علي مهدي يكتب.. دهاليز

المملكة الخضراء والشرق الأخضر

أحبائي
رمضان كريم، بعد نشر الدهليز أتلقّى الكثير من رسائلكم، والتي تدفعني لمواصلة الكتابة، فيها ما يعين ويسهم في اكتشاف آخر لموضوعاتي، وبعضها الرسائل تغمرني بود، يُعيدني سنوات لبدايات ما نسيتها، لكنها تسكن في الخاطر، تنتظر الإحياء، وتلك آية التواصل مع التوفيق.
أخذني دهليزي الماضي إلى حدود كنت دوماً أقصدها وأسعى للتأكيد على أن فيها قيم النتائج المنتظرة من فعل الكتابة، خاصة ما ارتبط وقارب بينها المبادرات الخلاقة في السياسة والفكر والفنون. ولقد عرفت المملكة العربية السعودية بوسائل متعددة ومتنوعة، في كل واحدة منها تفاصيلها الخاصة، لكنني وفي ذاكرتي التي لم تخونني حتى الآن، رغم جهد، أقول إنني فعلاً أطوف به وديان وحواري ومدن وأجواء بين السماء والأرض، حملتني أشواقي لها، ثم تعودني صحة وعافية. ما أدركت في سفري هذا مشقة، ولا تُهت فيها المدائن. كانت حاضرة، خاصة إذا تعلقت روحي بها ولها، وعشقًا صادقاً لما فيها من ناس ومشاهد، تحتشد بين ناظريك، وتتسع أحيانًا لترجع لك البصر مرةً وأخرى، ما تحتاج فيها للمفاضلة.
وكما قلت جئتها المدينة الأحب، البوابة والمدخل، الأشواق ومفتاح الأرواح.
وأنت ومقدار عشقك للمعاني أو المباني، أين تقف بينها في التقدير؟ وتلك حكاية وحكايات كثر، فيها من الرواية أحداث، ومتعة البصر، لانتقالها لحقائق أصل المتعة ولا غيرها، يوم جئتها ضيفاً رسميًا، سنوات، عقود ممكن مضت. كنت أمينًا عاماً مساعداً للاتحاد العام للفنانين العرب، حديث التكوين، تنقلت خواتيم ثمانينات القرن الماضي مع الأب المؤسس الراحل سعد الدين وهبة كاتب المسرح صاحب (المسامير) وغيرها من الروايات التمثيلية، طافت عواصم المسرح العربي، عالجها مخرجون في بلدانهم، وفقاً للظروف، والسياسة وقتها تحكم كل شيء، كما عهدها الآن، لكن فرص التعبير الآن أفضل بالقدر المستطاع، سيحكي بعدي جيل أنهم الآن في خيرات، وفرص أوسع للتعبير أفضل، والحريات كما يشتهون وبلا تردد. أيام إعلان الاتحاد العام للفنانين العرب كان الحال بين بين، بين أن تكون الأصوات الإبداعية في ذات خط الساسة، وذاك فيه من الاستحالة احتمالات، وغير ذلك، لكن سعينا بالقدر المستطاع لنمشي مع الرقيب ما أمكن مسافات، فيها فرص العرض المتاحة، ومقابلة الجمهور اليومية على خشبات المسارح أوجب، فكان موسم أستاذي الراحل الأب المؤسس (الفكي عبد الرحمن) عليةه الرحمة، هي الأفضل على مستوى المنطقة، ثم غاب الأمس مني، وغاب المسرح القومي والأهلي، أطال الرحمن عمر أستاذنا الحبيب محمد شريف علي المبادر والمؤسس لثالث مسرح خاص في (أم بدة)، بعد الشيخ بابكر بدري في (رفاعة)، والأستاذ المعلم ميسرة السراج في (العرضة غرب أمدرمان). والآن نسعى ليكون المسرح الوطني حاضرًا، رغم ما في رغم من رغم. يومها ونزلنا الرياض أولًا، وهي المدينة الأحدث عمران وفكر وانفتاح، تبني بينها وعواصم الدنيا جسور ما أحوجنا لها. الآن ومنها المدينة العصرية، خرجت مبادرات أورقت وأينعت. وفيها تم إعلان واحد من أهم ملتقيات الثقافة والفنون والفكر والعلوم الإنسانية العربية، وقف مهرجان (الجنادرية) وقتها، ظل لجبل من المعارف، خرج من رحم واحدة من أقدم المؤسسات العسكرية في المنطقة، تحرس وتبني، وتعزز فرص التنمية المستدامة من حيث تقف .
يومها حدثني سيدي (مريود) الراحل الطيب صالح عليه الرحمة كنا في لندن ننتظر قدوم (الشيخ الحنين) وأنا (الزين)، وحكاية الألقاب التي تسبق أسماءنا من رواياته، تعود علينا، ننادي بها أنفسنا. وفي تلك حكمة، أو قل بعض من محبة لها الشخوص التي تمشي معنا حيثما نكون أو نلتقي. (لندن) جئتها عابرًا من الغرب الأقصى، وأسرتي فيها أذهب وأعود،
(ساوي الدرب ساساقا) في رواية (مريود) الطيب صالح عن سفري المتكرر المكلف، نعم، ما أن أعود، حتى يلتئم شمل المهجرين والمهاجرين، وتكتمل وليمة (الملوخية بالأرانب) في المطعم الاشهر في الشارع الشهير، و (ادجوررود) بين أيدينا، والمشي فيها لندن يحلو إذا تأخر المطر ، وما أجملها إذا غاب ليوم أو أكثر . ما أن جلست وصدح بالكلام الغناء المفتخر عنها (الجنادرية) المهرجان، والرياض والمملكة والناس، وسمعت ما أدركت معه أسفا لتأخري في دخولي مشهد الحضور عندها. ويوم نزلتها ضيفًا رسميًا لأهل الفكر والثقافة والآداب، أدركت كم كان من الضروري توسيع دوائر التعاون العربي العربي في مجالات الفكر والثقافة والإعلام والفنون، وليكن هو المدخل الصحيح نحو التكامل الاقتصادي، وأنظر مشروعات العمل المشترك إقليمياً، تعزز الآن دور المنطقة العربية، ولتوسع الحلم معي أكثر كما نظرت الخريطة في دهليزي الماضي ،وفقاً لمبادرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في مكافحة التغيير المناخي، والحلم الكبير بحياة الإنسان الجديدة في ظل المتغيرات المناخية، ومناهضة عنف الطبيعة بإرشاد الإنسان لإفساد ما هو متاح من فرص التعايش معها، له والغير، بلا تعدي، واحتفاظ بمشاركات تفيد وتنفع لعمل يسهم في بناء السلام. وذاك عندي الأهم.
هل تحقق هكذا مبادرات، مثل السعودية الخضراء والشرق الأوسط الاخضر، حلم صنّاع السلام في عوالم خالية من العنف؟
وهل يتبادل الناس نعمة الخالق الرحمن والعيش المشترك، دون إفساد للموارد الطبيعية ؟
وهل للفنون، والفكر الإنساني صائب المقاصد فرص، ليكون دومًا هادي، ويهتدى به في أوقات الاختناق؟
أسئلتي تضيء الدهاليز، علها تفتح لها أبواب حوار واسع، يخرج بنا إلى شواطئ فيها من الحُسن أكثر، ومن العمل أفضل، ومن فرص التعايش ممكن.
وتلك الإشارات لمحتها قبل عقود يوم زرنا الرياض، نشرح لأهلها فكرة الاتحاد الأكبر للمبدعين، وكيف يمكن أن يكون جسرًا. ولسنوات بعدها وحتى تركت منصبي أمينًا عامًا للاتحاد في تجربة ديمقراطية أسعد بها ذكرى ومشهد، سعينا مبدعي الأمة العربية لبناء الحلم. ولكن
ثم رجعت بعدها الرياض الأحب، لأيام بعد رحلة طيبة، أمتعنا النظر والخاطر، ما كان فيها إلا فعل الفنون والثقافة، فنزلنا (جدة) وهي فعلًا (جدة غير) وشهدنا افتتاح معرض الكتاب الرابع، وهو عندي واحد من أكثر معارض الكتب حضورًا، وأوسع مشاركة. تجد فيه التنافس على عرض الأحدث في الطباعة والنشر، متنوع ومتجدد عندي لا في موضوعات الكتب، لكن في الأسماء الجديدة، تضاف في أحسن الفرص لمؤلفين جدد. مدينة المعرض، نعم هي مدينة فيها كل ما تحتاجه كزائر، تمضي أيام لتكون قد أرحت النفس من سؤال أي الأجنحة لم أزور؟
أعجبني حضور سيدي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، وصاحب واحدة من مبادرات التجديد في الفكر العربي، يوم ربط بين رأس المال العربي والفكر العربي، شراكة مستنيرة، مشت بنا، وحققت الكثير.
ثم عدنا لها (الجنادرية) المهرجان ، والرياض المدينة، ولعل ما أعاد دهاليزي لتلك الأجواء، فرح ألمّ بي في نواحيها، تلك الدورة الأخيرة قبل أن يذهب المهرجان لوزارة الثقافة، تشرف عليه، وتكمل مشوار من التأسيس لتجديد الوسائط وبناء علاقات أوسع، تمشي مع إنجاز سنوات وعقود من عطائه الممتد.
من أجمل ما وصلني من رسائل عن دهليز السبت الماضي وما فيه من إشارة للمبادرة الخلاقة الخضراء من السيدة الكاتبة والاعلامية الأستاذة ميسون أبو بكر
أنشرها كاملة، وكأني أفرد بريد الدهليز نتبادل فيه الآراء حول ما ننشر.
أستأذن ناشري فقد نوسّع دوائر تبادل الأفكار هنا.. ممكن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى