البناء على مجاري السيول.. مخاطر الأرواح والممتلكات

وكيل الري: لا يوجد تنسيق مع التخطيط العمراني فيما 

يتعلق بالأراضي 

الموارد المائية: منشآت ضخمة قامت على السهل الفيضي دون الرجوع إلينا 

جيلوجي: توزيع أراضٍ سكنية في مجرى السيول من أكبر الأخطاء

وحدة الإنذار المبكر: الاستعانة بنظم المعلومات الجغرافية و”الستلايت” لم يترك شيئاً للظروف 

مواطنون: تعرضنا لدمار شامل ولا نمانع من الرحيل إذا عُوِّضنا

الأمم المتحدة: السودان في حاجة إلى 1,1 مليار دولار للمساعدة في الأوضاع الإنسانية 

تحقيق: محيي الدين شجر 

أوضاع مأساوية خلفتها السيول والفيضانات التي ضربت أجزاء واسعة من السودان حيث هوت مساكن الناس في مدن وأحياء كثيرة وأصبح قاطنوها  في العراء، وعلى الطرق الرئيسة ينتظرون الإغاثات من الخيرين ومن خارج السودان للمتأثرين بالسيول والفيضانات في منطقتي الجيلي ودرملي وواسي، كما تضررت مناطق واسعة من النيل الأبيض وولاية سنار.

وأعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن 54 شخصاً لقوا حتفهم جراء الأمطار الغزيرة والسيول التي اجتاحت عدة ولايات بالسودان منذ بداية الشهر الماضي.

وتسببت السيول في تدمير نحو 26 ألف منزل، كما غمرت المياه مساحات زراعية كبيرة في بعض المناطق فضلاً عن تضرر أكثر من 194 ألف شخص حسب الأمم المتحدة.

وأضاف المكتب الأممي أن “الجهات الإنسانية قلقة من الاحتمال المرجح بحدوث مزيد من السيول”، وأكد مكتب الأمم المتحدة الحاجة إلى 150 مليون دولار من المانحين لمواجهة الفيضانات، إضافة إلى 1.1 مليار للمساعدة في الأوضاع الإنسانية بالسودان.

فمن الذي يسمح للمواطنين بالسكن في مجاري السيول والفيضانات، ولماذا في كل عام يموت الناس بسبب سكنهم في مجاري السيول، وهل من جهة أو شخص يضع حداً للمآسي التي تشهدها بلادنا كل عام؟

اعتبر عدد من المواطنين استنطقتهم (الصيحة) في مناطق ود رملي والجيلي أنهم يسكنون في الجيلي منذ عهد بعيد ولم يجدوا معارضة من أي شخص، كما قالوا إنهم لا يمانعون في ترك المنطقة إذا وجدوا البديل المناسب وذكروا أنهم ليسوا خبراء في مجاري السيول..

كما أكدت أسر بمنطقة ود رملي وبمناطق أم رمتة بالنيل الأبيض أن السيول بالنسبة لهم كابوس مريع لأنها تقضي على الأخضر واليابس وتحول حياتهم إلى جحيم كما تكبدهم  خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

وفي مناطق الكبابيش بطريق أم درمان بارا رصدت (الصيحة) عدداً مقدراً من  المتضررين بالسيول الجارفة. 

دمار

عضو مبادرة الصيادلة لتقديم مساعدات للمنكوبين في الجيلي وود رملي وواوسي، الدكتور ياسر ، قال “للصيحة” إن منطقتي الجيلي والنية تعرضتا إلى دمار جزئي، وإن منطقة ودرملي تعرضت إلى دمار كامل وإن عمليات الإخلاء فيها لا زالت مستمرة، وذكر أن منطقة واوسي تعرضت إلى دمار شامل في المنطقة الغربية المتاخمة لود رملي مع وجود نقص كبير في الخيام، وتعرضت إلى دمار جزئي في المنطقتين الشرقية والشمالية، وقال إن هنالك نقصاً في أدوية الضغط والقلب والسكري والصرع، وفي حاجة للكوادر الطبية وإلى معامل تحاليل وأجهزة تعقيم، وأن الوضع يحتاج إلى دعم عاجل..

عدم تنسيق:

وفيما يختص بسكن المواطنين في مجاري السيول قال وكيل وزارة الري والموارد المائية والكهرباء المهندس صلاح أحمد إبراهيم أن السكن يتعلق بالحكومات المحلية بينما هم وزارة اتحادية نافياً وجود تنسيق بين وزارتهم ووزارة التخطيط العمراني فيما يتعلق بتصاديق السكن للمواطنين، وأشار إلى وجود لجنة مشتركة في السابق مع التخطيط العمراني خاصة بتوصيلات خدمات الكهرباء فقط.

معتبراً أن خريف هذا العام هو خريف عادي مع وجود ظواهر غير طبيعية صاحبته، وأشار إلى وجود لجنة فنية دائمة بالوزارة تقرأ السحب في الهضبة الأثيوبية تدير عملها بالتنسيق مع اللجنة الدائمة للفيضانات والسيول التي تضم مندوبين من الجهات ذات الصلة وزارة الصحة والدفاع المدني وتقوم بكتابة تقارير يومية بأوضاع الفيضانات والسيول في السودان.

تعدٍّ 

فيما  أشار الدكتور بلة أحمد عمر من وزارة الموارد المائية بوجود تعدٍّ على السهل الفيضي للنيل في السودان،  وقال إن لوائحهم تمنع التعدي على السهل الفيضي، وأن أي بناء عليه ينبغي أن يكون بتصديق من الوزارة، وأشار إلى قيام منشآت  كثيرة على السهل الفيضي في السودان دون الرجوع إليهم في مخالفة صريحة للقوانين التي تنظم البناء على السهل الفيضي، وأضاف أن توتي مثلاً تتأثر بزيادة منسوب النيل، ويحدث فيها نحر موضحاً أن مساكن الطين التي تقوم على السهل الفيضي والأحياء والمساكن الشعبية تتضرر من فيضان النيل. 

وقال إن لوائحهم تلزم كل من يريد البناء في السهل الفيضي بالرجوع إليهم لأن قيام البناء المسلح يؤدي إلى خنق النيل وتتاثر أماكن أخرى بالفيضان وحول فيضان هذا العام أوضح أنه طبيعي لكنه تزامن مع السيول والأمطار.

وقال إن الخطر الأكبر يأتي من السيول المندفعة لأن الفيضان يمكن السيطرة عليه، لأنه يأتي ضد ميلان الأرض، وقال إن وزارة التخطيط العمراني يفترض أن تمنع الناس من السكن في مجاري السيول.

جهل 

فيما قال المدير السابق بمكتب بورتسودان للجيلوجيا عمار أنه  في كل عام, تتعرض بلادنا إلى كوارث نتيجة للأمطار والسيول والفيضانات، وأضاف أن الحوادث دوماً, سيول جارفة, قاتلة, في موعد معين من السنة, يكون فى بداية أغسطس, بداية الخريف, وفيضان الوديان, الكبيرة والصغيرة, وإنسيابها, بعنف, للمناطق (الدنيا), وهي ما يعرف عند عامة السودانيين (بالبحر), فالسيول تنحدر من الأعالي إلى الأنهار. وأثناء جريان السيول, تصطدم, بعائق الأسفلت, والسيل لا بد أن يعبر, من تحت الأسفلت أو من فوقه أو يجرف الأسفلت برمته أو يجرف المساكن والبيوت التي في طريقه ويتخذ سبيله للبحر سرباً مندهشًا من توزيع أراضي سكنية في مجاري السيول, وأوضح عمار في حديثه لـ (الصيحة) إن الدولة  بها هيئات ومؤسسات, كالجيولوجيا والمساحة, لديها, خرطاً طبوغرافية لكل منطقة بالسودان, وهي منذ فترة الإنجليز وهناك, الصور الجوية, منذ السبعينات, وما تلاها, من صور للأقمار الصناعية, وكلها, توضح, الوديان والخيران, التي تسبب السيول, وتوضح مسارها, بصورة يراها الأعمى, فيضع لها ألف حساب مضيفاً بالمؤسسات التي ذكرنا من فرّغتهم الدولة, لدراسة برنامج GIS , الذي هو أصلاً , من بعض تطبيقاته, استخدامه, لدرء الكوارث, التي تسببها, هذه السيول, في خدمة سهلة, لمن أراد, حلاً لمشكلة, السيول والفيضانات, وتحدد, المناطق التي يمكن تسهيل المرور عندها للمياه, بالطرق الهندسية البسيطة المعروفة, كالكباري, بدلاً من المزلقانات, وقال:  نعتقد إن (البلد), مليئة بالمختصين ولكننا نخسر أرواحاً وخسائر مادية, بسبب جهلنا وقال إن السيول أودت بحياة 23 شخصاً في العام الماضي وتسببت في إصابة 61 آخرين وتشريد أكثر من 8900 عائلة

وقال إن أمطار العام الماضي وفق تقارير الهلال الأحمر  أثرت على حياة أكثر من 45 ألف شخص، وتسببت في إلحاق أضرار كبيرة بالبنية التحتية الرئيسة.

المعلومات الجغرافية 

فيما قال مدير وحدة الإنذار المبكر بهيئة الأرصاد الجوي أبو القاسم إبرهيم أن تنظيم المدن أصبح يتم بالاستعانة بنظم المعلومات الجغرافية وأن الستلايت لم يترك شيء للظروف، وقال إنهم ظلوا يطلعون الجهات المختصة عن الطقس على مدار الساعة .

أخطاء فادحة: 

مصدر مطلع بالتخطيط العمراني أقر بوجود أخطاء صاحبت توزيع الأراضي لمواطني ولاية الخرطوم وقال إن وزارات التخطيط العمراني يفترض أن تحاسب في قضية السكن في مجاري السيول بولاية الخرطوم وفي غيرها من الولايات الأخرى..

وأكد على أصرار بعض المواطنين على السكن في مجاري السيول والفيضانات لجهلهم بخطورة مجاري السيول والأمطار كما اعترف أن بعض القرى القديمة التي قامت عشوائياً تقع في مجاري السيول، لكنه في نفس الوقت حمل المسؤولين في الخطط الإسكانية وفي التخطيط العمراني المسؤولية لأنهم معنيون بحماية الأرواح وكان من واجبهم  نقلهم إلى أماكن آمنة كما فعل والي الخرطوم قبل أيام.

وقال إن التخطيط العمراني بولاية الخرطوم ومصلحة الأراضي قاموا بتوزيع أراضٍ في أودية كالوادي الأخضر والكرياب والمرابيع وفي وادي سوبا، وفي أمدرمان وبحري وكثير من المناطق المعروفة أنها مجاري للسيول والفيضانات..

وأوضح أن ولاية الخرطوم ظلت تعتمد في مواردها على الأراضي ورسومها المرتفعة، وطالب المصدر بمراجعة كل المساكن الواقعة في طريق السيول مشيراً لوجود خرائط توضح مجاري السيول في كل أنحاء السودان.

تجاهل:

حاولت الصيحة الحديث مع المدير العام لوزارة التخطيط العمراني المهندس نصر الدين علي عثمان واتصلت به كثيراً وأرسلت له رسالة إلا أنه لم يرد.

اضطرار: 

 الخبير الاقتصادي  الدكتور حسين القوني  قال (للصيحة): الصحيح أن الدولة كان عليها ان تقوم  بتخطيط للقرى، والمدن قبل أن تنشأ عشوائياً كما يحدث الآن وأن تكون القرى والمدن في مناطق بعيدة عن مجاري المياه والمصارف، وقال إن سياسة الإسكان في الفترات الأخيرة كانت اضطرارية نتيجة للظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية  التي جعلت البعض يهاجرون من مناطقهم للإقامة بالخرطوم في مناطق غير مخططة، وفي مدن الولايات مما أدى إلى قيام قرى تكون قريبة من السكن، ولكنها في مجاري السيول والفيضانات دون أن تلتفت إليها الدولة ما كان ليسكنوا فيها في الظروف العادية، ومعروف طبعاً أن السيول لا تترك مجراها ولو بعد خمسين سنة، وأضاف  أن تعرض تلك القرى للسيول يخلف أضراراً ضخمة في الممتلكات وفي الأنفس ويفقد الناس ادخار العمر مشيراً إلى أن انشاء قرى جديدة لهم يكبد الدولة موارد كبيرة ويؤثر على ميزانيتها الموضوعة مسبقاً 

وتقدم القوني بوصية للحكومة القادمة بعدم السماح بقيام أي مناطق جديدة، إلا بوضع خريطة وخطة مسبقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى