هل تصمد المبادرة الإماراتية أمام العاصفة؟.. الاتفاقية تلزم بترسيم الحدود حسب اتفاقية 1902/1972

تطوير المنطقة عبر الاستثمار الزراعي والصناعي

14  مليون دولار من الإمارات لترسيم الحدود

الاتفاق على سودانية منطقة الفشقة

قيام شركة إماراتية ـــ سودانية لتطوير البنية التحتية

إنشاء الشوارع والكباري والسدود لحصاد المياه

8  مليارات دولار حجم الاستثمار في المنطقة

إنشاء خط سكة حديد من بورتسودان إلى القلابات

مطار للصادرات

تأهيل طريق بورتسودان القضارف

إنشاء طريق جديد من القضارف للقلابات

744  كيلو متر مربع هو طول الحدود بين السودان وإثيوبيا. ظلت المنطقة الأكثر توتراً بسبب النزاعات الحدودية، والاعتداءات المتكررة من قبل عصابات الشفتة الإثيوبية، لكنها لم تصل إلى حرب منظمة بين جيشي البلدين.

مع نهاية العام 2020 بدأت نذر الحرب تظهر بين السودان وإثيوبيا ولم يعد الأمر مجرد مناوشات بين المزارعين في منطقة الفشقة التابعة لولاية القضارف. إذ أن الاستفزازات أخذت شكلاً مغايراً هذه المرة. رغم معاهدات 1902 و1972 التي أوضحت الحدود وحددت ملكية السودان بالكامل لهذه المنطقة. غير أن الإثيوبيين استمروا في ممارسة النشاط الزراعي طيلة الحقب المتعاقبة على حكم السودان بمواقفة حكومة البشير.

في العام 2018 بدأت تختلف الأوضاع على خلفية رفض زعماء قبيلة الأمهرا اتفاقية 2008 والتي أمنت على ذات الاتفاقات السابقة. حيث ظهرت بوادر نزاعات حدودية في شكلها الرسمي بين حكومتي السودان وإثيوبيا. رغم الاعتراف الإثيوبي الرسمي بسودانية المنطقة .

ارتفع مستوى التصعيد إلى تدخلات الجيش بما ينذر بحرب قد تمتد تأثيراتها إلى دول الإقليم. وذلك على خلفية تحركات الجيش السوداني منتصف ديسمبر 2020 لاستعادة منطقة الفشقة بعد انسحاب الجيش الإثيوبي وتوجهه للحرب في منطقه التقراي، وتعرّض القوة إلى كمين من قبل مليشيات إثيوبية مدعومة من الحكومة.

المبادرة الإماراتية

كيف دخلت الإمارات، ولماذا رأت قيادة الإمارات ضرورة تسوية النزاع، وما الفوائد التي ستجنيها؟

ما الدور الذي لعبه رجل الأعمال الأشهر أسامة داود ولماذا دخل فجأة في نزاع حدودي بين بلاده ودولة مجاورة؟.

هذا ما سنكشفه عبر تحقيق استقصائي، حاولنا من خلاله الحصول على معلومات من عدة أطراف. عدا الطرف الأهم وهو الحكومة باستثناء ما أدلى به وزير رئاسة مجلس الوزراء خالد يوسف.

منذ أن ظهرت تسريبات حول وجود مبادرة تقودها دولة الإمارات لحل النزاع بين إثيوبيا والسودان، اشتعلت الوسائط الإعلامية والمواقع الإلكترونية بكيل الاتهامات حول اتجاه الحكومة للتنازل عن أراضي الفشقة وبيعها.

صمت الحكومة قاد إلى رفض الرأي العام للمبادرة الإماراتية قبل أن يعرف الناس تفاصيلها وجدواها، وإذا ما احتوت فعلًا على تنازلات.

ثلاثة محاور

خالد يوسف وزير مجلس الوزراء، تحدث باقتضاب عن المبادرة التي تقودها الإمارات، وعن دور رجل الأعمال أسامة داود لحل التوتر بين السودان وإثيوبيا.

قال إن الحكومة استلمت تصوراً من الوسيط يرتكز على ثلاثة محاور، وهو الأقرب لنموذج 1972، بالاعتماد على اتفاقية 1902 لتكثيف الحدود مقابل توفيق أوضاع المزارعين الإثيوبيين في المنطقة.

الوزير أكد أن هذا النموذج ظل معمولاً به في كل أشكال التداخل مع كافة حدود البلاد مع دول الجوار الأخرى.

المحور الأول المتعلق بترسيم الحدود يتم وفق ما يحفظ حق السودان في أراضيه حسب القانون الدولي .

المحور الثاني بحسب إفادة خالد يوسف يتمثل في إقامة مشروعات تنموية يستفيد منها المزارع السوداني والإثيوبي وكذلك الجهة الممولة.

أما المحور الثالث وهو وقف التصعيد الإعلامي

عرضت المبادرة على مجلس الدفاع والأمن وكان رده بأن يتم ترسيم الحدود أولاً ثم الحديث عن بقية البنود. وقد تم إعلام الوسيط بهذا الشرط .

اتهامات بالعمالة

مع ظهور رجل الأعمال السوداني أسامة داود في استقبال رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان لدى زيارته الأخيرة  للإمارات، اشتعلت الأسافير بتوجيه اتهامات لأسامة داود، .البعض وصف دوره كوسيط بالعمالة. فيما رأى البعض أن ما قام به أسامة داود عمل وطني كبير، وأن كثيراً من الدول تطلب من رجال الأعمال الذين لهم علاقات دولية المساعدة في حل مثل هذه النزاعات وتفخر بذلك.

وزير مجلس الوزراء خالد يوسف قدم شرحًا لدور أسامة داود، في تقريب وجهات النظر بين الحكومتين السودانية والإثيوبية في محاولة لحل الأزمة وإيقاف التراشق ونزع فتيل الحرب، وأوضح أنه قام بهذا الدور بحسب ما لديه من علاقات مع الرئيس الإثيوبي وقيادات دولة الإمارات. وأضاف بأنه لا توجد أي اتهامات في مثل هذا الموضوع بمثل ما طرح من تفاصيل حول المبادرة .

من النزاع إلى الفرص

علمنا من مصادرنا أن فكرة المبادرة جاءت أصلًا من رجل الأعمال أسامة داود.. بدأت بنقاش عام بينه وبين رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وأيضًا مع رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك. وكان الموقف الرسمي من المبادرة أن يتم ترسيم الحدود ابتداءً، وأن بإمكان المزارعين أن يواصلوا الزراعة كما هو معلوم منذ سنوات طويلة .

اقترح أسامة داود تطوير المنطقة عبر استثمار زراعي وصناعي طارحاً الفكرة على قيادات دولة الإمارات، وكذلك القيادة الإثيوبية. استغرق الأمر فترة من الزمن عبر دراسات ونقاشات متعددة تمت بزيارات مكوكية ما بين الخرطوم وأديس أبابا وأبوظبي، إلى أن وافقت الدول الثلاث على الشكل النهائي للمبادرة بما يحفظ الحقوق.

في فبراير/ مارس الماضي تمت دعوة  البلدين إلى أبوظبي، وبالفعل وصل وفد السودان برئاسة وزيرة الخارجية، ووزير الدفاع وعدد من المختصين في شأن الحدود.

خلال المفاوضات وضح موقف البلدين وتم تعديل المقترح. ثم طلب الطرفان السوداني والإثيوبي العودة لعواصمهما ومشاورة قياداتهما، ثم العودة إلى أبوظبي خلال أيام لمواصلة المفاوضات .

تفاصيل ما لم ينشر

بحسب المعلومات التي تحصلنا عليها فإن مقترح المبادرة الإماراتية تمثل في الآتي :

ـ تكثيف الحدود حسب اتفاقية 1902. والمذكرات المتبادلة بين حكومتي السودان وإثيوبيا١٩٧٢، والتي تحتوي على توفيق أوضاع المزارعين الإثيوبيين، تتكفل دولة الإمارات بتكلفة ترسيم الحدود بمبلغ 14 مليون دولار.

ـ تنفيذ مشروعات استثمارية وتطوير المنطقة.

ـ بعد ترسيم الحدود تصبح المنطقة كلها سودانية وتحت قوانين ولوائح الاستثمار في السودان.. وذلك في مساحة تبلغ 1.2 مليون فدان .

تقوم الشركة الإماراتية السودانية بتطوير البنية التحتية في كل المنطقة من شوارع.. كباري.. وسدود لحصاد المياه، كما تستصلح الأراضي وتبني المخازن والصوامع وإنشاء قسم للخدمات الزراعية.

احتوت المبادرة الإماراتية أيضًا أن يتم تخصيص نسبة من الأراضي للمزارعين الغثيوبيين بعقودات ملزمة مع الشركة الإماراتية السودانية، ويؤخذ في الاعتبار المزارعون الذين كانوا أصلاً يزرعون في المنطقة منذ سنوات طويلة.. ويتم الاتفاق على مستندات إثبات الشخصية أو جوازات. وتواجد قنصلية إثيوبية مثل الموجود حالياً في ولاية القضارف.

توفر الشركة مساحة مماثلة للمزارعين السودانيين الذين كانوا يزرعون أيضًا في المنطقة.

تنص المبادرة على أن تعمل الشركة مع كل المزارعين بنظام الزراعة التعاقدية، وتتفق معهم على زراعة المحاصيل بدورة زراعية متفق عليها على أن توفر الشركة للمزارعين تحضير الأرض والبذور.. السماد.. الحصاد.. التخزين والتسويق.

وتقوم الشركة بإنشاء مصانع تحويلية للنسيج والعصر، والصناعات التحويلية المختلفة بما يحقق القيمة المضافة.

بما أن كل هذه المنطقة سودانية وتحت قوانين الاستثمار السوداني، فالمتوقع أن يخلق عائد المحاصيل دخلاً بالعملة الصعبة في حالة التصدير أو الاستهلاك المحلي يحقق مليارات الدولارات في السنوات القادمة .

سكة حديد

بحسب ما كشفته وثيقة المبادرة الإماراتية التي تحصلنا على نسخة منها، فإن الإمارات ستقوم ببناء خط سكة حديد جديد (standardGauge) من بورتسودان للقضارف والقلابات مع توفير كل القطارات والعربات لعمل هذا الخط.

كما تقوم الإمارات ببناء خط سكة حديد من القلابات لولدايا في اثيوبيا .

وبما أن إثيوبيا قد بنت خط سكة حديد من جيبوتي وحتى ولدايا فسيصبح هذا الخط من جيبوتي (المحيط الهندي) وبورتسودان (البحر الأحمر) ويتيح الفرصة لكل من السودان وإثيوبيا باستخدام أي من المينائين حسب احتياجاتهما. ويصبح هذا من أوائل الحلم الأفريقي لربط كل المنطقة عبر السكة حديد.

أشارت تفاصيل المبادرة إلى أن إدارة خط السكة حديد تتم بواسطة شركة إماراتية سودانية بنظام تجاري، على أن تقوم الشركة بإعادة تأهيل طريق بورتسودان كسلا /القضارف، وبناء شارع جديد من القضارف إلى القلابات.. فيما تتم إدارة الطريق القومي بنظام الـ Toll (رسوم عبور).

المبادرة أشارت أيضاً بأن تقوم الإمارات ببناء مطار في المنطقة لتسهيل السفر وترحيل الصادرات. ويبلغ الاستثمار الكلي 8 مليار دولار.

ردود فعل دولية

تلقى المقترح الإماراتي ردود فعل إيجابية من مختلف دول العالم المؤثرة ودول الجوار. حيث تم وصفه بأنه موديل مثالي لحل مثل هذه المشاكل الحدودية في أفريقيا. والتي تركها المستعمر في صراعات مستمرة بدلًا من التعاون للإنتاج وتحسين وضع السكان.

مصير المبادرة

بعد مناقشات طويلة في مجلس الأمن والدفاع السوداني تم الرد على الإمارات بأن يتم تكثيف الحدود أولاً حسب اتفاقية 1902 ومذكرات 1972 . غير أن الرد لم يتطرق إلى كيفية حل مشكلة المزارعين الإثيوبيين .

الآن دولة الإمارات تدرس في الرد.. أما إن تأتي بمقترح آخر أو تنسحب من العرض المقدم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى