سراج الدين مصطفى يكتب.. خواطر رمضانية

(1)

في زمان سابق.. كانت هنالك مقولة مشهورة يتداولها أهلي الأنصار.. حيث كانوا يقولون (فاتحة أبو علي تصرفها عند أبوعبدة).. ولن أذهب في شروحاتها وتفسيراتها.. لأن ذلك سيقودني إلى مسألة جدلية هي أقرب لنقاشات محبي المريخ والهلال.. ولكني قصدت الاستشهاد بها هنا تحديداً لكوني متابعا بحرص شديد لكل المعلومات التي يجود بها أستاذنا ومعلمنا السر قدور..

(2)

وحينما تفوت عليه معلومة أحاول أستدراكها في ما أكتب.. واليوم توقف الأستاذ السر قدور في أغنية قطار الشوق وشاعرها المهندس علي محجوب.. فهو مر عليه عرضاً ولم يمنحه حقه من السرد المعلوماتي.. وذلك ما ذهبت إليه بالأمس عن أهمية وضرورة الباحث البرامجي في العملية الإنتاجية للبرامج.

من المؤكد أن أغنية قطار الشوق واحدة من الأغاني التي وجدت حظها من التداول الكبير عند المستمع السوداني، وهي أغنية ارتبطت تاريخياً بمدينة عطبرة حينما ذكرها الشاعر المهندس (علي محجوب) مؤرخاً لحادثة وجدانية بعينها.

(3)

ومن أشهر الفنانين الذين تغنوا بها ابن عطبرة الفنان أبو بكر الذكار، وهو أول من تغنى بها، ثم حسين شندي، والبلابل.. والبلابل أسهمن في ذيوع قطار الشوق عبر الأجهزة الأعلامية لوجودهن في الساحة الفنية، ولعلها سانحة لأن نصحح خطأ تاريخياً في خلط البعض ما بين كلمتي (نسالم- ونسائم) عطبرة والأصح هي (نسالم).

(4)

أغنية (قطار الشوق) بما احتوته من دفقة شجن عالية ولغة شعرية سهلة وسلسة ولحن بسيط يلامس شغاف القلوب، استطاعت أن ترفع من قدر شاعرها المهندس علي محجوب، ورغم وجود أغنيات أخرى ولكنها كانت كافية لتؤرخ له كشاعر مجيد، والمهندس علي محجوب من منطقة المقل مركز مروي نشأ وترعرع في مدينة عطبرة ودرس فيها جميع المراحل التعليمية تخرج من معهد الكليات التكنلوجية (كلية الهندسة الميكانيكية بعطبرة)، والتي أصبحت نواة لكافة كليات الهندسة لجامعة وادي النيل بعد أن فصلت إدارتها من معهد الكليات التكنولجية التي أصبحت جامعة السودان.

(5)

بحسب بعض التعريفات العملية.. تبدأ كتابة النكتة بالتفكير بشيء مضحك، ثمَّ تنتقل من الفكرة إلى التطبيق، باستخدام الأساليب التالية، حيث تتألف بنية معظم النِّكات من قسمين رئيسيين: أولًا – المقدمة  وهي العالم الذي تخلقه لتهيِّئ المتلقِّي للنُّكتة، والأساس الذي تُبنى عليه النكتة بأكملها. ولذلك، من المهم أن يتجهَّز المتلقي لفهم الجوانب التي ستطرحها في نكتتك، وتحرِّك تفكيره بالاتجاه الأنسب لها.

(6)

ثانيًا – النهاية المفاجئة أو النهاية غير المتوقَّعة للنكتة التي تُضحك المتلقي أحدها أو مجموعة منها في نفس الوقت، وعليك تجربة الأساليب المختلفة حتَّى تصل النكتة إلى أفضل شكلٍ لها. وفي الغالب استخدام تقنية واحدة لن يكفي، وإنَّما عليك الدمج فيما بينها.

أفضل نكتة هي التي لا يتوقَّعها القارئ لكن لدى فهمها يرى أنّ النكتة كانت لتخطر بباله لأنّه يرى القصد منها.. وحينما أسقط ذلك على الكوميديا التي يقدمها ربيع طه عبر برنامج حالة خفية وهو أشبه بالكاميرا الخفية المتعارف عليها.. نجد أنه فشل في أن يكون مضحكًا من خلال تصنعه للمواقف المضحكة وأصبحت الفكرة أقرب للعبط وليس الإضحاك وتم تغييب قيمة النكتة وابتذالها بطريقة لا ترقى لاسم عريض كربيع طه.

(7)

أدهشني الأستاذ عبد الكريم الكابلي وهو يقدم الفنان بطريقة جديدة ومغايرة.. ولعله انتهج مسلكاً مختلفاً لم يسبقه عليه أحد.. ومنذ أن سمعته لأول مرة وأنا صبي غرير وأنا في حالة جذب لشخصية الكابلي ولغنائيته التي اتسمت بالهدوء والرقة وابتعدت عن الصخب.. وأصبح عندي نموذجا للفنان الحقيقي.. وتلك هي الصورة الذهنية التي رسمتها للفنان.. لأن الفنان يجب أن يكون فناناً في كل تفاصيله.

(8)

من المؤكد أن الأستاذ عبدالكريم الكابلي قد سعى حثيثاً ليصل لوضعية الفنان المثقف.. من خلال الاطلاع المكثف والبحث في بطون الكتب.. لأنه يدرك أن الفنان هو حامل مشعل الاستنارة.. وهو قائد ونجم مجتمعي يجب أن يتسلح بالثقافة.. ليقود ويؤثر في الحياة والناس.. حتى يكون محترماً ويستحق كلمة (أستاذ) التي قاتل لأجلها عميد الفن أحمد المصطفى..

 

(9)

حينما استصحب نموذج عبد الكريم وأسقط تجربته على الأجيال الجديدة من الفنانين سيكون البون شاسعًا وواسعاً.. والميزان غير معتدل.. لأن المقارنة معدومة تماماً.. حيث معظم أو كل فناني اليوم يعانون من أنيميا حادة في الثقافة.. كلهم تقريباً عبارة عن مظهر بلا جوهر.. تجدهم يقتنون أغلى البدل وربطات العنق ولكنهم لا يجيدون حتى الحديث.. يفتقرون لأبسط مقومات الفنان الحقيقي المؤهل، لأن يقدم تجربة مختلفة.. والمتابع للبرامج الغنائية يدرك حجم الكارثة الثقافية والفنية التي نعاني منها الآن، ومن المؤكد أننا سنعاني منها مستقبلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى