شكّل علامة فارقة في الفن السوداني: الفاضل سعيد.. “اعطني مسرحاً أموت عليه”!!

 

(1)

نشأ الرائد المسرحي الفاضل سعيد في بيئة دينية وتاريخية لها أبعادها الحضارية، وهي منطقة دنقلا الغدار بشمال السودان. والده سعيد ضرار سلنتوت، ووالدته فاطمة محمد سلنتوت و”سلنتوت” تعنى الصالح، او ابن صالح، فوالده لا يعرف اللغة العربية يرطن فقط .. والوالدة لا تعرف الرطانة ولكنها تجيد اللغة العربية. إزاء هذا التباين وجد الفاضل سعيد نفسه في إطار تركيبة منحته ثراء ذهنياً وتربوياً.. وتشاء الظروف أن يتربى عند “جدته” إحدى نساء أم درمان القدامى بكل ثقافة أم درمان وحي بيت المال. والأسرة فيها من جاء مع المهدي إلى أم درمان.

(2)

ذلك المكون لم يمض دون أن يترك آثاراً على مجرى حياته. المناخات التي عاشها كانت حَريَّة بأن تجذبه وتشده، حيث لم يكتشف ملكة التمثيل إلاّ عندما أتيحت له الفرصة عند انتقال الأسرة من حي بيت المال إلى ود نوباوي بأم درمان. والتحاقه بالكشافة وهي نشاط أهلي كان له الفضل في إظهار موهبته. وكانت فرقة الكشافة يرعاها السيد الإمام عبد الرحمن المهدي. وأتاحت له فرصة المشاركة بالتمثيل كأصغر عضو فيها. وأول ما قدم كان ترجمة قانون الكشافة وتحويله إلى دراما.، بمشاركة بقية الصبية في ارتجال التمثيل ليخرج في النهاية المدلول عبارة عن قانون الكشافة. وهي الخطوة الأولى نحو بداية التأليف والتمثيل معاً. وخلال الاستراحة أثناء النشاط كان يعد ويحضر للفواصل الأخرى، مما مكنه من التمرس على الجانب الارتجالي. في المدرسة الأولية وجد أمامه الأستاذ خالد أبو الروس الذي كان يدرسه مادة الحساب، فشاهده مع فرقة السودان للتمثيل.. وتمنى الفاضل أن يصبح مثله.

(3)

وبعد إكماله الثانوي التحق بجامعة الخرطوم لدراسة الآداب، لكن شغفه بالمسرح جعله يقدم أوراقه للالتحاق بمعهد الموسيقى العالي بالقاهرة، لكن أساتذته نصحوه بألا يضيع أربعة أعوام دون فائدة، لأن الحقل الذي يمكن أن يعمل به غير موجود في السودان. توكل على الله واختار طريق المسرح واختبر نفسه وسط جمهور من خارج إطار الطلبة، حيث جاء جمهور الخرطوم لأول مرة لمشاهدة الاحتفالات الضخمة التي تقيمها المدارس المصرية بنهاية العام. وتشمل الموسيقى والرياضة والتمثيل. وبدأ يمثل لجمهور يرى ويتكلم، مما منحه الثقة للتمثيل. وشرع في تكوين فرقة الشباب للتمثيل الكوميدي في عام 1955م. وضمت هذه الفرقة محمود سراج “أبو قبورة” الذي جاء في مرحلة لاحقة، وعثمان أحمد حمد “أبودليبة” والراحل عثمان اسكندراني، إضافة إلى مجموعة من الفتيات. وتم تسجيل الفرقة في مجلس بلدي أم درمان.

(4)

من أشهر الأعمال التي قدمها الفاضل سعيد للمسرح السوداني، مسرحية أكل عيش التي كانت عام 1967م، وهي مرحلة الانتقال إلى المسرحيات ذات الفصول. ومع بداية الانتشار وذيوع الاسم على مستوى القطر سافر في جولات عربية كان من أبرزها زيارته للقاهرة لتقديم مسرحية (أكل عيش) كأول مسرحية عربية غير مصرية تصور وتبث من التلفزيون المصري.. وبعد (15) عاماً سجلها التلفزيون السوداني . وغيرها من المسرحيات،   و”الكسكتة “، و بعدها توالت الأعمال المسرحية مثل (مسرحية الفي راسو ريشة) و(مسرحية الناس في  شنو) والكثير من الأعمال التلفزيونية مثل سلسلة (رمضانيات) ومسلسل (موت الضان)، إضافة للشخصيات الراسخة في ذهنية الجمهور “العجب أمو” و”بت قضيم” و” كرتوب”..

(5)

توفي الفاضل سعيد يوم الجمعة الموافق 10/6/2005 في مدينة بور سودان على البحر الأحمر، حيث كان يقدم آخر مسرحياته. وقد عبر الرئيس السوداني ووزيرا الثقافة والإعلام ومسؤولو المسرح الوطني ومحطتا الإذاعة والتفلزيون عن حزنهم لفقدان الفنان الذي شكل علامة فارقة في الفن السوداني.  وقد منحت الدكتوراه الفخرية للممثل الراحل الفاضل قبل رحيله بمدة قليلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى