الإسلاميون والسلطة.. مطالب الحرية وإشتراطات الرموز..!

تقرير- عبد الله عبد الرحيم

كشف قيادي رفيع في تحالف إعلان “قوى الحرية والتغيير” عن رفض تيارات إسلامية طلب إجراء تعديلات جوهرية تشمل تغيير قياداتها خلال العهد البائد، لأجل المشاركة خلال المرحلة المقبلة والمتعلقة باستكمال إجراءات التحول الديمقراطي. وأكد القيادي – الذي طلب عدم الإشارة لاسمه، أن هناك جلسات حوارية ونقاشاً مستفيضاً غير رسمي يجري ما بين أعضاء في “الحرية والتغيير” و”التيار الإسلامي” بهدف إيجاد أرضية مشتركة وبلورة للمواقف الوطنية تنتهي بتوافق السودانيين على كافة مطلوبات التحول الديمقراطي والمرحلة المقبلة.

ضرورة المشاركة 

وأبدت بعض القيادات بالحرية قناعاتها بضرورة مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية لكونهم سودانيين، رافضين فكرة الإقصاء، بيد أنهم قطعوا بأن مستجدات الراهن السياسي والتحولات الجارية في البلاد تتطلب مع الإسلاميين، النظر عميقاً في بناء الدولة الوطنية السودانية بأفكار جديدة وروح لا تتصلب خلف آراء أيدولوجية متجمدة. وأضاف قيادي في الحرية والتغيير: “أنا لا أقول للإسلاميين أرموا بكل منهجكم ولكن لا يمكن أن تكون تلك القيادات التي تحكم منذ ستينيات القرن الماضي قابعة في مركز اتخاذ القرار، وكثير من شباب الإسلاميين الواعي المنفتح في مدرج المتفرج”. وأوضح أن مشاورات الحرية والتغيير مع عضوية التيار الإسلامي المعتدل والواعي ستكون مستمرة بحسبان أن الإجماع الوطني ومشاركة كل السودانيين في مراحل البناء الدستوري مهمة وضرورة قصوى لصياغة دستور وطني متوافق عليه من خلال المؤتمر الدستوري والمقرر عقده قبل انتهاء أجل الفترة الانتقالية.

جولات سرية

يبدو أن الوضع الحالي يشهد تحركات كثيفة هذه الأيام على خشبة المسرح السياسي السوداني، ودعوات تترى لعقد مصالحة سياسية بين حكام اليوم وحكام الأمس، «الإسلاميون»، وقد لا يكون التعبير دقيقاً؛ إذ أن الإسلاميين ليسوا هم حزب الرئيس البشير الذي كان حاكماً قبل الإطاحة به في ثورة شعبية، فهم طيف واسع متعدد بل إن جزءاً مقدراً منهم كان فاعلاً ضمن القوى الثورية التي هبت في أبريل 2019. بعض الأوساط الإعلامية والسياسية تحدثت عن جولات سرية من محادثات تجري لأجل عقد مصالحة بين السلطة الانتقالية الحالية ورموز وقيادات النظام السابق ممن هم في الصف الثاني وما قبله. والهدف المعلن هو الوصول إلى صيغة وربما تسوية سياسية، تضمن مشاركة الصف الثاني في العملية السياسية في مقابل وقف المعارضة الشرسة والتصعيد تجاه الحكومة الانتقالية المترنحة.

يخصم من الحكومة

وبدا الحزب الشيوعي أعلى الأحزاب الرافضة صوتاً، وقال على لسان أحد قيادييه إن الحديث عن المصالحة مع الإسلاميين يخصم كثيراً من رصيد الحكومة الحالية، وإن أي شخص يتحدث عنها يضع نفسه في خانة العداء للشعب السوداني على حد تعبيره. واعتبر شيوعي آخر أن الأجندة التي تسعى إلى جعل الإسلاميين جزءاً من الحكم الانتقالي هي مشروع أمريكي يطلق لتحقيق (الهبوط الناعم) للإسلاميين، بيد أن حزب الأمة القومي تحدث عن مصالحة وطنية يحدث من خلالها إصلاح سياسي وصولاً إلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية في الحكم، ولو بتحقيق الحد الأدنى للإجماع الوطني. ومع كل هذا الجدل بدا من الصعوبة معرفة رأي الإسلاميين أنفسهم، فلا يعلم ما هو رأيهم بل يبدو أن الغموض سيد الموقف، وهناك بعض الأصوات تشير إلى زهدهم في أن يكونوا جزءاً من الحكم الانتقالي المحفوف بالإخفاقات وعدم الاستقرار، ويبدو أن أفضل الخيارات لمستقبلهم السياسي أن يحتفظوا برصيد إنجازاتهم لاستخدامه وقوداً في معركة انتخابية ينتظرونها عقب الفترة الانتقالية.

دفع الثمن

ويقول د. مختار الشيخ أستاذ الإعلام بالجامعات السودانية لـ(الصيحة)، إنه وفي ظل حكم البشير خاصة العقد الأخير، وربما منذ انقسام الإسلاميين في 1999، فإن الحركة الإسلامية قد أخذت مكاناً قصياً وأضحت أشلاء ممزقة تعيش على رصيف الفعل السياسي. ويقول، وفي ذات الوقت دفعت ثمن إخفاقات نظام البشير. فيما تؤكد بعض النخب الإسلامية التي عارضت البشير، إن حكم الإسلاميين، تم اختطافه من قبل البشير ومعه قلة قليلة من السياسيين أصحاب المصلحة الشخصية. ويقول محدثي، ولعله كان من أبرز ملامح وفكرة زعيم الإسلاميين الراحل حسن الترابي، ما يسميه البعض بالمرونة الأيديولوجية والسياسية. فقد سعى الترابي، إلى توسيع قاعدة الدعم للحركة عبر التخفيف من شروط العضوية وعقد التحالفات مع قوى سياسية غير إسلامية وأحياناً غير مسلمة. خبراء سياسون يرون أن “فرص التسوية السياسية حاضرة، بعد توقيع اتفاقية السلام”. ودخول حركات الكفاح المسلح والتي كان عدد من قادتها يرون أن المصالحة مع الإسلاميين ضرورة تقتضيها المصلحة العامة.

اتفاق جوبا

ولأي دولة لتخرج من أزمة مثل السودان، خطوات نحو المصالحة الوطنية وإزالة الضغائن لتسهيل إدارتها بمرونة بعيدة عن المشاكسات، ولذلك يرى محمود أحمد كبرو، أحد المهتمين بالنسيج الدارفوري والخبير في شؤون الإقليم، لـ(الصيحة)، إن الفتره الماضية شهدت اعتقالات واسعة لأعضاء المؤتمر الوطني الحزب الحاكم سابقاً، ومع ذلك طالب الكثيرون بمقترحات للمصالحة الوطنية بأن تأتي من أجل سودان جديد يسع الجميع بعيداً عن الضغائن والأحقاد وحتى يصبح هناك تحول ديمقراطي حقيقي. ولكنه يرى أن المصالحة مع الإسلاميين في هذا الوقت غير مجزية، لجهة الجرائم التي ارتكبت والفساد الذي مورس، مما جعل التركة ثقيلة، وهي التي واجهت الحكومة الانتقالية وأصبحت تحدياً كبيراً أمامها.

أزمات البلاد

ويضيف المحلل السياسي د. مصطفى حسن إدريس لـ(الصيحة)، ثمة دواعٍ منطقية تدفع من يتبنون ويروجون للمصالحة مع الإسلاميين؛ فالبلاد دخلت في نفق مظلم لا تكاد ترى في نهايته بصيص ضوء، ويضيف عثمان بقوله: “الاقتصاد المنهار والضيق المعيشي والتدهور الذي اعترى كل مناحي الحياة، فضلاً عن تآكل النسيج الاجتماعي وضعف الأحزاب والقوى السياسية وارتباكها”. ويرى أن كل ذلك جعل المقارنة بين العهدين وسط عامة الشعب تميل لصالح كفة النظام الذي أقامه الإسلاميون لمدة 3 عقود برئاسة البشير. ويقول: على العقل السياسي الحاكم أن يفسح الباب أمام التغيير والإصلاح عبر الوفاق الوطني وليكن قيام انتخابات حرة ونزيهة هدفاً للجميع، أما سياسة سد المنافذ أمام الراغبين في المشاركة السياسية السلمية، فإنه قد يدفع بهم لتحولات قد تزيد أزمات البلاد. ومع أن المصالحة مع الإسلاميين ينظر لها البعض كطوق نجاة للسلطة الانتقالية الحالية، التي بدأ التراشق بين مكونيها المدني والعسكري يطفو للسطح، إلا أن هناك عدم اتفاق بين الحاكمين حول هذه المصالحة من حيث المبدأ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى