صاحب صوت قوي يتمتع بمساحات شاسعة وخيال أدائي مبهر.. إدريس الأمير.. إبداع كبير تجاوز جغرافيا الشرق

سيرة مجهولة:

شهدت الأغنية السودانية عبر تاريخها الطويل العديد من الأسماء النادرة التي لم تجد حظها من الاهتمام والتوقف المتأمل في حال تجاربها.. ولعل الفنان الشهير إدريس الأمير واحداً من تلك النماذج التي لم تجد الاهتمام الكافي، حيث ظلت سيرته الذاتية مجهولة وغير معروفة للكثير رغم أن للرجل إبداعاً كبيراً تجاوز به جغرافيا الشرق الحبيب واستطاع أن يعبر بصوته الجميل إلى كل ربوع السودان.. وظلت أغنيته (سواكن) واحدة من أيقونات الغناء في السودان حيث عبرت تعبيراً عميقاً ودقيقاً عن مدينة سواكن.

صاحب صوت قوي:

كان الفنان الراحل إدريس الأمير صاحب صوت قوي يتمتع بمساحات شاسعة وخيال أدائي مبهر.. وهو كما تقول الأستاذة الموثقة سهام عباس (الفنان إدريس الأمير تجربة  نادرة في الجمع بين المواهب الثلاثة الكتابة والتلحين والغناء في تاريخ الفن السوداني، كان أحد أهم إشراقاتها الفنان الراحل إدريس بن الخليفة علي نور والذي اشتهر بـ (إدريس الأمير) في مدينة بورتسودان ومن ثم ذاع صيته في أصقاع السودان المختلفة عبر الإذاعة السودانية في منتصف أو أواخر الستينيات، ولاحقاً التلفزيون السوداني باغنياته الشهيرة:

من شرقنا الحبيب أهديكم كل طيب

غناوينا وأمانينا وأنا شوقي ليكم طال

والتي مزج فيها بين البجاوية والعربية وافتتح بها مشوارًا فنياً طويلاً امتد بعمر أجيال..

ثم نقلته أغنيته ذائعة الصيت (سواكن)

صب دمعي وأنا قلبي ساكن

حار فراقك نار يا سواكن

آفاق الشهرة والنجومية:

نقلته هذه الأغنية إلى آفاق الشهرة وفضاء الفن والجمال، إذ أعاد بها إلى سواكن بعض مجدها المنسي وإلى نفسه بصمة فنية أخذت من سواكن بعض رحيقها القديم وقدمته إلى الناس كصوت خرج من عمق حضارة ضاربة في التاريخ ليتماهى مع أصوات أخرى عبرت عن حضارات مختلفة في هذا السودان ويضيف إليها ضلعاً مفقودًا سقط بعد رحيل أمير الشرق عثمان دقنة، ليكون هو أميراً جديداً تحتفي به الفنون ويحتفي بها..

ومن بعد سواكن توالت أغنياته وأعماله التي اشتهر بها وسبقته إلى عاصمة الأضواء الخرطوم تماماً كما فعل صديقه الراحل صالح الضي والذي سمع عنه الناس (يا جميل يا حلو، الدم الشربات مكملو) و(أوعك تخلف الميعاد وانت عارف شوقي كم) وبدأوا في ترديدها وهو لم يفارق بعد ورشة النجارة التي كان يعمل فيها بمدينة بورتسودان.

أغنيات رائعة:

عرف الناس أيضا عن إدريس الأمير (زاهي في زيك في وسامتك، ما نحن عايشين على ابتسامتك  و(إنا صابر على الصبر وانت عارف، نار الصبر زي الجمر وأنا خايف) وغيرها الكثير والكثير من الأغنيات الرائعة التي شكلت مع رصيفاتها الأخريات لحسين بازرعة وفاروق محمد صديق وصالح الضي وعبد الرحيم الشامي وكابلي ومن بعدهم حيدر بورتسودان وعادل مسلم ومحمد البدري ملمحًا مختلفاً لجغرافيا الأغنية السودانية.

محبة لإبراهيم عوض:

قال لي ذات مرة إنه استمع للراحل إبراهيم عوض لأول مرة من الإذاعة السودانية وكان وقتها في إحدى قرى جنوب طوكر وأظنها أن لم تخني الذاكرة قرية (عدوبنا) وكان وقتها صبياً يافعاً في أولى عتبات التعليم، وكانت تلك القرية حديثة عهد بالراديو الترانزستور وتحلق أهل القرية جميعهم حول ذلك الراديو، تلك المعجزة التكنولوجية المحيرة بمعطيات ذلك الزمان، وكان هو من بينهم، لكنه كان مشدوهاً ومجذوباً إلى شيء آخر لا يقل إعجازا عن اختراع الراديو، صوت الراحل إبراهيم عوض وهو يغني:

حبيبي جنني غير حالي

حير فكري دا الشغل بالي

سحر سواكن:

ومن يومها انشغل بال الأمير بالغناء وسحره وعوالمه إلى أن رحل عن هذه الدنيا وفيه شيء من سحر إبراهيم عوض  ودستور حي العرب أمدرمان من لدن ود الريح وأولاد الحاوي وميرغني المامون وأحمد حسن جمعة والتاج مصطفى وحسن عطية مرورًا بكل نوابغ أم درمان القديمة في ذلك الزمان، وكذلك نداوة البحر وحنين بورتسودان، والأهم سحر سواكن وأساطيرها وجنها وإنسها من لدن سليمان عليه السلام ..

وقد كان ذلك الخيار صعباً عليه وعلى أسرته التي كان على رأسها والده الخليفة علي نور أحد أهم أعيان مدينة بورتسودان في ذلك الزمان، وأحد أهم أعمدة الطريقة الختمية والحركة الاتحادية، وبين ظهرانيهم خلوة القرآن في حي ديم المدينة العريق، شمال سوقها القديم، تلك الخلوة التي بدأ منها تعلم الحروف وفنون النغم وتوازن الإيقاع مفرداً أو بصحبة أقرانه على هيئة فرقة أو جوقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى