها ورقائقها وحواشيها وهوامشها لتفتح آفاق الحاضرين لطرح أفكارهم والتباساتهم حول الرواية بتوسع…

الرواية فيها استنطاق للذاكرة العطبراوية وربما هروب من واقع (الأنا) الأنثوي الشرقي عبر الأخرى أو الاختباء خلف هذه (الأخرى) لبث رسائل عن الواقع وله… تناولت الرواية قضايا سياسية واجتماعية ومجتمعية مهمة عبر حالة خاصة وشخصية للبطلة (آمال) والأخرى (اعتدال) تؤام البطلة والغير موجودة أصلاً في الواقع حيث توفيت وهي صغيرة لم يتعد عمرها (ربع سن الرضاعة)، أنصح القارئ بالاطلاع على هذه الرواية والاستمتاع بها وهذا ليس من باب الدعاية أو فليكن فالرواية تستحق أكثر من ذلك…

سجلت الليلة حضوراً جيداً لأدباء ونقاد وفنانين وصحفيين عظام من الجنسين، كنت (عنقالي) بينهم.

كما أود هنا أن أسجل اعجابي بهذا النور والجمال الذي يضيئ ليالي الخرطوم بمركز التعليم الترفيهي وصالونه الأدبي والقائمين على أمره، في هذا الظلام والظلم والرصاص والقتل والسحل يوجد بصيص أمل..

التحية لنون النسوة متمثلة في صفوة ووفاء وناهد و(الأخرى) والأخريات… كذلك مجموعة الشباب الرائع بلا شك كنتم كما نحب.

سلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى