عبد الله مسار يكتب : المحكمة الجنائية وتسليم البشير (١)

 

المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة  أُنشأت بضغوط من المنظمات الأوروبية غير الحكومية, وبمتابعة وتشجيع من الاتحاد الأوروبي  وهذه المنظمات هي التي ضغطت  على اللجنة التحضيرية في عام ١٩٩٤م لإنشاء هذه المحكمة  بمُوجب مذكرات ومسودات  أُعدّت قبل إعلان روما  الذي نشأت بموجبه هذه المحكمة  الذي أصيغ/// من اللجنة التحضيرية في عام ١٩٩٨م.

قامت الدول الأوروبية بضغوط كبيرة وشديدة  على أغلب دول العالم الثالث الضعيفة والمُستضعفة  وحشدها للتوقيع على  إعلان روما في عام ١٩٩٨م  أو الانضمام إليه لاحقاً  دُون مُناقشته المُناقشة الواعية المُستفيضة  أخضعتها/// لقبوله كاملاً أو رفضه.

وهي محكمة قامت وأُنشأت على غرار محكمة نورمبيرغ التي أقامها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية  لمحاكمة الضباط الألمان  بعد انتصار الحلفاء.

نادت المنظمات الطوعية الأوروبية  بإقامة محكمة  تُغطِّي الهدف الإنساني وحماية الدول الضعيفة  من انتهاكات دولها أو قيادييها للقانون الدولي الإنساني أو ميثاق حقوق الإنسان،  ولكن الدافع الفعلي والحقيقي ليس تطبيق القانون الدولي الإنساني، ولا حماية حقوق الإنسان،  ولكن هو مساندة الدول الكبرى في الاستعمار الجديد لأفريقيا لتحقيق أغراض غير إنسانية وذلك بتركيع الدول المُعاندة والخارجة عن الطوق  بطريقة انتهازية غير أخلاقية.

وتستعمل المحكمة  كعصاة  لضرب المُعاند من هذه الدول،  بل لتمرير أجندات أخرى ببوابة  أحكام قضائية  وفق القانون الدولي، يعني هي وسيلة ضغط بالقانون  للدول الضعيفة لتدخل في بيت طاعة الدول الكبرى والمجتمع الدولي  وتأخذ الشكل القانوني،  وليتم ذلك  تستخدم المحكمة التي لا سند لها  من القانون  لتكون أداة حرب ضد الدول العدو  وذلك بالاستغلال البشع  للقانون  ليكون آلة ضغط ضد أعداء  النظام العالمي الجديد  لخدمة مصالح واستراتيجية هذه الدول في معركة غير مُتكافئة.

أنشأت هذه المحكمة  بعد توقيع ٦٠ دولة على  ميثاق روما في عام ٢٠٠٢م  وبحضور أقل من نصف هذا العدد لاجتماع التأسيس،  وقامت المحكمة  بتعيين القضاة دون الخُضُوع لمعايير الكفاءة القانونية  المُتميِّزة عالمياً،  ولكن خُضعت للمعايير التجارية وذلك لضمان العائد من التعيين  وتم كل ذلك بإشراف  مباشر من الاتحاد  الأوروبي.

وأغلب الذين شملهم التعيين،  موظفون تقاعدوا عن الخدمة  أو فاقد سياسي أو دبلوماسيون منتظرون وظيفة ما في مكان آخر  وبعضهم عُيِّن وهو ليس بقانوني، كل ذلك تم باعتبار أن دول هؤلاء العاملين في المحكمة هي التي تُموِّل المحكمة.

على العموم جوقة سلطان جاءت بهم الدول دافعة الدولار.

تسيطر على المحكمة بريطانيا وفرنسا  وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وهي دول صاحبة سجل استعماري أسود وتدفع حوالي ستين في المائة  من موازنة المحكمة السنوية،  وهي تدل/// تسير/// مباشرة على سير المحكمة،  بل تأثيرها//// يمتد  حتى الى اختيار المدعي العام والقضاة  والمستشارين ومساعدي المدعي العام،  لأنها تسخدم  المحكمة عبر هؤلاء  لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية في أفريقيا.

تم في عام ٢٠٠٦م  توقيع اتفاق حصانة  لحماية المواطن الأوروبي  بين المحكمة والاتحاد الأوروبي، تم بموجبه منع محاكمة أي شخص أوروبي في هذه المحكمة  وبذلك ضمت عدم العقاب لأي مواطن أوروبي وصارت المحكمة قاصرة على الأفارقة  وكل نشاطه مُوجّه نحو أفريقيا  وهي تتصيّد المسؤولين الأفارقة ممن خارج طول دول الاستعمار الجديد///،  وللعلم جميع المطلوبين للمحكمة من شريحة هولاء العصاة.

هذه المحكمة رفضتها دول كبرى  كالولايات المتحدة الأمريكية  وروسيا والصين واليابان وإندونيسيا  وغيرها، وهذه المحكمة الدول التي لم تنضم إليها  حوالي ثلثي سكان العالم.

ومما يهم أن ميثاقها ينص على  ولايتها على الموقعين عليها  أو القضايا التي يحيلها لها مجلس الأمن  ولا تنظر في الدعاوى  الجنائية  لغير الدول الموقعة على الميثاق والمصادقة عليه،  وكذلك هي تخضع لاتفاقية فيينا  لقانون المعاهدات في عام ١٩٦٩م، وتنص المادة ٣٤ فيه لعدم إجبار الدول غير الموقعة والمصادقة  للخضوع لأحكام ميثاق روما   وأيضاً لا تنعقد ولايتها في حال القضاء الوطني قادر على محاكمة المتهمين.

هذه هي المحكمة الجنائية من حيث التوصيف والمهام.

في الحلقة الثانية، ننظر في علاقة السودان منها وموقف تسليم البشير وقانونية مُصادقة حكومة د. حمدوك على ميثاق روما الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى