صلاح شعيب يكتب:حمدوك: هل وعى الرسالة الجوهرية لموكب الثالث من يونيو؟

الحمد لله الذي جعل الموكب يمر بسلام ما عدا الحادث المؤلم الذي نجم عنه وفاة جندي بطلق طائش كما جاء في بيان مجلس الوزراء. والمواكب السلمية عموماً في الديمقراطية ضرورة للضغط على الحكومة. وفي حالتنا الانتقالية تغدو جوهرية بالنظر للتنكُّب الذي لازم المسؤولين المدنيين تحديداً إزاء القيام بالواجب المطلوب.

فالحضور المُعتبر للثوار، والشعارات التي رفعوها، أكّدت أنّ الثوار يقظون، وأن لهيب الثورة لم ينطفئ بعد، وأنه مهما ازداد التآمر عليها خرج المواطنون بطبيعة الأحوال لتصحيح الوضع، مُشمِّرين عن ساعد الجد.

فحمدوك، وأعضاء حكومته، وقحت، ينبغي أن يتعقّلوا جيداً رسالة هذا الموكب، والذي ربما يتبعه آخر، وآخر يُطالب باستقالة رئيس الوزراء هذه المرة جُملةً واحدةً، نظراً لعدم تحمُّله مسؤوليته بالقدر المُتوقّع، وآيات ذلك:

١- تفريغ أدائه المهني من الحمية الثورية، إذ يُحاول بقدر استطاعته أن يبدو كما لو أنه رئيس مجلس إدارة لشركة حبوب زيتية أكثر من كونه مُطالباً بتمثل قيم الثورة في خلق تغيير حقيقي في مُؤسّسات الحكومة التي تتبع له، فهو لا يني يتجاهل حقيقة وجود كوادر إسلاموية داخل مؤسسات الدولة تعرقل التغيير، ولكنه أعفى نفسه من توجيه من هُم دُونه لتنظيفها.

٢- برودة استجابته للقضايا التي تطرأ بين الفينة والأخرى حيث ينتفخ وجهه ببيانات مُندِّدة، ثم يعقب ذلك بتكوين لجان تقصٍ لا تنشر الحقيقة، ثُمّ يُراهن على نسيان الناس.

٣- تماديه في تعتيم الحقائق، وعدم مُواجهة الرأي العام عبر مُؤتمرات صحفية راتبة. وهذه النقائص الثلاث – يُمكنك إضافة أخرى – تمثل ارتداداً حقيقياً عن المفاهيم التي نشدتها ثورة ديسمبر.

رسالة الموكب لحمدوك تتمثل في أن كل موكب يأتي بأوانه، وأن الثورة ستطاله حتماً بالتغيير في ظل الفشل في الإصلاح الاقتصادي، وعدم قُدرته على أن يكون واسطة العقد بين كل التنظيمات الثورية وفقاً لموقعه، وتفضيله أن يراها مُنقسمة حتى يتقوّى مركزه. وحمدوك هنا لا يبدو مُلهماً منذ البداية في أن يكون مُكمِّلاً لقوى الثورة. وبالتجربة بدا أنه خلق له موقعاً مُنعزلاً حتى إذا تشظّت قحت تعاون مع قسم منها، وأبعد نفسه عن الآخرين المغبونين، وكأنه لا يعنيه هذا التشرذم، لو أنه عد نفسه قائداً ملهماً يملك من الرؤى، والتصورات، ما يجعله حريصاً على وحدة القوى الثورية، وذلك لما يمثل هذا العامل أمراً ضرورياً لنجاحه هو نفسه في مُهمّته. وهذا الموكب المحدد لغرضه تقول شعاراته المخفية:

١- إنّ الرهان عليك يا حمدوك لا يكون انتهائياً فمتى ما تراكمت عوامل الضعف فيك، فإنّ المواكب القادمة سترفع شعارات استقالتك تحديداً، ما دام اعتمادك على النهج البارد في مُواجهة العسكر، والفلول، يُعمِّق سرقة الثورة!!

٢- إنّ اختيارك للمنصب هو اختيارٌ مظنونٌ لكفاءتك، وليس لشخصك محل التقدير، ولهذا فلا مناص من استبدالك متى ما استمرّت كفاءتك فقط في تعميق الاعتماد على الخارج، والتقوية به، وتحقيق أهدافه في مُقابل عجزك في أن تقنع الثائرين أنّك تحس بقضيتهم في عدم قُدرتك على حسم ملف إصلاح الخدمة المدنية، والضغط لاستكمال هياكل السلطة، وتسريع وتيرة العدالة، ومحاسبة الوزراء المقصرين، إلى آخر الإخفاقات التي يعلمها الناس جميعاً.

٣- إن الثورة حراكٌ مستمرٌ في الهدم، والإبدال، والبناء، وتغيير الشخوص المعوقة للتغيير الحقيقي، ولا قداسة لأي شخص مهما علت مرتبته، أو هكذا ينبغي أن يكون الواقع.

الرسالة الأخرى لموكب الثالث من يونيو التي ربما لا يلتقطها حمدوك، ومعه القوى السياسية التي قاسمت معه الوزارة هي:

١- احتفاظ الثوار بكروت كثيرة يستطيعون رفعها في وجه كل المؤسسات الانتقالية، وليس فقط الجانب العسكري الذي فرضته الوثيقة الدستورية، ولا يزال يعرقل التغيير، وذلك باحتفاظه بالبنية النظامية الخربة لدولة الإخوان المسلمين، وسعيه لاختطاف ملف العلاقات الخارجية، والسلام، والاقتصاد، على وجه الخُصُوص.

٢- الانفراد بالقرار السياسي عبر خلق وضع مفروض على الجميع عبر تحالف مُعزّز بالشوكة العسكرية، والنظامية، لن يثني الجماهير من الثورة مَرّةً أُخرى في ظل تكاثف عواملها المتمثلة في عدم تحقيق البدايات الصحيحة لإصلاح مؤسسات الدولة، وآية ذلك تغييب إرادة ممثلي الشعب في المجلس التشريعي باحتيال سياسي مكشوف.

٣- عوامل تجاهُل الملفات الساخنة المتمثلة في إفساد الاقتصاد، والأمن، وتحجيم الفلول في الخدمة العامة، تمثل خميرة لثورة تصحيحية تفرض اعتصامات على نطاق البلاد ربما تُعطِّل عمل الدولة، ووضعها أمام واقع جديد مهما كانت فداحته.

فلتستمر المواكب السلمية بأي شعارات جاءت حتى تبلغ الثورة أهدافها، ولا تراجع للوراء البتة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى