الخبير المالي ورئيس منظمة أفريقيا العدالة حافظ إسماعيل محمد لـ(الصيحة): ما زالت المصارف تُعاني من عدم مُتابعة معايير عمل المصارف وفق الاتفاقيات الدولية

النظام البائد شرّد الكفاءات ومكّن محسوبيه في العمل المصرفي دون كفاءة وخبرة لنهب أموال الرأسمالية الوطنية

لن تنجح بورصات المنتجات في السودان لهذا السبب..!

على الدولة وقف الفساد المُستشري بالمصارف وتعيين آلية لتراقب بنك السودان المركزي

من أهم الأشياء الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية خاصةً الزراعية بشقيها النباتي والحيواني

حوار: هدى حامد

ألقى فساد النظام البائد بظلاله السالبة على مظاهر الحياة كونها استمر طيلة الثلاثين عاماً الماضية، حيث لا تزال تبعاته في نهب الأموال وتمكين المحسوبين والذين تم تعيينهم خاصة في المصارف دون خبرة أو كفاءة سارية حتى اليوم، وربما يحتاج التغيير الى كثير من الإجراءات الصارمة والقرارات الحاسمة من الدولة في أعلى بل وكل مستوياتها من أجل تعافي وانتعاش الوضع الاقتصادي ووقف التدهور في كل مجالات الحياة، مع الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية والتي من أهمها القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.

المستشار المالي ورئيس منظمة أفريقيا العدالة – فرع السودان حافظ اسماعيل محمد، مواليد الابيض من المنطقة الشرقية لجبال النوبة، خريج بنوك وتمويل وحاصل على زمالة المعهد البريطاني للتمويل وهو مستشار سياسي شارك في الكثير من المفاوضات بأبوجا ومشاكوس وغيرها.. والآن هو بالسودان يعمل من أجل وطن ديمقراطي من خلال منظمته (المنظمة الأفريقية للعدالة والتنمية – فرع السودان) وهي من منظمات المجتمع المدني الهادفة لإعمال مبدأ الديمقراطية والشفافية وسيادة حكم القانون وصناعة الدستور والهوية… التقيناه عبر هذه المساحة فكان هذا الحوار:-

بدايةً كيف تنظر للأوضاع الآن بعد ذهاب النظام البائد فيما يلي عمل المصارف السودانية خاصةً بعد أن تم رفع العقوبات الاقتصادية؟

البنوك لديها معايير عالمية وضعت بحسب اتفاقية (بادن) وحتى تتم موافقة مالية لا بد من اعتماد معيارين اساسيين يتمثلان في كفاية رأس المال وتوفر السيولة لسحب الأموال بمعنى توفير رصيد للعملاء، فبعض البنوك تقول انه ليست لديه سيولة، رغم ان اتفاقية بادن تلزم المؤسسات المصرفية بالايداع والصرف من حساب العملاء، والنظام السابق فصل الكفاءات والذين كانوا يتمتّعون بمعايير القدرة والكفاءة واستبدلوهم بآخرين من ذوي الانتماءات والولاءات الخاضعة لهم.. فعلى سبيل المثال كان في حساب بنك النيلين مبلغ وقدره 300 مليون دولار خارجي وودائع, إلاّ أن النظام البائد قام بتبديد أرصدة البنوك في شراء الأسلحة وتقديم تمويل غير سليم, في سعي ممنهج لنهب الأموال وتقديم ديون هالكة حققت خسائر لكافة البنوك المالية لا تتطابق اتفاقية بادن, وكانت بؤرة للفساد ولمستثمريهم قدموا تسهيلات بأقل من 10%.

كيف تدهور الوضع الاقتصادي ويضرب الفساد بأطنابه في مجال عمل البنوك والمصارف؟

هؤلا أخرجوا الرأسمالية الوطنية أمثال الشيخ مصطفى الأمين وأبو العلا عن طريق مصادرة أموالهم وممتلكاتهم, وأفقروهم ومن ثم أغلقوا مصانع النسيج والمؤسسات الاقتصادية الكبيرة.. فحدث الركود والانفلات التضخمي.. ولهذا فإن الاقتصاد السوداني يحتاج إلى هيكلة وكنس الفاسدين غير المؤهلين، وهؤلاء ما زالوا موجودين بالمناصب القيادية داخل البنوك.

قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على السودان وسمحت لبنوكها مع البنوك السودانية.. فهل اوفت الادارة الأمريكية بوعودها؟

بالفعل قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء  العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على البلاد, وسمحت إدارة الأصول الأمريكية بالتعامل مع البنوك السودانية, لكن هذا لا يعني العودة للمجتمع الدولي بصورة كاملة, فالعودة لا تتم إلاّ في حالة وقف غسل الأموال ومكافحة الفساد.. وتقوية أسس الرقابة, ومعرفة تقارير رؤوس الأموال, وتقديم خطابات الاعتماد والضمانات والتسهيلات العالمية, والخوف من الانهيار للوضع الأمني والتحدي الماثل الآن هو كيفية إعادة هيكلة البنوك السودانية, ودعم رؤوس الأموال مع استيفاء الشروط الاقتصادية والسياسية, فما زالت البنوك ضعيفة من ناحية الرقابة وقدراتها ورؤوس أموالها, وإحداث التغييرات التي تمكنها من مواكبة النظام العالمي، مثل مكافحة تهريب الأموال، للمساعدة في تمويل الإرهاب وإرجاع الأموال المنهوبة للخزينة العامة وذلك يتأتى بإدارة سياسية، لأن التمكين في البنوك كبير، ولا بد من وجود مختصين في عملية الرقابة، بعيداً عن المحاصصات الحزبية ولابد من وجود قيم النزاهة والشفافية في عملية مكافحة الفساد.

الآن توجد لجنة إزالة التمكين والتي تمضي في إزالة التمكين واستعادة الأموال المنهوبة إلاّ يعد ذلك فعلاً ذا قيمة في مجال اجتثاث الفساد؟

ما لم يتم اجتثاث الفساد كاملاً، لن يتغيّر الحال بصورة جذرية، وتقدّمنا بمذكرات لمجلس الوزراء وللجنة التمكين لمحاربة الفساد بالقطاع المصرفي ولدينا تجارب، فقد كوّنا في العام 1985م لجنة متخصصة ذات خبرة ودراية تعمل بمهنية دون اعتبارات سياسية إبان عهد الديمقراطية الثالثة، ولكن ذهبت الأوراق الى الزبالة.. فلا بد من إنشاء لجنة للتحقيق في الفساد بالبنوك ومراجعة التحاويل المالية خاصة في فترة العقوبات التي كانت ضد السودان خاصة ببنك أبوظبي لمتابعة الأموال، وإرجاعها للخزينة، خاصة إذا لم يتم غسلها وهذا كما ذكرت يحتاج لإرادة سياسية مع ضرورة تكوين لجنة تعمل بقدرة وكفاءة لمعالجة هذه القضايا.

البنك المركزي يقوم الآن بعمل مزادات للنقد الأجنبي خاصة بعد أن قامت الحكومة بانتهاج سياسات إصلاحية رفعت فيه يدها عن دعم المحروقات وغيره.. ما رأيك في أداء بنك السودان كبنك مركزي للدولة؟

بنك السودان يحتاج لتفكيك وإعادة هيكلة فهو الآن المالك والمُراقب، وهذا يجعل لقياداته العاملة يشعرون بتعارض مصالح, فعلى سبيل المثال حصيلة الصادر المُهرّبة، والأموال المُهرّبة والتي تكون مدعومة من الخزينة العامة لهذا يحتاج الى مراقبة ولا بد أن تكون الحكومة جادة في الإصلاح وتغيير مفاهيم النظام السابق من خلال إصلاح هذه المفاهيم وأن يتم تعيين مراقب لبنك لسودان.

يبدو أنّ السودان كان من الدول المُصنّفة في مجال تمويل الإرهاب وغسل الأموال.. فهل زالت توجسات المجتمع الدولي من هذه الوصمة بعد ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بالنظام البائد الذي كان يأوي الكثير من الاشخاص والمجموعات الإرهابية؟

غسل الأموال ومكافحة الإرهاب تتم على أساس الدول والأسماء للشخصيات الارهابية المتطرفة.. الغرب يعمل جاهداً لوقف غسل الأموال ومكافحة الإرهاب، مثلاً طالبان ساهمت في تمويل مصادرها عن طريق الأفيون، والسودان إبان فترة الانقاذ استضاف عدداً كبيراً من الإرهابيين، كأسامة بن لادن والذي كان وثيق الصلة بالإسلاميين السودانيين بدعوى الجهاد والإسلاميون مرتبطون بهذا الجانب.. وتم فتح حساب لهذه المجموعات.. لذا كان الغرب مُتردِّداً من التعامل مع الحكومة وربما ما زال بسبب البنية التحتية للإرهاب بالسودان.

إذن هل صار بمقدور المجتمع الدولي التعامل مع السودان.. بعد ذهاب النظام البائد؟

المجتمع الدولي لا يسمح بالتعامل بشكلٍ حُرٍ إلاّ بالرقابة على البنوك، فلا بُدّ من اجتثاث الفساد وأن يستعيد المجتمع الدولي الثقة، لإصلاح المُؤسّسات وفقًا لأسس والرؤية السليمة، وأن تنفصل الرقابة عن بنك السودان بقانون وكفاءات كالقضاء وغيره، حتى يسمح العالم لنا بالاستثمار للعبور بالبلاد، عن طريق إصلاح الوضع السياسي. المالي, القدرات البشرية، طريقة التعامل، المراجع العام، ولا بد للحكومة الاستفادة من التجارب فمثلاً البنوك هي الأساس للتطور الاقتصادي، وتؤثر السيولة في تدوير عجلة الاقتصاد عن طريق الاعتماد المالي الذي يسمح بالاستدانة من البنوك العالمية مع التزامها بالمعايير الدولية بإدارة سليمة في ظل عدم وجود غسل للأموال، مع إصلاح النظام المالي والمحاسبي بالإضافة لخلق فرص عمل لأبناء البلد.

عانى وما زال المواطنون يعانون من الضائقة المعيشية وشظف العيش.. كاقتصادي ومستشار مالي.. كيف يمكن أن يخرج السودانيون من هذا الوضع الاقتصادي المُتأزِّم؟

الضائقة المعيشية مربوطة بالاقتصاد الكلي، وفي ظل العجز في ميزان المدفوعات وقيام الحكومة بطباعة النقود فإن ذلك يسهم في زيادة التضخم ويتسبّب في تآكل القيمة للعملة المحلية، ولا بد من الإصلاح الهيكلي للأنشط الزراعية التحويلية وإعطاء قيمة مضافة لتصلنا عملة صعبة تسهم في توفير فرص عمل للشباب حتى ينصلح الاقتصاد، وتشجيع الإنتاج وسياسة الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها الحكومة وضاعفت من الأسعار، خاصةً وأن مسألة رفع أسعار المحروقات عانت منه قطاعات كبيرة من المواطنين خاصة العاملين في قطاع المزارعين والذين عانوا كثيرا بسبب مضاعفة اسعار الوقود 6 مرات وهذا بدوره أدى الى تناقص النمو الاقتصادي واثّر بصورة سالبة على قنوات الري، واذا لم ينصلح القطاع الاقتصادي لضعف البنية التحتية فإنه لن ينصلح حال البلد, فلا بد من عمل اجراءات جريئة لرفع الدعم، خاصة بالقطاع الزراعي، إذ لا بد من توفير التقاوي خاصة للزراعة المطرية، وكذلك توفير الجازولين والاهتمام بالثروة الحيوانية باعتبارها تُشكِّل مصدراً للعملة الصعبة وتساهم في دعم الموارد وميزان المدفوعات.

في أبريل المنصرم أقيم مؤتمر عن الصمغ العربي بمدينة الأبيض.. وجّه فيه رئيس مجلس الوزراء بضرورة إنشاء بورصة للصمغ الغربي.. فهل ترى أن ذلك سيسهم في الاستفادة من هذا المنتج المهم؟

إذا كانت لدينا سلعة لا نستطيع ضمان استقرار سعرها فكيف نتوقع الاستفادة منها؟ فالتعامل لدينا يتم بالجنيه السوداني، وفي ظل عدم استقرار سعر الصرف فإننا لا نستطيع فرض شروط على العمل التجاري كالضرائب وسعر الصرف ولا يوجد احتياطي نقدي وكذلك لا نستطيع التحكم في آليات السوق، الوضع الاقتصادي لدينا متهالك وعملتنا قابلة للانهيار، يجب التركيز على أن يكون القطاعات الإنتاجية حتى نستطيع السيطرة على الاقتصاد.. فحصيلة الصادر يجب أن لا تسلم للمصدرين، بل يجب إنشاء محفظة للاستيراد, وذلك منعاً لتهريب رأس المال ورفع أو بيع حصيلة الصادر، فتسهيلات البنوك استخدمت في التخزين والاحتكار وتجارة العملة للقطاعات الاقتصادية, وللأسف فإن الدولة ما زالت تعاني من سُوء إدارة موارد البلاد.. والقطاعات الزراعية غير مُنتجة بسبب الاتجاه للتعدين وتوقف الدعم للقطاعات الزراعية وهي أساس التنمية سواء كانت مروية أو مطرية, ولا بد من تقديم استثمارات وبرامج وخطط.

النظام البائد استخدم البنوك لتدمير البلاد وحاربوا الرأسمالية الوطنية بشروط تعجيزية غير عادلة وعرضوها للخسارة بنهب ممنهج عن طريق أصول البنوك ورجوع الأموال للخزينة العامة. فلا بد من أن يعود السودان للتعامل مع المجتمع الدولي بضمان الاعتمادات المالية رجوعاً كاملاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى