بهاءالدين قمرالدين يكتب.. ولماذا لا يَحدث انقلابٌ؟! (2)

لقد ضَاقَ الحال بالشعب السوداني وأصابه الإحباط واليأس والقنوط من حكومة الفترة الانتقالية و(قِنع من خير فيها),  وضرب الناس الفقر والإفقار والجوع والمسغبة، جراء السياسات الاقتصادية العرجاء  للحكومة، لدرجة أن أصبحوا عاجزين عن توفير المأكل والمشرب ولقمة العيش الكريم لأسرهم وأطفالهم الصغار، وفي ظل الارتفاع الجنوني لأسعار السلع والمواد الاستهلاكية، أصبحنا غير قادرين على توفير وجبة (العدس) و(موية الفول) و(البوش) لفلذات الأكباد، لقد أضحت حياة الشعب جحيماً لا يُطاق و(نار حمراء) ومعاناة تفضي إلى معاناة, وعذاباً يولد عذاباً آخر أشد وأنكأ!

وصار الدواء والعلاج غالياً جداً وبعيد المنال وليس في مقدور الفقراء والمساكين والسواد الأعظم، وصار الناس يتداوون بالأعشاب والأدوية الشعبية والوصفات البلدية، مثل القرض والحلبة والحرجل وغيرها من ما تفتقت عليه عقلية التعايش مع الواقع المرير, والتغلب على المرض والفقر أو إن شئت الدقة فقل سياسة الإفقار المُمنهج والمقصود!

أما حال التعليم فهو أسوأ ومُحزنٌ, فقد صارت المدارس الخاصة هي سيدة الموقف بعد أن تم تدمير التعليم الحكومي وتكدّست المدارس الحكومية بأعداد الطلاب الكبيرة حتى ضاقت بهم الفصول ذات الحال المُزري والمهين والمُؤسف!

وفي ظل تردي التعليم الحكومي؛ فرض أصحاب المدارس الخاصة رسوماً فلكية بزيادات كبيرة فاقت الـ(500%)، وصار التعليم فقط للمقتدرين وأصحاب الأموال، اما العامة واصحاب الدخل المحدود, ورزق اليوم باليوم، فلا عزاء لهم, وغضت الحكومة الطرف عن الزيادات الخيالية لرسوم المدارس الخاصة ولم تحدد رسوماً معقولة ومناسبة في مقدور الفقراء والمُوظّفين!

لقد أصبح حال السودان اليوم قاتلاً وطارداً، بُؤساً وفقراً وجحيماً وسجناً كبيراً!

وبالمقابل، غابت الحكومة وانسحبت عن السوق وحياة الناس ومعاناتهم، وتركت المواطن يكتوي بنيران الأسعار المشتعلة, ولم تعمل على كبح جماح التجار الجشعين, ولم تلتفت لأنّاتهم وشكاويهم، فاضطر الفقراء لبيع كل شئ يملكونه مثل أنبوبة الغاز والتلفزيونات والأجهزة الكهربائية بل وحتى الكراسي والترابيز وأسِرّة النوم، حتى يتمكنوا من توفير اللقمة والطعام لبطون ابنائهم الجائعة والخاوية!

لقد اصبح حال البلد والواقع الاقتصادي والمعيشي الآن، أسوأ من زمن الإنقاذ وبكثير، بل عاود الناس الحنين لعهد الإنقاذ البائد وصاروا يتمنّون عودته ويقولون (حليل زمن البشير)، كنا ماكلين وشاربين وعايشين في أمان، لا نهب ولا سرقة ولا قتل ولا جوع!

للأسف، فقد فشلت حكومة الثورة في توفير قُوت الشعب وتحقيق مطالبه في حياة كريمة, وانفرط عقد الأمن, وبل زادت واستفحلت الأسباب التي دفعت الشعب للخروج إلى الشارع وإسقاط الإنقاذ من انعدام للخُبز ووقود وغاز وغيرها!

وفقد الشعب السوداني، الثقة في حكومة الثورة والفترة الانتقالية التي التف حولها ذات يوم وساندها ودعمها ومنحها كل الحب والثقة, لتكون له منقذاً من التجويع والإفقار، ولكن هيهات ثم هيهات، يبدو أنه قد كُتب عليه الشقاء والعذاب الى يوم القيامة!

وبسبب كل ذلك، فقدت الحكومة السند الجماهيري والدعم الشعبي، وصار الناس يتمنون زوالها اليوم قبل الغد، فهي قد خذلتهم وتنكرت لهم, ولم تحقق مطالبهم, وانشغل قادتها ووزراؤها بصراعات السلطة والبقاء في الكراسي, ونسوا أوجاع الشعب وآلامه وفقره وبُؤسه!

كل ذلك جعل الأجواء قابلةً ومهيأة لحدوث انقلاب عسكري أو مدني, وصارت كل الاحتمالات مفتوحة، فقد بلغت درجة الاحتقان والغليان في نفوس الشعب حدّ الانفجار, سيما وهو يرى الشركاء وأحزاب السلطة يتصارعون ويتقاتلون فيما بينهم, ضاربين بمعاناته عرض الحائط!

لذلك كان حدوث انقلاب امراً متوقعاً للحد البعيد، بل ومقبولاً وسيرحب به الشعب السوداني ويدعمونه ويُساندونه، عسى أن يُغيِّر الواقع المُؤلم ويبدله إلى الأحسن والأفضل!

ونواصل،،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى